لماذا أصرّ البابا بنديكتوس على زيارة لبنان في العام 2012 بالرغم من المخاوف الأمنيّة؟

البابا بنديكتوس السادس عشر والرئيس ميشال سليمان على أرض مطار بيروت الدولي البابا بنديكتوس السادس عشر والرئيس ميشال سليمان في مطار بيروت الدولي | Provided by: Vatican Media

في العام 2012، أصرّ البابا بنديكتوس السادس عشر على زيارة لبنان بالرغم من التحدّيات الأمنيّة الخطيرة التي كانت تعصف بهذه الجمهوريّة، فحضر من 14 إلى 16 سبتمبر/أيلول من ذلك العام ووقّع الإرشاد الرسولي «الكنيسة في الشرق الأوسط». بعد وفاة بنديكتوس عن عمر يناهز 95 عامًا، نسأل د. ناجي قزيلي، عضو اللجنة التي نظّمت زيارة الأب الأقدس بلد الأرز، عن سبب إصرار البابا الألماني يومها على هذه الرحلة الرسوليّة، وعن خطاب البابا في القصر الجمهوري اللبناني.

بالرغم من التفجيرات الخطيرة

في حديث لـ«آسي مينا»، أكد د. قزيلي الخبير في الشؤون الفاتيكانيّة أن «البابا بنديكتوس أصرّ على القيام بهذه الزيارة. فعند اقتراب موعدها، اشتدّت عواقب الأزمة السوريّة على لبنان وحدثت تفجيرات أمنيّة خطيرة، لكن البابا أراد تحقيقها أيًّا كان الوضع في لبنان أو المنطقة. فهو أراد أن يوقّع الإرشاد الرسولي في هذا البلد». وأضاف قزيلي: «تبيّن لاحقًا أيضًا أنّ البابا أراد زيارة لبنان لأنّه كان عازمًا على الاستقالة من مهامه الباباويّة بعدها ببضعة أشهر».

فضّل لبنان على بقيّة الدول

أردف قزيلي: «كثيرون لا يعلمون أنّ دولًا عدّة في الشرق الأوسط تقدّمت بطلبات للبابا بنديكتوس كي يزورها ويوقّع فيها هذا الإرشاد، منها: فلسطين، الأردن، سوريا، مصر... لكنّه رفض وقال: سآتي إلى لبنان لتوقيع هذا الإرشاد لأنّ العيش معًا في هذا البلد هو ضمانة مسيحيّي الشرق». وأكد الدكتور قزيلي: «بنديكتوس أعطى أهميّة للبنان تفوق بقيّة دول الشرق الأوسط».

البابا بنديكتوس السادس عشر يوقّع الإرشاد الرسولي «الكنيسة في الشرق الأوسط» في بازيليك القديس بولس، حريصا-لبنان. Provided by: Vatican Media
البابا بنديكتوس السادس عشر يوقّع الإرشاد الرسولي «الكنيسة في الشرق الأوسط» في بازيليك القديس بولس، حريصا-لبنان. Provided by: Vatican Media

معنى عملي لمقولة «لبنان الرسالة»

ولفت قزيلي إلى أنّ «البعض يعتبر أنّ بنديكتوس قد أعطى معنى عمليًّا في الواقع السياسيّ لمقولة "لبنان الرسالة" التي أطلقها يوحنا بولس الثاني، عندما قال في القصر الجمهوري اللبناني إن التوازن لديكم دقيق جدًّا بين الطوائف ويجب الحفاظ عليه لأنّ أي فريق، إن شدّ أكثر بهذا التوازن باتّجاه مصلحته الشخصيّة، يمكنه أن يؤذي ذاته قبل الآخرين بالسهم الذي يريد إطلاقه».

لبنان قلب العالم وعقله!

لإظهار أهميّة لبنان عند البابا الألماني، استعاد قزيلي زيارة الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان الأولى للفاتيكان، عندما كان قزيلي مسؤولًا عن الفريق الإعلامي الرسمي الذي رافق الرئيس. وذكّر بما قاله بنديكتوس عند لقائه سليمان: «الحضور المسيحي يجب أن يقوى في لبنان كي يبقى هذا البلد قلب العالم وعقله». وشدّد قزيلي على ضرورة إدراك أهميّة هذه الكلمة لأنها قيلت على لسان البابا بنديكتوس.

البابا بنديكتوس السادس عشر يزور دير راهبات الكرمل، حريصا-لبنان. Provided by: Vatican Media
البابا بنديكتوس السادس عشر يزور دير راهبات الكرمل، حريصا-لبنان. Provided by: Vatican Media

أحد أهمّ 5 خطابات ذات بُعد سياسي

حول خطاب بنديكتوس في القصر الجمهوري في خلال زيارته لبلد الأرز، يقول قزيلي: «كان أعضاء السلك الديبلوماسي الغربي منذهلين من مستوى تلك الكلمة وطلبوا نسخًا منها لإرسالها إلى دولهم». ويضيف: «اعتُبِرَتْ هذه الكلمة من أهمّ 5 خطابات ذات بُعد سياسي صرف أطلقها البابا في العالم؛ كان الخطاب الأوّل في المجلس النيابي الألماني وتكلّم فيه عن مفهوم الحقّ، والثاني في وستمنستر لندن وتكلّم فيه عن السياسة والكنيسة، والثالث في القصر الجمهوري التشيكي وتكلّم فيه عن الحقيقة والنسبيّة، والرابع في معهد البرنارديّين في باريس وتكلّم فيه عن السياسة والثقافة والإيمان، أمّا الخامس في القصر الجمهوري اللبناني، فتناول فيه كيفيّة بناء السلام في مجتمع متعدّد».

لبنان في هيكل الله

يؤكد قزيلي أنّ قول البابا: «لبنان في هيكل الله»، في خلال زيارته بلد الأرز، له دلالات عدّة، ويجب أن يكون موضع تأمّل وتفكير لأنّ الملك سليمان استخدم خشبًا من أرز لبنان ليبني هيكل الله، وهذا الكلام القويّ جدًّا ليس صادرًا عن أيٍّ كان، بل عن بابا بمستوى الراحل.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته