كنيسة المهد... شاهدة على ولادة المخلّص

كنيسة المهد في بيت لحم كنيسة المهد في بيت لحم | Provided by: Shujaa_777/Shutterstock

تُعدّ كنيسة المهد في بيت لحم إحدى أقدم الكنائس في العالم التي لم تنقطع الصلاة فيها، إن لم تكن أقدمها على الإطلاق. فعلى مدار 1700 عام، كانت الكنيسة وما زالت وجهةً للحجّاج، ويقع البناء الأساسي ضمن مجمّع ديني كبير يحتوي على مجموعة من المغاور والكنائس والأديرة. ما هي أهمّ المحطات التاريخيّة للكنيسة؟ وما أبرز معالمها؟

أشار الكتاب المقدّس إلى أن ولادة يسوع قد تمّت في بيت لحم الواقعة في مقاطعة اليهوديّة جنوب أورشليم حوالى 10 كلم جنوبًا. وعلى الرغم من أن النصّ الإنجيلي لا يذكر أن الولادة قد تمّت في مغارة إلا أن التقليد وإنجيل يعقوب (هو من الأناجيل التي صُنّفت منحولة) يخبراننا بأن يسوع وُلِدَ في مغارة كان موقعها معروفًا في الأوساط المسيحيّة الشعبيّة في القرن الثاني الميلادي، فبادرت هيلانة والدة الإمبراطور قسطنطين إلى تشييد كنيسة على الطراز البازيليكي في هذا الموقع، وقد بوشرت أعمال البناء في العام 327 واستمرّت خمس سنوات لتُفتتح رسميًّا في العام 339 على اسم العذراء مريم.

وفي خلال تمرّد السامريين على الإمبراطوريّة البيزنطيّة في القرن السادس، احترقت الكنيسة ونالت نصيبًا كبيرًا من الدمار. لكن لم تمرّ سنوات قليلة حتى أمر الإمبراطور جستنيان بإعادة بنائها على شكل صليب. وجدران الكنيسة اليوم مع أعمدتها تعود لذاك الزمن وكذلك تسميتها الحاليّة. وقد نجت الكنيسة في القرن السابع من التدمير إبّان غزو الفرس للمنطقة على الرغم من تدميرهم عددًا كبيرًا من الكنائس في فلسطين، وهناك من يعزو سبب عدم إقدامهم على هذا الفعل إلى وجود أيقونة على الواجهة الغربيّة لمدخل الكنيسة تمثّل المجوس الثلاثة مرتدين الزيّ الفارسي. وقد نجت الكنيسة مرّة ثانية من الدمار في أثناء حملة اضطهاد قادها الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله في الربع الأوّل من القرن الحادي عشر.

في 24 ديسمبر/كانون الأوّل 1100، أي في ليلة عيد الميلاد وبعد عام واحد على دخول الصليبيين ووفاة حاكمها جودفري، تمّ تنصيب بالدوين ملكًا على مملكة القدس الصليبيّة في بيت لحم، ما رجّح كفّة الكنيسة الكاثوليكيّة في الموقع حتى زمن صلاح الدين الذي أعطى لحضور الطوائف الشرقيّة زخمًا أكبر، ولا سيّما الأرمن الذين مُنِحُوا حقوقًا واسعة في الكنيسة. وقد عاد الحضور الكاثوليكي بقوّة منذ القرن الرابع عشر باستثناء بعض الفترات حتى وصلنا إلى العام 1852 وإقرار «الستاتيكو»، وهو فرمان عثماني حفظ حقوق الطوائف المسيحيّة في الأراضي المقدّسة. وبالنسبة إلى كنيسة المهد، فقد وازن من حيث الحقوق والممتلكات والصلاحيّات بين ثلاث كنائس هي كنيسة الروم الأرثوذكس، وكنيسة الأرمن الأرثوذكس، والكنيسة الكاثوليكيّة ممثّلة بالرهبنة الفرنسيسكانيّة. وهذا النظام مستمر إلى يومنا هذا.

وأكثر ما يلفت انتباه زائر الكنيسة هو وجود مدخل وحيد وصغير جدًّا لها. فمنذ الفترة الصليبيّة، تمّ إغلاق كل الأبواب والاكتفاء بباب واحد جرى تقصير طوله أوّل مرّة آنذاك، ومرّة أخرى في العصر العثماني، ليصل إلى ارتفاع 1.2 مترًا فقط، وأسباب ذلك أمنيّة بحتة متعلّقة بتضييق المنفذ على المعتدي وتسهيل إغلاق الباب عليه، ومنع دخول المقاتلين الفرسان بخيولهم إلى الكنيسة.

ومن أكثر الأماكن أهمّية في الكنيسة هي مغارة الميلاد التي تقبع في أسفلها ويمكن الوصول إليها عبر أحد الدرجَيْن (من اليمين واليسار)، وتبرز تحت هيكلها الرئيسي نجمة فضّية ذات أربعة عشر شعاعًا، نُقِشَ عليها نصّ باللغة اللاتينيّة ترجمته: «هنا وُلِدَ يسوع المسيح من مريم العذراء».

وتجدر الإشارة إلى أن كنيسة المهد عانت الإهمال طوال العصر المملوكي والعثماني. فعلى مدار 700 سنة، كانت عمليّات الترميم فيها خجولة، وفُقِدَ معظم الألواح الرخاميّة التي كانت تغطّي جدرانها الداخليّة، وفُقِدَت الزخارف وجماليّة الكنيسة، وتدهور أيضًا سقف الكنيسة الذي رُمِّمَ أو استُبْدِلَ في فترات متباعدة. وكان سقفها الأوّل من خشب الأرز وقد أتى به جستنيان من جبل لبنان. ولم تبدأ عمليّات الترميم الجدّية إلا في 2013 وانتهت في 2019 لتسحب اليونسكو الموقع لاحقًا من لائحة التراث العالمي المُعرّض للخطر.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته