البحرين تستقبل البابا في احتفال مهيب... «جئتُ كزارع سلام»

البابا فرنسيس عند خروجه من الطائرة في مطار الصخير الدولي البابا فرنسيس عند خروجه من الطائرة في مطار الصخير الدولي | Provided by: Vatican Media

«أنا هنا مؤمن ومسيحي وإنسان وحاج سلام لأنّنا اليوم أكثر من ذي قبل مدعوّون في كلّ مكان إلى أن نلتزم بجديّة من أجل السلام»، هذا ما قاله البابا فرنسيس اليوم في لقاء مع السلطات وممثّلي المجتمع المدني والسلك الدبلوماسي في قصر الصخير الملكي في عوالي، البحرين.

وكان البابا قد وصل بعد ظهر اليوم إلى البحرين في زيارة تستمرّ أربعة أيّام يشارك في خلالها في «ملتقى البحرين للحوار: الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني». ولدى وصوله إلى مطار الصخير الدولي، كان في استقباله الملك حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة مع وفد رسمي. واصطف الناس على جانبي الطريق المؤدّية من المطار إلى القصر الملكي، حاملين أعلام البلاد والفاتيكان لتُطلق 21 ضربة مدفعيّة ترحيبًا به في مكان إقامة الملك.

زيارة ستترك أثرًا معنويًّا وروحيًّا

في القصر، ألقى الملك كلمة رحّب فيها بالبابا، معتبرًا أن زيارة الأخير ستترك أثرًا معنويًّا وروحيًّا كبيرًا على نفوس محبّي البابا في الخليج العربي. وأشاد الملك بسمات الحبر الأعظم ودوره في التواصل بين الأديان. وصرح أنّه يطيب له في هذه المناسبة تسجيل تقديره الكبير لدور الأب الأقدس المؤثّر والمشهود له على صعيد إحياء الحضارة الإنسانيّة عبر ترسيخ مبادئ المحبّة والأخوّة. وأكد دعم البحرين المساعي الديبلوماسيّة لإرساء السلام، ودعا إلى وقف الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة، وعبّر عن استعداد المملكة للقيام بأيّ دور مساهم في هذا المجال. وسأل الملك الله أن يبارك مساعي البابا المخلصة من أجل تنوير العقول وتقوية القلوب وبثّ الأمل في النفوس.

شجرة الأكاسيا رمز البحرين

من ناحيته، شكر البابا في كلمته الملك البحريني على دعوته لزيارة المملكة. وأعرب عن مودّته ومحبّته للذين يعيشون في هذا البلد، ذاكرًا كل المؤمنين والأفراد والعائلات التي يعرّفها دستور البحرين بأنّها «حجر الزاوية في المجتمع».

ومن شجرة الأكاسيا المدعوّة بـ«شجرة الحياة» التي تنمو في البحرين وتمتدّ جذورها لعشرات الأمتار، فترتوي من مستودعات مياه جوفيّة لتنمو في وسط الصحراء، استلهم البابا كلامه عن المملكة التي التزمت تعزيز تاريخها الذي يروي قصّة أرض في غاية القِدَم ومكان لقاء بين شعوب مختلفة.

وتطرّق البابا إلى زيادة الخصومات والصراعات والشعبويّة والتطرّف والإمبرياليّة التي تهدّد سلامة الجميع، واعتبر أنّ المسافة الثقافيّة بين مختلف أنحاء العالم آخذة في الازدياد، على الرغم من التقدّم والإنجازات الكثيرة المدنيّة والعلميّة، وعوضًا عن فرص اللقاءات المفيدة، نجد مواقفَ مشينة من المواجهة.

وأردف: «بدلًا من ذلك، لنفكّر في شجرة الحياة والصحاري القاحلة للعيش البشري معًا لنوزّع ماء الأخوّة: لا ندع إمكانيّة اللقاء بين الحضارات والأديان والثقافات تتبخّر أو نسمح بأن تجفّ جذور البشريّة! لنعمل معًا، ولنعمل من أجل الكل معًا، ومن أجل الأمل! أنا هنا، في أرض شجرة الحياة، كزارع سلام لأعيش أيّام اللقاء».

من أجل ظروف عمل تليق بالإنسان

وقال البابا: «في هذا البلد الجاذب لفرص العمل التي يقوم بتوفيرها وسط حالة الطوارئ في ظلّ أزمة العمل العالميّة، العمل غالبًا ما ينقص لكن لا غنى عنه كالخبز. وفي كثير من الأحيان، هو خبز مسموم لأنّ فيه عبوديّة». وشدّد على أنّ الإنسان بدل أن يكون الهدف المقدّس للعمل الذي لا تُمَسّ كرامته، يصير وسيلة لإنتاج المال. لذلك، يجب ضمان ظروف عمل آمنة ولائقة بالإنسان في كلّ مكان، لا تمنع بل تشجّع الحياة الثقافيّة والروحيّة، وتعزّز التماسك الاجتماعي لصالح الحياة المشتركة وتنمية البلدان نفسها.

ولفت إلى أنّ البحرين تفتخر بمكتسبات ثمينة في هذا المجال، كأوّل مدرسة للبنات في الخليج وإلغاء الرقّ، متمنيًا أن تكون المملكة «منارة لتعزيز الحقوق في كل المنطقة، والظروف العادلة والأفضل للعمّال والنساء والشباب، وتضمن في الوقت نفسه الاحترام والاهتمام للذين يشعرون بأنّهم على هامش المجتمع، مثل المهاجرين والسجناء».

وتطرّق البابا أيضًا إلى موضوع قطع الأشجار وتلويث البحار، متمنّيًا أن يكون مؤتمر الأمم المتحدة للتغيّر المناخي الذي سيُعقد في مصر بعد أيّام قليلة خطوة إلى الأمام في اتجاه العمل على الحدّ من هاتَيْن الظاهرتَيْن.

لتسكت الأسلحة وتتوقّف الحرب!

من ثمّ، انتقل البابا إلى موضوع الحرب قائلًا إنّها تُظهر أسوأ جوانب الإنسان: الأنانيّة والعنف والأكاذيب، وأنّها تمثّل أيضًا موت الحقيقة. وطلب رفض منطق السلاح وتحويل الإنفاق العسكري الضخم إلى استثمارات لمحاربة الجوع ونقص الرعاية الصحيّة والتعليم.

المزيد

وذكر أيضًا أنّه بنظره إلى شبه الجزيرة العربيّة، فهو يتوجّه بتفكير خاصّ وصادق إلى اليمن المعذّب من حرب منسيّة. وقال: «لتسكت الأسلحة، ولنلتزم السلام في كل مكان وبصدق!»

وفي الختام، اقتبس من «إعلان مملكة البحرين»، الذي يعترف بأن المعتقد الديني «بركة للبشريّة جمعاء» وأساس «للسلام في العالم» قائلًا: «لنلتزم العمل من أجل عالم يتّحد فيه المؤمنون الصادقون في معتقدهم لرفض ما يفرّقنا والتركيز على ما يوحّدنا».

 

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته