«هرمجدّون»... انتصار الحرب أم المحبّة؟

أيقونة الدينونة الأخيرة في كنيسة القديس إسحق في سانت بطرسبرغ أيقونة الدينونة الأخيرة في كنيسة القديس إسحق في سانت بطرسبرغ | Provided by: Souheil Lawand/ACI MENA

قال الرئيس الأميركي جو بايدن قبل أيّام عدّة، في حديثه عن الحرب الروسيّة الأوكرانيّة، إنّه لا يعتقد أنّ هناك أيّ سبيل لاستخدام سلاح نووي تكتيكي من دون أن ينتهي به المطاف إلى «هرمجدّون».

فماذا قصد في استعماله هذه الكلمة؟ وما مفهومها في المسيحيّة؟

وردت كلمة «هرمجدّون» مرّة واحدة في الكتاب المقدّس في سفر الرؤيا 16:16، وأصل كلمة (مجدّو) كنعاني وتعني موضع الحرب، وتمّ تحويرها في اللغة العبريّة بوضع كلمة (هَر) قبلها والتي تعني التلّة، فأصبحت في العبريّة تعني تلّة مجدّو.

وتقع مجدّو -التي تُعرف اليوم بـ«تلّ المتسلم»- في مرج ابن عامر، وتتمتّع بموقع جيوسياسي بالغ الأهمية إذ إنّها تصل البحر المتوسّط وغور الأردن بالقسمَيْن الشمالي والجنوبي لبلاد كنعان (فلسطين). وبالتالي، تُشكّل طريقًا برّيًا يربط مصر وسوريا. لذلك، شهد الموقع عددًا من المعارك على مدار التاريخ.

لكن في الحقيقة، كلمة «هرمجدّون» لم تأتِ في سفر الرؤيا بمعناها الحرفي الذي يشير إلى مكان جغرافي. يُعلّق البروفسور المونسنيور يوسف مونّس على ذلك قائلًا: «القراءة الحرفيّة للكتاب المقدّس ليست دائمًا صحيحة، فهناك القراءة الدلاليّة والرمزيّة وأيضًا النفسيّة... والكاتب بالنسبة لهذه الكلمة لا ينوي تحديد مكان جغرافي، بل يرى في أحداث الماضي رمزًا إلى الأحداث الآخرويّة (الاِسكاتولوجيّة)».

إذًا، ماذا تعني تلك الكلمة تحديدًا؟

في المفهوم الأصولي السياسي-الديني المسيحي المنتشر خصوصًا في الولايات المتحدة الأميركيّة بين المحافظين، تعني «هرمجدّون» معركة نهاية العالم، وهي معركة عسكريّة سيكون فيها المسيح حاضرًا ليُخلّص مؤمنيه. أمّا في المفهوم اليهودي، فالمعنى السابق يبقى نفسه، مع وجود فارق يتمثّل في أنّ مجيء المسيح سيكون الأوّل بالنسبة إلى اليهود لأنّهم لا يعترفون بيسوع مسيحًا. وبالتالي، سيُحقّق لهم النصر على بقيّة أمم الأرض لأنّهم شعب الله المختار بحسب معتقدهم. كذلك، تؤمن فئة كبيرة من المسلمين بمعركة نهاية العالم وإن لم يُطلقوا عليها تلك التسمية، ويعتقدون بمجيء المسيح أو المهدي لنُصرتهم على أعدائهم.

إنّ بايدن تحدّث بهذا المعنى عندما أتى على ذكر تلك الكلمة. وهو لم يكن أوّل من ذكرها من بين الرؤساء الأميركيين، فقد أشار إليها كلّ من رونالد ريغن وجورج بوش الابن أيضًا علمًا بأنّ المصطلح تطوّر ليشير إلى «معركة نوويّة لنهاية العالم».

كلّ ما سبق عن حصول معركة ووجود شعب مختار، ترفضه المسيحيّة والكنيسة الكاثوليكيّة قطعًا لأنّها لا ترى في الأصل أنّ لله شعبًا محدّدًا دون سواه، بل ترى أنّ شعب الله يتمثّل بالبشريّة جمعاء. يقول المونسنيور مونّس في هذا الصدد: «هذا الوهم بوجود معركة في نهاية الأيّام ليس من المسيحيّة. في اللاهوت المسيحي، المسيحيّة ستنتصر ليس بالحرب لكن بالمحبّة. المسيحيّة لن تنتصر إلّا بالصليب المكسور، أي بالموت على الصليب، فتنتصر بالفداء والحبّ والغيريّة. أمّا أن يأتي شعبٌ ليُقيم معركة من أجل الله، فذلك لاهوتيًّا بعيد كلّ البعد عن النصّ الإنجيلي وتفكير يسوع».

من جهته، يؤكد الأب أنطوان طحان المتخصّص في اللاهوت الكتابي، في حديث خاصّ لـ«آسي مينا»، أنّ لا وجود لمعركة عسكريّة تنتصر فيها المسيحيّة في آخر الأزمان، ويقول: «يوم النصر في المسيحيّة هو في الحقيقة يوم الربّ، يوم الدينونة. هو اليوم الذي ينتصر فيه الخير على الشرّ. لا تستطيع الكنيسة أن تلغي الشرّ من العالم لأنّ الشرّير يعمل في هذا العالم، لكنّها توقظ ضمائر المسيحيين من الشيطان وأعماله. ويستطيع الإنسان أن يبتعد عن الشرّ كلّما اقترب من المسيح بالصلاة وقراءة الكتب المقدّسة التي تصون النفس والجسد من الشيطان».

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته