هل تقبل الكنيسة بالإجهاض في حالة الخطر على حياة الحامل؟

امرأة حامل وطفل رضيع امرأة حامل وطفل رضيع | Provided by: Unsplash-@lumapimentel and @juanencalada

بعدما طرحنا على الخوري د. يوسف أبي زيد في مقالتَيْن سابقتَيْن أسئلة متنوّعة ترتبط بالإجهاض، نطرح عليه اليوم سؤالًا شهيرًا يتعلّق بهذه المسألة ويتوارد غالبًا إلى الذهن عند مناقشة هذا الموضوع: «هل تقبل الكنيسة بالإجهاض في حالة الخطر على حياة الحامل؟» الخوري يوسف أبي زيد حاصل على شهادة دكتوراه في لاهوت الزواج والعائلة من معهد يوحنا بولس الثاني الحبري في روما وإجازة قانونيّة في الأخلاقيّة الحيويّة من معهد سلطانة الرسل الحبري في العاصمة الإيطاليّة وإجازة في علوم الحياة والأرض من الجامعة الأميركيّة في بيروت. هو اليوم مدير معهد العائلة ومنسّق الماجستير في كليّة العلوم الدينيّة واللاهوتيّة في جامعة الحكمة في بيروت.

في حالة الخطر على حياة الحامل

قال أبي زيد: «إنّه أمر صعب جدًّا عندما يقع الخيار بين الجنين وحياة الأمّ بسبب مرض معيّن أو مشاكل في الحمل. لكن إن كانت الأمّ في حالة صعبة لا يمكنها سوى الاختيار بين حياتها وحياة الجنين. عندئذٍ، إن أرادت عيش أمومتها، لا يمكنها أن تقرّر قتله مباشرة إذ يبقى الربّ سيّد الحياة».

وأضاف الخوري أبي زيد: «الأمومة تتطلّب التضحية القصوى في أحيانٍ معيّنة، كرجل الإطفاء الذي يعلم بالخطر المحدق به لإنقاذ الناس من الحرائق لكن كونه رجل إطفاء يعني أنّه سيتحمّل هذا الخطر بشكل مستمر. الأمّ أيضًا تعيش في أمومتها شكلًا مستمرًّا من "الحبّ الأعظم". فكما قال المسيح "ما من حبّ أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه من أجل أحبّائه". فما تقرّر المرأة الحامل فعله تجاه الطفل الذي ينمو في أحشائها له وقع أبدي».

الإجهاض ليس دفاعًا عن النفس

وفسّر أبي زيد: «قد يقول البعض إنّ الكنيسة تسمح بالدفاع عن النفس، وبالتالي يمكن للإجهاض أن يحدث. لكن عند الدفاع عن النفس، تنتفي النيّة في قتل الآخر، فالغاية الوحيدة هي منع الآخر من قتلي. وإن كنت أملك حلولًا أخرى للدفاع عن نفسي من دون قتل الآخر، فيجب أن أستخدم هذه الوسائل. أمّا الجنين، فلا نيّة له في قتل الأمّ بل هو بريء، وبالتالي لا دفاع عن النفس في هذه الحالة، ويجب عدم الوقوع في هذا اللغط. القصد من فعل الدفاع عن النفس يجب أن يكون إبعاد مَن في صدد أن يقتلني، وقد يؤدّي هذا الفعل إلى قتل المهاجم. أمّا القصد من الإجهاض هو قتل الجنين البريء بصورة مباشرة من أجل إنقاذ الذات أو من أجل أهداف أخرى. هناك اختلاف في القصد. قصد الدفاع عن النفس جيّد لانه لا يتضمّن نيّة قتل. أما قصد الإجهاض المباشر فسيّء».

جانّا بيريتّا مولّا: «الطفلة التي تنمو في أحشائي بحاجة إليّ»

أعطى الخوري أيضًا مثل القديسة جانّا بيريتّا مولّا، فقال: «كانت طبيبة وأمًّا لثلاثة أطفال. أُصيبت بالسرطان في الرحم. كانت جانّا قادرة على معالجة ذاتها، لكن العلاج كان سيؤدّي إلى موت الطفل. ومع أنّ العلاج لم يكن قصده الموضوعي قتل الجنين بل قتل الخلايا السرطانيّة، إذًا كان العلاج مقبولًا لأنّ هدفه ليس إنقاذ الأم عبر قتل الجنين، كإعطائه حقنة معيّنة مثلًا لإجهاضه. بل في نيّة علاج جانّا كان قتل الخلايا السرطانيّة من أجل إنقاذ المرأة مع إمكانيّة موت الجنين. ومع هذا، قالت جانّا: "هناك من يمكنه الاعتناء بأطفالي الثلاثة الآخرين، لكن الطفلة التي تنمو في أحشائي بحاجة إليّ". صحيح أنّ الأطفال الثلاثة الآخرين حُرِموا من أمّ على الأرض، لكن دور الأمّ الأساسي هو حبّ أولادها وتربيتهم على خدمة الحياة. جانّا شهدت، بهذا الشكل، إلى الأبد أمام أولادها عن معنى الأمومة العميق حتى بذل الذات».

من يقع في الخطيئة إن حصل الإجهاض؟

أجاب أبي زيد: «لا يمكن اختزال الإجهاض ومقاربته من وجهة نظر الخطيئة فقط، بل المسألة أبعد من ذلك. يمكن رؤية صورة الله وبركته في الجنين، وهذا أمر رائع. ولكن فعل الإجهاض هو حجب كل هذه البركة ولذلك هو بالتأكيد خطيئة». من هنا، تابع أبي زيد: «تقع المسؤوليّة على كلّ شخص واعٍ وحرّ اشترك في هذه الجريمة. المسؤوليّة الأولى في بعض الأحيان لا تقع على الأمّ لأنها الحلقة الأضعف. المسؤوليّة تقع على الطبيب والأب والأمّ ومشرّعي القوانين التي تسمح به والمشجّعين على ذلك والفلاسفة والمثقّفين الذين يدافعون عنه وحتى الأشخاص الذين لا يعرضون مساعدة، مثلًا إن طلبت الأمّ مساعدة من مؤسّسة لم تستجب لطلبها. الكنيسة عليها مسؤوليّة أيضًا إن لم تخلق خلايا اجتماعيّة رعويّة وأبرشيّة تساعد النساء اللواتي يلتجئن ولا يلتجئن إليها. من المفترض أن نقدّم مساعدتنا. ولكن على الرغم من تحديد المسؤوليات لا يمكن اختزال الإجهاض في المعنى الضيّق للخطيئة، كما ذكرنا، أي كتخطّي لوصيّة كائنٍ أعلى منّا، بل أيضًا ننظر إلى الإجهاض المباشَر كمانع أمام السعادة الحقيقية، أمام البركة التى تكمن في خدمة صورة الله التي يتحلّى بها الجنين. بعيدًا عن أي لغة اتهاميّة، من الأفضل تشجيع ما يُسعد الناس، أي خدمة الحياة، والعمل على تجنّب ما يعرقل سعادتهم الحقيقيّة».

 

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته