ضريح مار مارون شفيع الطائفة المارونيّة... أين يقع؟ هل دمّرته الحرب؟

ضريح مار مارون-غلاف مدفن مار مارون في قرية براد السوريّة قبل تدميره | Provided by: Aleppo Maronite/Fares Badawi

تُعدّ براد مهدًا للطائفة المارونيّة، ففي هذه القرية، عاش القديس مارون وتنسّك ودُفِن. ازدهرت تلك القرية في الماضي، خصوصًا في العهد البيزنطي، وعادت واكتسبت أهمّيتها الكبرى في العام 2004، بعدما أثبتت الأبرشيّة المارونيّة في حلب احتواءها على ضريح القديس مارون شفيع الكنيسة المارونيّة، ما جعلها محجًّا يقصده السوريّون المسيحيّون والموارنة من العالم أجمع.

تُعرف براد، القرية السوريّة الأثريّة ومهد الطائفة المارونيّة، في النصوص اليونانيّة باسم «كفرو برادا»، أمّا باللغة السريانيّة، فتعني «البَرْد أو البَرَد».

تبعُد القرية عن جبل سمعان نحو 6 كم، ويُعتقد أنّ الاستيطان فيها يعود إلى القرنَيْن الثاني والثالث الميلاديَّيْن، وتضمّ معبدًا وقبورًا صخريّة عدّة وثلاث كنائس، وفيها دكاكين تعود إلى العام 203، ودلّ وجودها على انتشار صناعة الزيوت في القرية. وتشير دلائل عدّة إلى التطوّر الذي شهدته في القرن الرابع الميلادي إذ تحدّث «تاودوره أسقف قورش» عنها، قائلًا إنّها المدينة الكبرى في جبل ليلون، ومركز إدارة منطقة جبل سمعان.

مدفن مار مارون في قرية براد السوريّة قبل تدميره. Provided by: Aleppo Maronite Patriciate
مدفن مار مارون في قرية براد السوريّة قبل تدميره. Provided by: Aleppo Maronite Patriciate

كنيسة جوليانوس

تتوسّط قرية براد كنيسة القديس «جوليانوس» المسمّاة على اسم المهندس جوليانوس الذي بناها على أنقاض هيكل وثني في الفترة الممتدّة بين 399- 402، وقد استعمل في بنائها الكثير من الأعمدة المزخرفة والحجارة المصقولة التي تعود إلى الهيكل. كذلك، تحتوي الكنيسة على ثلاثة صحون تفصل بينها أروقة من الأعمدة. وعلى جانبَيْ الكنيسة، توجد غرفة «دياكونيكون» التي كان خُدّام الكنيسة يستخدمونها، وغرفة «المارتيرون» المُخصّصة لإكرام الشهداء والقديسين.

أطلق البعض على هذه الكنيسة تسمية بازيليك أو كاتدرائيّة، كونها ثاني أكبر كنائس الشمال السوري لناحية الحجم والمساحة، ولها عشرة أبواب تدلّ على كثافة الداخلين إليها والخارجين منها. ويحوي حائطها الشمالي قوس نصر، وهو من الأقواس التي كانت تُقام أمام مدافن الأبطال المنتصرين في الحروب عند الرومان للدلالة على التكريم الفائق لهم، ثمّ أصبحت لدى المسيحيين مخصّصةً لمداخل مدافن القديسين، ومنها انفتح البناء على مدفن القديس مارون.

الكنيسة الشماليّة في قرية براد. Provided by: Aleppo Maronite Archdiocese
الكنيسة الشماليّة في قرية براد. Provided by: Aleppo Maronite Archdiocese

أين دُفِنَ مار مارون؟

بعدما فارق القديس مارون الحياة، دارت معركة عنيفة بين السكّان والقرى المجاورة للاستيلاء على جثمانه، وكانت الغلبة فيها لبلدة مجاورة لقلعة كالوته، المكان الذي تنسّك فيه القديس. وتحدّث عن المدفن ثلاثة باحثين، هم: الأب باسكال كستلانا والأب بطرس ضوّ والأب أنياسيو بانيا الذي أرسل تقريرًا إلى مطران حلب للموارنة ينصّ على ما يلي:

«بالارتكاز على نصّ ثيودوريطس والمعطيات الأثريّة، وعلى توافق التواريخ، لا يمكن أن يكون الراهب المشهور المدفون في الكنيسة إلّا مار مارون بالتحديد».

وأضاف: «يتّضح لنا أنّ القديس مارون دُفِنَ في المعبد الملاصق لكنيسة جوليانوس في بلدة براد ضمن ناووس مرفوع عن الأرض، وراء باب من حديد لمنع الدخول إلى الناووس فالجثمان».

وأنهى تقريره بقوله: «يعود إلى الكنيسة السوريّة شرف بدء الاحتفال بموت نُسّاكها المتوفّين برائحة القداسة، فالقديس مارون كُرّم في سوريا الشماليّة منذ بداية الجيل الخامس بعبادةٍ علنيّة».

وفي العام 2008، أقامت أبرشيّة حلب المارونيّة قدّاسًا احتفالًا تاريخيًّا ضمن قرية براد، بهدف إعادة إحياء الجذور المسيحيّة المتأصّلة بروحانيّتها مع هذه الأرض وببركة مار مارون فيها، بعدما قامت بتجهيز مذبح وخوروس ضمن خيمة كبيرة في القرية، ووسط حضورٍ إعلامي وتلفزيوني كبير لتغطية هذا الحدث الذي كان قد شارك فيه العماد ميشال عون رئيس التيّار الوطني الحرّ آنذاك، وفيصل المقداد نائب وزير الخارجيّة السوريّة في ذلك الوقت.

مدفن مار مارون في قرية براد السوريّة قبل تدميره. Provided by: Aleppo Maronite/Fares Badawi
مدفن مار مارون في قرية براد السوريّة قبل تدميره. Provided by: Aleppo Maronite/Fares Badawi

واقع بلدة براد

في استهداف همجي للمواقع الأثريّة والدينيّة السوريّة، أقدمت طائرات تركيّة في العام 2018 على قصف موقع براد الأثري المُسجّل على لائحة مواقع التراث العالمي لليونيسكو منذ العام 2011. وأدّى ذلك القصف إلى تدمير كثير من المباني الأثريّة المهمّة، من ضمنها ضريح القديس مارون شفيع الطائفة المارونيّة، وكنيسة جوليانوس التي تضمّ الضريح وتُعدّ من أقدم الكنائس المسيحيّة في العالم.

المزيد

وطالبت المديريّة العامّة للآثار والمتاحف المنظّمات الدوليّة المعنيّة التي سجّلت هذه المواقع على لوائحها بأن تفعل ما يمليه عليها الواجب الأخلاقي والإنساني في سبيل إدانة العدوان التركي المتواصل على مواقع التراث الأثري السوري.

يُذكر أنّ بعثة أثريّة من الولايات المتحدة الأميركيّة زارت سوريا على دفعتَيْن في العام 1999 لإزاحة الستار عن منطقة المدن المنسيّة التي تنتمي إليها بلدة براد، لما تحويه من آثار لكنائس وأديرة وأبراج عدّة للنسّاك. فبلدة براد وحدها تضمّ آثارًا لثلاث كنائس وديرًا وبرجًا وعمودًا.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته