«لبنان في قلبي»... ثلاث كلمات قالها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للبطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي. حلّ الأخير ضيفًا «مميّزًا» على مائدة الإليزيه بدعوة خاصّة من سيّد القصر الفرنسي، على هامش إعادة افتتاح كاتدرائيّة «نوتردام»-باريس.
بعد مرور أسبوع على تغيّر وجه المدينة، حالة من الترقب تخيّم على العائلات المسيحية في حلب بشأن مصيرها. فهل يطول الخوف والجمود أم تعود الحياة إلى هذه الحاضرة العريقة قريبًا؟
تعود كاتدرائية «نوتردام» الباريسيّة إلى الحياة بعد لملمة آثار الحريق الضخم الذي التهمها في منتصف أبريل/نيسان 2019. خمس سنوات ونصف السنة مضت على حادثة بدّلت ملامح أحد أشهر الصروح الكاثوليكية في العالم. بعد أعمال ترميم مكثّفة، تفتح الكاتدرائيّة أبوابها من جديد في السابع من ديسمبر/كانون الأول الجاري، على أن يكون الافتتاح الرسميّ والقداس الأول في الثامن منه في احتفاليّة ضخمة تستقطب مشاركة عالميّة رفيعة.
يعيش أهل مدينة حلب السورية حصارًا مطبقًا منذ أمس الأول، تزامن مع قصف دير الأرض المقدسة للاتين في حي الفرقان. ولم يوقع الاستهداف أي ضحايا أو جرحى، بل أسفر عن أضرار جسيمة في المبنى.
في بلدَين جارَين يتقاسمان المعاناة المستمرّة والوجع المتجذّر، ما زال الإيمان ينبض في عروق مسيحيّين يتمسّكون بالبقاء رغم تراجع مقوّماته. من لبنان الخارج من حربٍ أنهكت بشره وحجره، إلى سوريا الغارقة في معارك تهدّد صمود المسيحيّين المتبقّين فيها، بارقة رجاء يحملها رسل إيمان جدد.
سبق زمن الحرب في حلب السوريّة زمن المجيء الذي يبدأ اليوم. ساعات قليلة على تقدُّم الفصائل الجهادية بقيادة هيئة تحرير الشام كانت كفيلة بإدخال المدينة مرحلة جديدة مع حكّام جدد بفكر مختلف وراية مختلفة. فما حال المسيحيين هناك؟ وبماذا توجه إليهم رعاتهم الروحيون؟
بعد سنوات من توقف المعارك فيها، يعود أهل حلب ومسيحيوها لحمل الصليب الثقيل. في أعرق المدن في التاريخ وأقدم مَواطن الإيمان المسيحي، تأتي الحرب المتجدّدة لتزيد ثقل أكتافهم المنهكة من الضائقة المعيشية.
الرابعة فجرًا بتوقيت بيروت. لم يبزغ الضوء بعد. زحمة خانقة في شوارع العاصمة اللبنانية وعند مداخلها. إنّه النزوح العكسيّ. هي العودة من مراكز الإيواء إلى البيوت أو ما تبقّى منها. اليوم، تنفّس اللبنانيون بعد شهرين من حربٍ رفضتها غالبيتهم جهارًا. تنفّست المناطق المسيحيّة التي طالتها شظايا قتال لا شأن لها فيه. تنفّست قرى الحدود المسيحيّة التي صمد سكّان بعضها، وفرَّغ القتال المحتدم بعضها الآخر ليستوطنها الخراب.
تتردّد أصداء الحرب التي يختبرها لبنان والأراضي المقدّسة في مختلف أصقاع العالم. ومن سيدني الأسترالية التي تحتضن جالية لبنانية مسيحية معتبَرة وفاعلة، رُفِعت الصلوات على نيّة السلام في بقعتَي الألم: بلاد الأرز وموطن يسوع.
باكرًا بدأ مسلسل الاعتداءات على رموز الميلاد في لبنان هذا العام. مسدّس قرب مغارةٍ ميلاديّة في بلدة فاريا (قضاء كسروان، جبل لبنان). مشهد أثار غضب الأهالي ودفعهم إلى التجمّع في الساحة على وقع قرع أجراس الكنائس ومحاولات تهدئة النفوس المشحونة بحضور القوى الأمنية.
بغصّةٍ يخترقها الأمل، استذكر لبنان استقلاله اليوم. بدت كلمة «احتفال» ثقيلة على ألسنة اللبنانيين الغارقين في حرب مستمرّة منذ شهرَين. بقهرٍ محفوفٍ برجاءٍ لا ينضب، صلّى مسيحيّو البلاد، كنيسةً وقادةً وشعبًا، من أجل استعادة سلامٍ ما هنئت به بلاد الأرز يومًا.
بين لبنان والبرازيل قلوبٌ أبعدتها المسافات من دون أن تُنسيَها الأرض الأمّ. هناك، ملايينُ اللبنانيين يصلّون من أجل الوطن الغارق في الحرب والدمار، وكنيسةٌ تواكبهم في كلّ زمان وظرف. بحزنٍ لا يهجره الرجاء، ينتظر هؤلاء قيامة لبنان المنتظرة باستعادة السلام المنشود. وفي ذاك الرجاء تلاقيهم الكنيسة المارونية في البرازيل من خلال زياراتٍ تفقّدية آخرها لرئيس أساقفة أبرشية طرابلس المارونية المطران يوسف سويف.
أوضحت مطرانية طيبة للأقباط الكاثوليك ملابسات حادثة الاعتداء على كنيسة السيدة العذراء في قرية المريس التابعة لمحافظة الأقصر المصرية.
من حريصا، رفعَ موارنة لبنان صلواتهم إلى الإخوة المسابكيين الثلاثة الذين أُعلِنت قداستهم أخيرًا. في قدّاس شكر احتضنته بازيليك سيّدة لبنان بمرأى من تمثالها الشهير، احتشد المؤمنون بحثًا عن لحظات سكينة وسلام في بلدٍ تسلبه الحرب ملامح السكينة والسلام.
تتواصل جلجثة لبنان مع الحرب، ومعها تتواصل آلام الصامدين في وطنهم والبعيدين عنه. بقلقٍ كبير وصلوات كثيرة ودعم متشعّب يواكب المغتربون أوضاع بلدهم وأهلهم. عيونهم وقلوبهم هناك مهما طالت المسافات. صمتت الحياة ظرفيًّا في أجزاء واسعة من البلاد، لتنبض في شوارع كندا طوال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
كنيسة جديدة انضمّت رسميًّا إلى بيت العائلة الإبراهيمية في أبوظبي-الإمارات العربية المتحدة. فقد شهدت النيابة الرسولية لجنوب الجزيرة العربية محطّة مهمة هذا الشهر بعد مباركة كنيسة القديس فرنسيس الأسيزي وتكريس مذبحها في احتفال ضمّ عددًا من الشخصيات الدينية وممثلي المجتمع المسيحي المحلّي.
طالب المطارنة الموارنة «المجتمع الدولي بالحل الدبلوماسي للحرب الدائرة بين حزب الله وإسرائيل، وبإقرار وقف فوري للنار وتطبيق القرار 1701 تمهيدًا لعودة النازحين إلى بلداتهم وبيوتهم».
لا تردع فصول الحرب المتتالية شبيبة لبنان المسيحيّة ولا تشلّ حركتها ونشاطاتها. على إيقاع الحرب تواصل الحركات الكشفيّة وشبيبة مختلف الأبرشيات مبادراتها. تتّحد تارةً في الصلاة من أجل السلام، وتحتفل طورًا بسنتها في قداديس لا تغيب عنها هواجس الحرب. ومع ذلك، تحمل الشبيبة المسيحيّة شعلة الرجاء من خلال تضميد جرح العنف وتحدّي الظروف القاهرة المفروضة على البلاد.
شبيبة أبرشية بيروت المارونية دعت، والرعايا المنتشرة على امتداد الوطن الحزين لبّت. بقلوبٍ يملؤها الإيمان والرجاء، تلتقي الشبيبة المارونية طوال هذا الأسبوع للصلاة على نيّة السلام في لبنان.
في وطنٍ تُغرِقه حربٌ مدمّرة، تُسجِّل الكنيسة ديناميّةَ إيمان ورجاء. لا تتوقّف القداديس والنشاطات في الأبرشيّات خصوصًا تلك التي ما زالت بمنأى نسبيّ عن الآثار المباشرة للتصعيد العسكريّ. ديناميّة حاضرة على امتداد الوطن عمومًا، وفي أبرشية جبيل المارونية خصوصًا.