الراعي يحدّد 4 مطالب من المسؤولين عن حادثة المطران الحاج

البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي-الديمان البطريرك الماروني الكادرينال مار بشارة بطرس الراعي | Provided by: Maronite Catholic Patriarchate of Antioch

حضرت اليوم قضيّة توقيف المطران موسى الحاج في عظة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في القداس الإلهي الذي ترأسه في الديمان، إذ طالب المسؤولين عن حادثة الأخير بإعادة جواز سفره وهاتفه إليه، وتسليمه الأمانات من مال وأدوية، وتأمين العبور له من الناقورة ككل الذين سبقوه إلى أبرشيّته ذهابًا وإيابًا من دون توقيف أو تفتيش، والكفّ عن تسمية المواطنين اللبنانيّين الموجودين في فلسطين بالعملاء.

وجاء في عظة الراعي ما يلي:

«روح الربّ عليّ مسحني، وأرسلني» (لو 4: 18).

1.حدّدت نبوءة أشعيا التي سمعناها هويّة يسوع، وهي مسحة الروح القدس التي ملأت بشريّته، وجعلته مسيحًا، وحدّدت رسالته بأبعادها الثلاثة: النبويّة والكهنوتيّة والملوكيّة، خلافًا لما كان عليه الأنبياء والكهنة والملوك في العهد القديم. فالأنبياء قديمًا مكلّفون ليعلنوا كلام الله للشعب، والكهنة مقامون لتقديم ذبائح ومحرقات من الحيوانات وجنى الأرض، والملوك مختارون لقيادة الشعب.

أمّا المسيح فهو بامتياز: نبيّ لأنّه يعلن كلمة الله، وهو الكلمة، وكاهن لأنّه يقدّم ذبيحة ذاته فداء عن خطايا البشر أجمعين، وملك لأنّه هو المُلك المعروف بملكوت المسيح الذي لا ينقضي ولا نهاية له، وهو الكنيسة.

لقد أشركنا المسيح الربّ بمسحته ورسالته بواسطة المعموديّة والميرون. ما يمكّن كلّ مسيحي أن يقول: «روح الربّ عليّ، مسحني وأرسلني» (لو 4: 18).

2.يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة، ويشارك معنا فيها إقليم كاريتاس-الجبّة الذي ينظّم في هذا الأحد «لقاء العودة إلى الجذور» في رحاب قنّوبين. فنحيّي رئيسه الدكتور إيليا إيليا وأعضاء المكتب، كما نحيّي رئيس رابطة كاريتاس-لبنان الأب ميشال عبّود، ورؤساء الأقاليم وأعضاء المكاتب وشبيبة كاريتاس. إنّا في هذه المناسبة نعرب عن عميق شكرنا وتقديرنا لرابطة كاريتاس لبنان، جهاز الكنيسة الرعوي-الاجتماعيّ على ما تقوم به من نشاطات وأعمال إنسانيّة واجتماعيّة وإنمائيّة وصحيّة. ونحيّي شاكرين كلّ القيّمين عليها والموظّفين والمتطوّعين والمحسنين على إخوتنا الفقراء والمعوزين من خلالها.

3.وإنّا نوجّه تحيّة خاصّة إلى عائلة المرحومة كلوديت كميل المختفي، زوجة المرحوم سمعان سركيس محفوض التي ودّعناها منذ أسبوع في بلدة أرده العزيزة، مع أبنائها وبناتها وأحفادها وأنسبائها. نذكرها في هذه الذبيحة الإلهيّة ونلتمس لها من رحمة الله الراحة الدائمة في الملكوت السماويّ، ولعائلتها وذويها العزاء.

ونحيّي الوفد الآتي من عجلتون العزيزة، وقد أعدنا معهم في 12 يوليو/تموّز تكريس كنيسة السيّدة-آل الخازن الأثريّة بعد إعادة ترميمها وصلّينا لراحة نفوس موتاهم.

4.يحتفل غدًا الجيش اللبناني بعيد تأسيسه السابع والسبعين، فإنّا نصلّي من أجله: لكي يحميه الله من المخاطر، وينمّيه، ويشدّد رابطة وحدته، ويحفظ بسلام أعضاءه. وإنّا نعرب عن تهانينا وتمنياتنا للعماد قائده ورتبائه وضبّاطه وجنوده.

5.إنّنا إذ نأسف للحادث الذي حصل منذ يومين في بلدة رميش العزيزة بين عناصر مسلّحة تابعة لأحد الأحزاب وأبناء البلدة، نهيب بالأجهزة الأمنيّة القيام بواجبها في حماية أبنائنا وطمأنتهم، فيشعرون أنّهم ينتمون إلى دولة تحميهم وتضمن سلامتهم وحريّة عملهم في أرضهم، بموجب قرار مجلس الأمن 1701 الذي يمنع أيّ قوى مسلّحة من الوجود في منطقتهم.

6.نعود اليوم، وفي ضوء الانجيل، لنتذكّر أنّ لنا نحن المسيحيّين هويّة ورسالة تشركاننا في هويّة المسيح ورسالته المثلّثة النبويّة والكهنوتيّة والملوكيّة، كما حدّدتها نبوءة أشعيا قبل الميلاد بخمسمئة سنة.

الهويّة هي مسحة الروح القدس التي نلناها بالمعموديّة والميرون: «روح الربّ عليّ» (لو 4: 18). أمّا الرسالة فمثلّثة.

الرسالة النبويّة: «أرسلني لأبشّر المساكين» (لو 4: 18). وهي العناية بكلّ محتاج ماديًّا وروحيًّا ومعنويًّا وتربويًّا وإنسانيًّا.

الرسالة الكهنوتيّة: وهي السعي إلى خلاص النفوس وتقديسها بنعمة الفداء، من خلال إظهار رحمة الله في «تعزية منكسري القلوب»، وفي «تحرير المستعبدين» للأقوياء أو لنزوات الذات والمصالح والشرّ، وفي هداية العميان إلى رؤية جديدة بنور شخص المسيح وكلامه وأفعاله، وفي المصالحة والغفران للتائبين.

الرسالة الملوكيّة «بإعلان سنة مرضيّة لله» (لو 4: 19): وهي إعلان الزمن المسيحانيّ الجديد، الذي فيه دخلت ثقافة الإنجيل العالم لتنثقف في ثقافات الشعوب. إنّه زمن المسيح الذي أتى «ليجعل كلّ شيء جديدًا» (رؤيا 21: 5). هذا هو معنى وجودنا كمسيحيّين في مجتمعات الأرض. وهذه هي رسالة الكنيسة التي تعلّم وتحكم على الأفعال البشريّة، بما فيها الأفعال السياسيّة، على القاعدة الأخلاقيّة: قاعدة الخير والشرّ، الصالح والعاطل، الحقّ والباطل، من أجل حوكمة أفضل، من دون الدخول في تقنيّاتها.

7.من هذا المنطلق، لا يمكن أن نسلّم بإغلاق ملفّ تشكيل حكومة جديدة، كأنّ الحكومة مجرّد تفصيل في بنيان نظام الدولة اللبنانيّة، مع العلم أنّ اتفاق الطائف جعل مجلس الوزراء، إلى جانب رئاسة الجمهوريّة، الركيزة المحوريّة ومركز السلطة التنفيذيّة. فلا قيمة للتكليف ما لم يستتبعه التأليف. ونستغرب أن يكون المعنيّون بتأليف الحكومة يُسخِّفون هذا الأمر، خلافًا للدستور واتفاق الطائف.

المزيد

إن تشكيل حكومة جديدة علامة ناطقة لاحترام النظام الديمقراطي والتوقّف عن الانقلاب المستمرّ عليه، وضمان اكتمال عقد المؤسّسات الدستوريّة وسير الحوكمة والفصل بين السلطات، واستمرار الشرعيّة من خلال حكومة كاملة الصلاحيّات في حال تعثّرَ، لا سمح الله، انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة. إنّ وجود حكومة شرعيّة يولي الدولة القدرة على مفاوضة المجتمعَيْن العربي والدولي وعلى اتّخاذ القرارات وتوقيع المعاهدات.

وما نخشاه هو أنّ القوى السياسيّة، إذا عجزت اليوم عن تشكيل حكومة، تعجز بالتالي غدًا عن انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة. ويكون السقوط العظيم. لكنّنا نأمل ونصلّي ألّا يكون ذلك.

8.وتأتي حادثة التعرّض للمطران موسى الحاج لتشكّل امتحانًا لمدى قدرة المسؤول عن هذه الحادثة على وضعِ حدٍّ للتطاول على الكنيسة المارونيّة، بل لمبدأ الفصل بين الدين والدولة. كان البعض يشكو من تدخّل الطوائف بالدولة، فإذا بالدولة تعتدي على طائفة تأسيسيّة وعلى رجل دين اشتهر بالتقوى وخدمة الشعب الذي كان يجدر بالدولة أن تؤمّن له الاحترام في تنقّله بين لبنان وأبرشيّته. افتعلوا حادثًا، حولّوه حدثًا، جعلوه قضيّة، ونظّموا حملات إعلاميّة لتشويه صورة الأسقف ورسالة الكنيسة الإنسانيّة والوطنيّة.

إنّنا نؤكّد من جديد أنّ «العمالة» مع دولة عدوّة لم تكن يومًا من ثقافتنا وروحايّتنا وكرامتنا. نحن أوّل من يحترم القوانين، ويدافع عنها، فنرجو من السلطة احترامها والتقيّد بها. نحن أوّل من يحترم القضاء وندافع عنه، لكنّنا نرجو من القضاة والمسؤولين القضائيّين احترام قدسيّة القضاء وتحريره من الكيديّة والارتهان لقوى سياسيّة ومذهبيّة.

في ضوء هذا الأمر، نطالب المسؤولين عن حادثة المطران موسى الحاج واحتجاز ما احتجزوه عن غير وجه حقّ، بما يلي:

1.أن يعيدوا إليه جواز سفره اللبنانيّ وهاتفه.

2.أن يسلّموه الأمانات من مال وأدوية التي كان يحملها اسميًّا لأشخاص ولمؤسّسات لأنّها أمانة في عنقه.

(تستمر القصة أدناه)

3.أن يُؤمَّن له العبور من الناقورة، ككل الذين سبقوه، إلى أبرشيّته ذهابًا وإيابًا من دون توقيف أو تفتيش.

4.أن يكفّوا عن تسمية المواطنين اللبنانيّين الموجودين في فلسطين المحتلّة بـ«عملاء».

إذا لم يفعل المسؤول بموجب هذه المطالب، فإنّهم يتسبّبون بشرّ كبير تجاه أبرشيّتنا في الأراضي المقدّسة، إذ يمنعون أسقفها من الذهاب إليها، ويجعلونها كأنّها شاغرة وهذا أمرٌ خطير يُحاسبون عليه.

نسأل الله ألّا يحصل ذلك. فله وحده كلّ مجد وتسبيح وشكر، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته