جاك ريتوريه… راهب فرنسيّ ألّف أشهر تراتيل السورث

صورة الأب ريتوريه عن غلاف كتابه  «المسيحيّون بين أنياب الذئاب» صورة الأب ريتوريه عن غلاف كتابه «المسيحيّون بين أنياب الذئاب» | مصدر الصورة: الأب أمير ججي الدومنكيّ

تكاد ترتيلة «بشمّد بابا وبرونا» تنفرد بكونها الأكثر شيوعًا بين مسيحيّي العراق، يرتّلونها في جميع المناسبات، وقليلًا ما تجد من لا يحفظ أبياتًا عدّة منها، والأندر أن تجد من يعرف مؤلّفها.

قصد الأب جاك ريتوريه (1841-1921) مدينة الموصل، شماليّ العراق، عام 1874 لينضمّ إلى إخوته في  رهبنة الإخوة الواعظين المعروفين بالآباء الدومنكان، ويخدم في ديرهم  الشهير في المدينة. فأولِع الراهب الفرنسيّ بالشرق وتراثه وآدابه وانغمس في تعلّم لغاته.

كان ريتوريه يحتفل بالقدّاس الكلدانيّ، إذ أتقن اللغة السريانيّة الشرقيّة-الكلدانيّة، وأجاد لهجتها المحكيّة (السورَث)، فضلًا عن اللغتَين الكُرديّة والأرمنيّة واللهجة الطورانية، وفق كتاب «الآباء الدومنكان في الموصل، أخبارهم وخدماتهم 1750-2005» للمؤرّخ بهنام حبّابه.

الأب جاك ريتوريه. مصدر الصورة: مركز المخطوطات الشرقيّة الرقمي CNMO-Archive Dominicans Mosul photographs
الأب جاك ريتوريه. مصدر الصورة: مركز المخطوطات الشرقيّة الرقمي CNMO-Archive Dominicans Mosul photographs

«بشمّد بابا وبرونا»

من المؤسف أنّ الآباء الدومنكان في الموصل طبعوا مؤلّفات ريتوريه الشعريّة في كتاب «المدائح الروحيّة» ونسبوها خطأً إلى داويذ كورا، الشاعر الشعبيّ الضرير، فغدا الكتاب مصدرًا للخطأ الشائع في نسبة ترتيلته الأشهر «بشمّا دبابا وبرونا-باسم الآب والابن..» إلى غيره، بينما «المؤلف الحقيقيّ لمعظم مقطوعاته هو الأب يعقوب ريتوريه»، وفق المؤرخ الأب حنّا فيي.

وفي هذا الصدد أيضًا، أكّد الأب ألبير أبونا في كتابه «تاريخ أدب اللغة الآرامية» أنّ «الأغاني المنسوبة عامّةً إلى داويذ كورا ليس هو مؤلفها الحقيقيّ، إنّما الذي وضعها هو الأب يعقوب الدومنكي، المسمّى يعقوب نوخريطا، الغريب أو الراهب». 

وإلى جانب التراتيل الرائعة، يعدّ ريتوريه أوّل من وضع النوتة للألحان الشرقية، الكلدانيّة والعربيّة، وكانت «محفوظة بين ملفات دير الآباء بخط ريتوريه نفسه ويرقى تاريخها الى عام 1879»، بحسب حبّابه.

ومن أشهر مؤلفّاته المطبوعة: «الأمثال باللغة العاميّة الكلدانيّة (السورث)»، طُبع في الموصل عام 1899 باسم داويد كورا أيضًا؛ و«أعمال الغريب، (جاك ريتوريه)» بالسورث، طُبع في الموصل عام 1914؛ و«قواعد لغة السورث» عام 1912 وسواها، فضلًا عن  المخطوطات غير المطبوعة.

ويبقى كتابه «المسيحيّون بين أنياب الذئاب» المنشور باللغتَين الفرنسية والعربية، والمتضمِّن روايته بصفته شاهدًا على مذابح السلطات العثمانيّة في حقّ المسيحيين عام 1915، أحد أهم المراجع الموثِّقة والمؤرِّخة لمأساة سيفو، نظرًا إلى ما يحتويه من «إحصائيّات دقيقة ووقائق تاريخية بالغة الأهمية».

يمكننا القول إنّ الأب ريتوريه، لو لم يضع في حياته سوى ترتيلة السورَث الشعبيّة الأشهر «بشمّد بابا وبرونا» بكلّ ما تتضمّنه من تعليمٍ رصين بلغةٍ بسيطة وسهلة الحفظ، لكفته لتخليد ذكره نظرًا إلى سعة انتشارها وبلاغة معانيها.

الأب جاك ريتوريه. مصدر الصورة: مركز المخطوطات الشرقيّة الرقمي CNMO-Archive Dominicans Mosul photographs
الأب جاك ريتوريه. مصدر الصورة: مركز المخطوطات الشرقيّة الرقمي CNMO-Archive Dominicans Mosul photographs

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته