سَلّطت تسمية البابا لاوون الرابع عشر المطران حبيب هرمز زائرًا رسوليًّا جديدًا للكلدان المقيمين في أوروبا، مزيدًا من الضوء على واقع هذه الإرساليّات ذات الأصول المشرقيّة وفاعليّة حضورها اليوم في أوطانها الجديدة.
سعت «آسي مينا» إلى معرفة المزيد عن تاريخ حضور الكلدان في أوروبا، وواقعهم الروحيّ والاجتماعيّ والتحدّيات التي تواجه نموّهم وازدهارهم، عبر محاورة المطران حبيب هرمز، راعي أبرشيّة البصرة والجنوب الكلدانيّة والزائر الرسوليّ المُعَيَّن، عقب جولته الأوروبّية أخيرًا، فبيَّنَ أنّ الحضور الكلدانيّ في أوروبا يرجع إلى أكثر من قرنٍ، وبخاصّةٍ في بريطانيا وفرنسا.
وأوضح أنّ قاصدي أوروبا، وبخاصّةٍ بريطانيا، كانوا بدايةً في غالبيّتهم من ذوي الاختصاصات العلميّة أو رجال أعمال، بينما قصدت مئات العائلات فرنسا لاحقًا، هربًا من ويلات الحرب العالميّة الأولى وما نالها من اضطهاداتٍ في خلالها.
الزائر الرسوليّ للكلدان يتفقّد رعايا الخورنات الكلدانيّة في إطار جولته الأوروبيّة الأخيرة. مصدر الصورة: المطران حبيب هرمز
هربًا من الحروب والاضطهاد
وتابع: «تسبَّب اندلاع الحرب بين العراق وإيران في العام 1980 في هجرة آلاف العائلات من كلدان العراق الذين قصدوا أيّ بلدٍ أوروبّي يقبل لجوءهم السياسيّ والإنسانيّ، ومع تتالي الحروب، تضاعفت الأعداد إلى ما يزيد عن ثمانين ألف كلدانيّ يشكّلون قرابة 25 ألف عائلة».
إزاء هذه الأعداد الكبيرة من أبناء الكنيسة الكلدانيّة، تبرز الحاجة إلى خدمات روحيّة وتعليميّة. ولفت هرمز إلى أنّ عددًا لا يتجاوز أصابع اليَد الواحدة كان كافيًا لخدمتهم بدايةً، ومع نموّ أعداد المؤمنين، وصل العدد اليوم إلى قرابة أربعين كاهنًا، والحاجة تتطلَّب المزيد.
الزائر الرسوليّ للكلدان يتفقّد رعايا الخورنات الكلدانيّة في إطار جولته الأوروبيّة الأخيرة. مصدر الصورة: المطران حبيب هرمز
ما خدمة الزائر الرسوليّ؟
وأكّد هرمز أنّ خدمة الزائر الرسوليّ تختلف كلّيًّا عن خدمة راعي الأبرشيّة، فالزائر ليس مسؤولًا عن مؤمني رعايا الإرساليّات، كمطران أبرشيّة، بقدر كونه مبعوثًا من البطريركيّة الكلدانيّة، وواجبه ينحصر في زيارة الرعايا، خارج الرقعة الجغرافيّة للبطريركيّة، وتقديم المشورة الكنسيّة للآباء وجماعات الخدمة وكتابة تقارير ترصد أحوالهم ورفع المقترحات إلى الكنيسة البطريركيّة.
تنشط خورنات الرعايا الكلدانيّة في مختلف الدول الأوروبّيّة في نشاط روحيّ يتضمّن الاحتفال بالقداديس والرتب الطقسيّة ومنح الأسرار المقدّسة، وتقام الاحتفالات بحسب الطقس الكلدانيّ باستخدام اللغة السريانيّة الشرقيّة (الكلدانيّة) المحكيّة غالبًا (السورث)، إلى جانب العربيّة، فضلًا عن لغة البلد.
الزائر الرسوليّ للكلدان يتفقّد رعايا الخورنات الكلدانيّة في إطار جولته الأوروبيّة الأخيرة. مصدر الصورة: المطران حبيب هرمز
نجَحَ بعضُ الخورنات في السويد وبريطانيا وفرنسا وبلجيكا في شراء كنائس وبناء قاعات، بينما تضيّف الكنيسة اللاتينيّة معظمهم في كنائسها لافتقارهم إلى كنيسةٍ خاصّةٍ أو مقرٍّ رعويّ، «رغم أنّ مقرّ الخورنة أو الإرساليّة يكاد يكون ملتقى العائلات الوحيد ومتنفَّسَها الذي تلوذ به للاحتفال بالرُّتَب الليتورجيّة والبحث عن إجاباتٍ لتساؤلاتها الروحيّة وتوطيد ارتباطها بجذورها في الوطن، فضلًا عن احتضانه نشاطاتها الثقافيّة والاجتماعيّة»، بحسب هرمز.
تضمّ السويد الأعداد الأكبر من الكلدان اليوم، فضلًا عن إحدى عشرة دولة أخرى أبرزها فرنسا وألمانيا وبلجيكا. ثمّ تليها في الكثافة العدديّة هولندا وبريطانيا والنمسا وسويسرا والدانمارك والنرويج وفنلندا وأخيرًا لوكسمبورغ.
وأعرب هرمز عن أسفه إزاء عدم توفّر الطاقات لسدّ حاجة الرعايا الكلدانيّة في أوروبا إلى مزيدٍ من الكهنة، لا سيّما إلى المتخصّصين في القانون لمتابعة شؤون العائلات القلقة، إذ ليس في المستطاع حاليًّا توفير كهنةٍ إضافيّين للخدمة، ما عدَّه أحد أبرز التحدّيات التي تواجهها.
الزائر الرسوليّ للكلدان يتفقّد رعايا الخورنات الكلدانيّة في إطار جولته الأوروبيّة الأخيرة. مصدر الصورة: المطران حبيب هرمز
وأشار إلى أنّ الرعايا الكلدانيّة تواجه أيضًا تحدّي السباحة ضدّ تيّار العلمانيّة، بجانبها السلبيّ المحارب لقِيَم المسيح والكنيسة، إلى جانب تحدّياتٍ أخرى أبرزها انعدام أديرة الرهبانيّات الكلدانيّة، الرجاليّة والنسائيّة، سوى ديرٍ لراهبات القلب الأقدس في فرنسا، وآخر لبنات مريم الكلدانيّات في إيطاليا، ما يقلّل فرص الدعم الروحيّ.
وختم هرمز داعيًا البطريركيّة الكلدانيّة والأساقفة اللاتين في أوروبا إلى توجيه مزيدٍ من الدعم للكلدان في أوروبا، بغية تسهيل إقامة نشاطاتهم التي تعوقها الأساليب الروتينيّة والبيروقراطيّة، فضلًا عن ضعف إمكاناتهم المادّيّة واللوجستيّة كونهم مهاجرين، مشدِّدًا على ضرورة مساندتهم ليبقوا على صلة بجذورهم المشرقيّة ويحافظوا على إيمان كنيستهم العريقة.
جديرٌ بالذكر أنّ البابا لاوون الرابع عشر عيَّن المطران حبيب هرمز زائرًا رسوليًّا جديدًا للإرساليّات الكلدانيّة في عموم أوروبا، مطلع يوليو/تمّوز 2025 ، فضلًا عن رئاسته أبرشيّة البصرة والجنوب الكلدانيّة، بناءً على طلب السينودس الكلدانيّ، ليخلف الزائر الرسوليّ السابق المطران سعد سيروب عقب قبول البابا استقالته.
الزائر الرسوليّ للكلدان يتفقّد رعايا الخورنات الكلدانيّة في إطار جولته الأوروبيّة الأخيرة. مصدر الصورة: المطران حبيب هرمز
شرعت هجرات الكلدان الأولى إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة منذ بدايات القرن العشرين، لتستقرَّ غالبيّتهم في ولاية مشيغان. ومع تزايد أعدادهم، تعدّدت كنائسهم وواظبوا فيها على ممارسة طقوسهم، محافظين على تراثهم المشرقيّ.
غابت أعداد المسيحيّين في العراق عن الإعلان في وسائل الإعلام ضمن النتائج الرسميّة الخاصّة بالتعداد السكانيّ العامّ في البلاد لسنة 2024، على الرغم من تضمّن الاستمارات الرسميّة الصادرة عن الجهاز المركزيّ للإحصاء التابع لوزارة التخطيط العراقيّة خانةً خاصّة بتحديد الديانة.