يسوع والمرأة الكنعانيّة... حوار الخلاص

يسوع والمرأة الكنعانيّة يسوع والمرأة الكنعانيّة | مصدر الصورة: ويكيميديا كومونز

لطالما اعتقد اليهود أنّهم «البنون» وشعب الله المختار، فلم يجدوا حَرَجًا في تحقير الأمم والوثنيّين ووصفِهم بـ«الكلاب» حدّ قولهم: «من يأكل مع وثنيّ، كمَن يأكل مع كلب، فكلاهما غير مختون»، إذ عدّوهم «نجسين» بحسب الشريعة. فكيف نسَفَ يسوع هذه الفكرة مُقدِّمًا خلاصه إلى جميع الشعوب؟

يُحيلنا الأب أنطوان زيتونة، الكاهن في أبرشيّة الموصل وعقرة الكلدانيّة، إلى معجزة شفاء ابنة المرأة الكنعانيّة، لافتًا إلى أنّ يسوع بدأ الحوار بكلمات قد تبدو صادمة: «لا يَحْسُنُ أَن يُؤخَذَ خُبزُ البَنين، فيُلقى إِلى صِغارِ الكِلاب»، وتجعلنا نتساءل: كيف يمكن أنْ يخرُجَ هذا الكلام القاسِي من فَمِ المسيح الذي جاء مخلِّصًا للجميع؟

الأب أنطوان زيتونة. مصدر الصورة: الأب أنطوان زيتونة
الأب أنطوان زيتونة. مصدر الصورة: الأب أنطوان زيتونة

فتات مائدة الخلاص

ويشرح زيتونة أنّ الربَّ لم يقصد تكريس هذا الفكر المنغلق، بل استخدمه أداةً لامتحان إيمان المرأة، فمنحها فُرصَةً لتُظهِر عُمق إيمانها وثباتها في الرجاء، متجاوزةً الحواجز الدينيّة والثقافيّة والاجتماعيّة، فحوَّلَ مُعتقدًا منغلقًا إلى خلاصٍ شامل.

ويتابع: «الخلاص يُعطى لكلِّ مَن يُؤمن، شاملًا الأمم والأعراق كلّها. وقد أظهرت الكنعانيّة بجوابها إيمانًا حيًّا واعيًا، وقلبًا منفتحًا على رحمة الله التي تتجاوز الحدود، وعوض أن تتراجع أمام قسوة كلمات الربّ، أجابت بجرأةٍ متواضعة: "نَعَم، يا ربّ، ولكِنَّ صِغارَ الكِلابِ تَأَكُلُ تَحتَ المائِدة من فُتاتِ الأَطفال"، معترفةً بمكانتها المتواضعة، ومُظهِرةً ثقة راسخة برحمة الله عبر تمسّكها بالفتات المتساقط من مائدة الخلاص».

بهذا الإيمان الراسخ، نادت يسوع قائلةً: «يا ربّ»، معترفةً بأنَّه المسيَّا، المخلِّص الذي لا يمكن أن يُميّز بين إنسانٍ وآخَر ولا أن يَستَثني أحدًا من رحمته، مهما كان أصله أو ماضيه. «فالمرأة الأُمَمِيّة هنا هي صورةٌ عن الأمم كلّها، المدعوّة إلى الدخول في شركة الخلاص عبر الإيمان بيسوع المسيح».

ويضيف: «إزاء إيمانها الذي تحدّى العوائق كلّها وإعلانها الصريح غير المتردّد، استحقّت نيل الخلاص، فقال لها يسوع: "مِن أَجْلِ قولِكِ هذا، اذْهَبي، فقَد خَرَجَ الشَّيطانُ مِن ابنَتِكِ". فالربّ له دائمًا الكلمة الأخيرة التي تُنهي الأزمة، وكأنّه يقول للمرأة: "اليوم صار خلاصٌ لبيتكِ، وحرّيّة لابنتكِ... اذهبي بسلام"».

وختم زيتونة مشدِّدًا على أنّ الإيمان المتواضع الذي أظهرته كان سببًا لنوال ابنتها الشّفاء، ولكنَّ الخلاص نفسه تَحَقَّق بقدرة المسيح. وحين عادت إلى بيتها لتجد الشيطان قد خرج من ابنتها، صارَ بيت امرأة أمميّة مسكنًا لحضور الله، وتحوَّلَ حزنُها فرحًا، والعالم بأسره، على مثالها، يُمكن أن ينال الخلاص بكلمةٍ من يسوع إذا آمن وتَمَسَّك بالرَّجاء.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته