العالم, الخميس 25 سبتمبر، 2025
في تاريخ الرُّموز المسيحيّة، تحتلّ الطيور موقعًا بالغ الأهمّية، إذ ارتبط حضورها في النصوص المقدّسة والفنون الدينيّة بدلالات روحيّة ولاهوتيّة عميقة. من بين هذه الرموز، يبرز طائران جارحان، يختلفان كلّيًّا في صورتهما، لكنّهما يتقاطعان في أثرهما: البومة والنسر.
لم تَرِد البومة في العهد الجديد مطلقًا، لكنَّ ذِكرَها جاء في العهد القديم في مواضع متفرّقة. ففي سفر اللاويين، عُدّت من الطيور المكروهة التي لا يجوز أكلها. أمّا كاتب سفر المزامير، فقد أراد وصف غربته الداخليّة ووحدته المطلقة عندما قال: «أَشْبَهْتُ قُوقَ البَرّيّة، صِرتُ مثلَ بومة الخراب». تلك الوحدة تجلّت (بدافع إراديّ) في الفترة المسيحيّة بالتنسّك، وهو ما دعا الفنّانين أحيانًا إلى إظهار البومة في لوحاتهم إلى جانب النسّاك؛ مثلما نرى مثلًا في لوحة القدّيس جيروم للرسام الإيطاليّ كوزيمو تورا (القرن الخامس عشر)، إذ تظهر البومة إلى جانب القدّيس رغم أنّها طائر ليليّ، واللوحة تُصوّر مشهدًا نهاريًّا.

كانت البومة عند اليونان رمزًا للحكمة والبصيرة، فهي قادرة على الرؤية في الظلام، خِلافًا لكائنات كثيرة. من هنا، يعتبر الكاتب جورج فيرغسون في كتابه «رموز الفنّ المسيحيّ» أنّ البومة التي تعيش في الظلام هي صفة المسيح الذي ضحّى بنفسه ليُخلّص الإنسان من الخطيئة «ليُضيء على الجالسين في الظلمة وظلال الموت، لكي يهدي أقدامنا في طريق السلام» (لوقا 1: 79). وهو ما يُفسّر بالنسبة إليه وجود البومة في التصوير الفنّي لمشهد الصلب.


