البابا فرنسيس... راعٍ صالح يودّعه الشرق الأوسط بالصلاة والدموع

من كاتدرائيّة قلب يسوع الأقدس للأقباط الكاثوليك في القوصية-مصر من كاتدرائيّة قلب يسوع الأقدس للأقباط الكاثوليك في القوصية-مصر | مصدر الصورة: كاتدرائيّة قلب يسوع الأقدس للأقباط الكاثوليك في القوصية

فُجع العالم المسيحيّ صباح الاثنين 21 أبريل/نيسان 2025 بوفاة بابا الكنيسة الكاثوليكيّة فرنسيس عن عمر ناهز 88 عامًا، بعد رحلة إيمان وخدمة امتدّت عقودًا، توَّجها باثني عشر عامًا من البذل والتواضع على الكرسيّ الرسوليّ. وفي أجواء عيد القيامة الذي بشّر فيه البابا طويلًا بالرجاء، ودّعته كنائس الشرق بالصلاة والتسليم، ونعاه عدد من قادة الدول العربيّة بروحٍ من الوفاء والتقدير.

رفع بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكيّ إغناطيوس يوسف الثالث يونان الصلاة إلى الله باسم الكنيسة السريانيّة الكاثوليكيّة، سينودسًا وإكليروسًا وشعبًا، لأجل راحة نفس البابا فرنسيس، سائلًا الربّ أن يُجازيه بميراث الملكوت السماويّ، لِما قدّمه من خدمة رعويّة وأعمال جليلة. وقد احتفل يونان بقدّاسٍ خاصّ صباح اثنين القيامة لأجل راحة نفسه، داعيًا الأساقفة والكهنة إلى ذكره في القداديس.

البابا فرنسيس يلتقي البطريرك يونان في القصر الرسوليّ الفاتيكانيّ. مصدر الصورة: فاتيكان ميديا
البابا فرنسيس يلتقي البطريرك يونان في القصر الرسوليّ الفاتيكانيّ. مصدر الصورة: فاتيكان ميديا

بدورها، عبّرت البطريركيّة الكلدانيّة عن حزنها العميق لفقدان البابا الذي وصفته بـ«العظيم» في إنسانيّته وانفتاحه ومحبّته وروحانيّته، واستذكرت رحلته التاريخيّة إلى العراق في مارس/آذار 2021، مؤكّدةً إيمانها بأنّه قد انتقل إلى الملكوت في عيد القيامة المجيد.

البابا فرنسيس يلتقي البطريرك ساكو في القصر الرسوليّ الفاتيكانيّ. مصدر الصورة: البطريركيّة الكلدانيّة
البابا فرنسيس يلتقي البطريرك ساكو في القصر الرسوليّ الفاتيكانيّ. مصدر الصورة: البطريركيّة الكلدانيّة

أمّا كاثوليكوس كيليكيا للأرمن الكاثوليك البطريرك روفائيل بيدروس الحادي والعشرون ميناسيان، فاستشهد بكلمات القدّيس بولس في نعيه البابا: «قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ، وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ الَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ» (٢ تيموثاوس ٤). وأكّد أنّ حياة البابا كانت صورة حيّة للراعي الصالح، المفعم بالرحمة، والمبشّر بالسلام في عالم متعطّش للرجاء.

البابا فرنسيس يلتقي ميناسيان في القصر الرسوليّ الفاتيكانيّ. مصدر الصورة: فاتيكان ميديا
البابا فرنسيس يلتقي ميناسيان في القصر الرسوليّ الفاتيكانيّ. مصدر الصورة: فاتيكان ميديا

وفي مصر، نعى مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك ورئيسه بطريرك الإسكندريّة للأقباط الكاثوليك الأنبا إبراهيم إسحق الحبرَ الرومانيّ، مؤكّدًا أنّه كان رمزًا للتواضع والرحمة، وقد نذَرَ حياته لخدمة الإنسانيّة والدفاع عن الفقراء والمحرومين، مُشِعًّا برسالة السلام والمصالحة بين الشعوب.

البابا فرنسيس يلتقي الأنبا إبراهيم إسحق بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك في القصر الرسوليّ الفاتيكانيّ. مصدر الصورة: فاتيكان ميديا
البابا فرنسيس يلتقي الأنبا إبراهيم إسحق بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك في القصر الرسوليّ الفاتيكانيّ. مصدر الصورة: فاتيكان ميديا

وفي القدس، دعت البطريركيّة اللاتينيّة إلى قدّاس إلهيّ غدًا الأربعاء في كنيسة القيامة، لأجل راحة نفس أبيها، مُجتمعةً على الامتنان لعطائه وخدمتِهِ الكنيسة الجامعة.

من جهتها، أعربت الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة، برئاسة البابا تواضروس الثاني، عن مواساتها الكنيسة الكاثوليكيّة، مشيدةً بمحبّة البابا فرنسيس وتواضعه ومثاله المسيحيّ الصادق، هو الذي كان شاهدًا حيًّا على الإخلاص في الخدمة.

البابا فرنسيس يلتقي البابا تواضروس الثاني في القصر الرسوليّ الفاتيكانيّ. مصدر الصورة: فاتيكان ميديا
البابا فرنسيس يلتقي البابا تواضروس الثاني في القصر الرسوليّ الفاتيكانيّ. مصدر الصورة: فاتيكان ميديا

أمّا بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر فاعتبر أنّ البابا الراحل هو صاحب رسالة مسيحيّة سامية، وأنّ رحيله خسارةٌ للبشريّة جمعاء، خصوصًا أنّه دعا إلى السلام وإطفاء الحروب في كلّ أصقاع الأرض.

البابا فرنسيس يلتقي البطريرك يوحنا العاشر يازجي في القصر الرسوليّ الفاتيكانيّ. مصدر الصورة: بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس
البابا فرنسيس يلتقي البطريرك يوحنا العاشر يازجي في القصر الرسوليّ الفاتيكانيّ. مصدر الصورة: بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس

وأشاد مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بمسيرة البابا فرنسيس التي تميّزت بروح الانحناء نحو كلّ إنسان متألّم، داعيًا الكهنة الكاثوليك إلى إقامة القداديس والمؤمنين إلى تلاوة المسبحة الورديّة لراحة نفس الحبر الرومانيّ. وطلب المجلس من الكنائس والأديرة الكاثوليكيّة قرع الأجراس في الساعة الثانية عشرة ظهرًا في يوم الدفن بعدَ تحديده.

من جانبه، عبَّر بطريرك الروم الأرثوذكس في القدس ثيوفيلوس الثالث عن عميق حزنه، مؤكّدًا أنّ حياة البابا كانت شهادة حيّة للإنجيل، ومثالًا على تلمذة المسيح الحقّة. وذكّر بوصيّته بأن يُشيّع بجنازة بسيطة، مُجسّدًا بذلك تواضعه العميق.

البابا فرنسيس يلتقي بطريرك الروم الأرثوذكس ثيوفيلوس الثالث في القصر الرسوليّ الفاتيكانيّ. مصدر الصورة: فاتيكان ميديا
البابا فرنسيس يلتقي بطريرك الروم الأرثوذكس ثيوفيلوس الثالث في القصر الرسوليّ الفاتيكانيّ. مصدر الصورة: فاتيكان ميديا

المزيد

كذلك، وصف بطريرك كنيسة المشرق الآشوريّة مار آوا الثالث الحبرَ الرومانيّ الراحل بأنّه صاحب روح مسيحيّة أصيلة وصادقة. وأشار إلى أنّ وفاته يوم اثنين القيامة هي دلالةٌ على قربه الكبير من الربّ يسوع، لافتًا إلى أنّه ترك وراءه إرثًا لا مثيل له، خصوصًا لناحية التقارب بين الكنائس ودعمه الحركة المسكونيّة.

البابا فرنسيس يلتقي بطريرك كنيسة المشرق الآشوريّة مار آوا الثالث في القصر الرسوليّ الفاتيكانيّ. مصدر الصورة: فاتيكان ميديا
البابا فرنسيس يلتقي بطريرك كنيسة المشرق الآشوريّة مار آوا الثالث في القصر الرسوليّ الفاتيكانيّ. مصدر الصورة: فاتيكان ميديا

إسلاميًّا، نعى شيخ الأزهر أحمد الطيّب البابا بكلمات مؤثّرة، واصفًا إيّاه بـ«الأخ في الإنسانيّة»، وبأنّه رمزٌ إنسانيّ من الطراز الرفيع، مشيرًا إلى جهوده الكبيرة في تعزيز الحوار بين الأديان والتي أسهمت في دفع عجلة الحوار الإسلاميّ-المسيحيّ، وتوقيع وثيقة الأخوّة الإنسانيّة التاريخيّة عام 2019. وشدّد على أنّه كان نصيرًا للقضايا العادلة، خاصّة في مواجهة الإسلاموفوبيا وقضيّة غزّة.

البابا فرنسيس يلتقي شيخ الأزهر أحمد الطيّب في القصر الرسوليّ الفاتيكانيّ. مصدر الصورة: فاتيكان ميديا
البابا فرنسيس يلتقي شيخ الأزهر أحمد الطيّب في القصر الرسوليّ الفاتيكانيّ. مصدر الصورة: فاتيكان ميديا

إلى ذلك، نعى عددٌ من رؤساء الدول العربيّة البابا فرنسيس، بينهم رؤساء لبنان والجزائر والعراق ومصر.

وكتب رئيس دولة الإمارات محمّد بن زايد آل نهيان عبر حسابه الرسمي على منصّة إكس: «خالص التعازي وعميق المواساة للكاثوليك في العالم... كان البابا فرنسيس رمزًا عالميًّا للتسامح والمحبّة والتضامن الإنسانيّ ورفض الحروب، وعمل مع الإمارات لسنواتٍ من أجل تكريس هذه القيَم لمصلحة البشريّة».

البابا فرنسيس يلتقي رئيس دولة الإمارات محمّد بن زايد آل نهيان. مصدر الصورة: الحساب الرسمي لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات في منصة إكس
البابا فرنسيس يلتقي رئيس دولة الإمارات محمّد بن زايد آل نهيان. مصدر الصورة: الحساب الرسمي لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات في منصة إكس

(تستمر القصة أدناه)

هكذا، رحل البابا فرنسيس بالجسد، لكنّ صوته الأبويّ ورسائله الروحيّة والإنسانيّة ستظلّ خالدةً في الضمائر، وذكراه مؤبّدة في صلوات الشرق والغرب على السواء.