التأثير المسيحي في الأدب العربي

صليب-صورة صليب المسيح | provided by: Alicia Quan/Unsplash

لننطلق من فكرة، وهي عندما نذكر عبارة "اللّغة العربيّة" لا نقصد حصرها بالمسلم، وذلك لأنّها كانت سائدة قبل الإسلام، ولقد تحدّث المسيحيّون العرب بها. كما يشكّل التّراث الأدبيّ العربيّ المسيحيّ بمختلف ميادينه مدخلًا للحوار البنّاء والعيش المشترك بين المسيحيّ والمسلم، كونهما عضوين في جسد عربيّ واحد. ومن ثمّ، إنّه يصعب علينا الفصل واقعيًّا أو تاريخيًّا بين الدّين والأدب من ناحية، كونهما يعبّران في جوهرهما عن شوق ملتهب في البحث عن ارتقاء سلّم الكمال، وتخطّي حطام الواقع من ناحية أخرى...

فهل في أدبنا العربيّ من إبداع ما يشكّل أدبًا مسيحيًّا، له ملامحه الموضوعيّة والفنيّة المتميّزة شأن الآداب الأخرى؟

كان الأدباء المسيحيّون في طليعة النّهضة الثّقافيّة العربيّة الحديثة التي بدأت شرارتها تشتعل داخل الأوساط المسيحيّة في بيروت والقاهرة وحلب، في القرن التّاسع عشر، ومن ثمّ أخذت تمتدّ حركتها في أواخره. ونتج عن هذه النّهضة تأسيس المدارس والجامعات العربيّة والمسرح والصّحافة العربيّة، وتجديد أدبيّ شعريّ لغويّ مميّز، ونشر الرّواية الحديثة، وفي خلالها أيضًا، تمّ تأسيس أوّل مجمع لغويّ، واشترك فيه عدد من المسيحيّين. كما أدخلوا المطابع بالحرف العربيّ، والموسيقى والنّحت والفنّ والعلوم الإنسانيّة وغيرها من الفنون. ولا يمكن حصر ما قدّمته ثقافة النّهضة العربيّة في القرن التّاسع بهذه التّصنيفات فقط، إذ إنّها امتدّت لتشمل أطياف المجتمع وميادينه برمّته. ويكاد المؤرّخون يتّفقون على الدّور الفعّال الّذي لعبه المسيحيّون العرب في هذه النّهضة الثّقافيّة، ودورهم في الازدهار لم يكن محصورًا في الوطن العربيّ وحسب، بل تخطّاه ليصل إلى المهجر.

وفي الحقبة العثمانيّة، رأينا مجموعة من أعلام الأدب العربيّ المسيحيّ، وهم يعبّرون عن تمسّكهم باللّغة العربيّة، كما كان الإسلام، في نظرهم، صنو العروبة ومرجعيّة لثقافة العرب. وفي هذا الجانب، لنقرأ ما كتبه "جبران خليل جبران" في نصّ حمل عنوان: "إلى المسلمين من شاعر مسيحيّ"، قال:

"أنا لبنانيّ ولي فخر بذلك، ولست بعثمانيّ ولي فخر في ذلك أيضًا، وأنا مسيحيّ ولي فخر بذلك، ولكنّي أهوى الّنبيّ العربيّ وأكبر اسمه، وأحبّ مجد الإسلام وأخشى زواله".

ويجب ألّا نغفل عن ذكر الدّور المؤثّر الّذي لعبته المسيحيّة في تطوير معالم الحياة الإسلاميّة والشّرقيّة. ففي عهد الدّولة العبّاسيّة، حيث كان معظم المترجمين في بيت الحكمة من المسيحيّين، نشطوا في حركة التّرجمة من اليونانيّة إلى السريانيّة، ومن ثمّ إلى العربيّة. وكان الخلفاء يعتمدون عليهم في هذا الجانب وغيره. وقد أثرى اللّغة العربيّة الكثير من الشّعراء المسيحيّين، قبل الإسلام وبعده بتعابير لم يسبقهم إليها أحد، شهد لهم عبر التّاريخ من قبل العظماء والملوك، منهم: "امرؤ القيس" و"حنظلة الطائي" و"الأخنس" و"الحارث بن عباد"...

وهذا الأمر يؤكّد لنا ضرورة قراءة تاريخ الأدب العربيّ المسيحيّ بتعمّق، وعدم المضي بما يشاع، وهو ربط كلّ نتاج أدبيّ بالإسلام .

إذًا، نحن نفتخر اليوم بأنّ أدبنا هو أدب عربيّ مسيحيّ، وكما أنّ المسيحيّين لا مستقبل لثقافتهم، إلّا من خلال استيعاب الأدب العربيّ والإسهام في إنعاشه، فالمهمّ أن يكون هناك من يحبّ أن يقرأ في بيئتنا العربيّة، بهدف إغناء معرفته بهذا التّراث العربيّ المسيحيّ الغنيّ، والأكثر أهميّة هو أن يفهم ما يقرأ ويقتنع به...

 

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته