مسيحيّو البصرة العراقيّة بين الأمس واليوم

أبرشيّة البصرة والجنوب الكلدانيّة تتابع نشاطاتها الروحيّة رغم تضاؤل أعداد المؤمنين في المنطقة أبرشيّة البصرة والجنوب الكلدانيّة تتابع نشاطاتها الروحيّة رغم تضاؤل أعداد المؤمنين في المنطقة | مصدر الصورة: المطران حبيب هرمز

تعود جذور الإيمان المسيحيّ في منطقة جنوب وادي الرافدين إلى القرن الثاني. فأول ذِكْر لداود أسقف أبرشية فرات ميشان (البصرة والجنوب حاليًّا) يعود إلى العام 256، كما يشرح راعي أبرشيّة البصرة والجنوب الكلدانيّة المطران حبيب هرمز في حوار مع «آسي مينا».

وبحسب هرمز، انتعشت المسيحيّة في البصرة إبّان خمسينيّات القرن العشرين. واستعادت شيئًا من عصورها الذهبيّة التي عاشتها في القرن الرابع ثم في السادس والسابع. وشرح أنّ المسيحيّة تزعزعت في وادي الرافدين بقدوم العرب.

نسبة ضئيلة

ذكر هرمز أنّ نسبة المسيحيّين اليوم في حدود أبرشيّة البصرة والجنوب لا تتجاوز «1 لكلّ ثلاثة آلاف» بعدما كانت 4% في بدايات القرن الماضي. هذه النسبة في انحدار مرعب، لا سيّما إذا قورنت بالعصور الذهبيّة للأبرشيّة يوم كانت تضمّ أكثر من 50 ديرًا وكان لها رئيس أساقفة ومجموعة أساقفة». وأكّد هرمز أنّ بعمليّة حسابيّة بسيطة يمكننا الاستنتاج من أعداد الأديار والكنائس أنّ نسبة المسيحيّين كانت تصل إلى 60% في القرن السابع بهذه المنطقة.

أبرشيّة البصرة والجنوب الكلدانيّة تتابع نشاطاتها الروحيّة رغم تضاؤل أعداد المؤمنين في المنطقة. مصدر الصورة: المطران حبيب هرمز
أبرشيّة البصرة والجنوب الكلدانيّة تتابع نشاطاتها الروحيّة رغم تضاؤل أعداد المؤمنين في المنطقة. مصدر الصورة: المطران حبيب هرمز

وفسّر المطران أنّ فيما كانت أعداد العائلات المسيحيّة في البصرة في خمسينيّات القرن الماضي تتجاوز الـ5000، لا يزيد عددها اليوم على 350 عائلة تنتمي إلى الكنائس الكلدانيّة والأرمنيّة والسريانيّة والمشيخيّة واللاتينيّة، إلى جانب عائلات أخرى من القادمين الجدد للعمل في البصرة، من العراقيين والأجانب.

النزوح والهجرة 

يُرجِع هرمز بداية النزوح والهجرة إلى اندلاع الحرب العراقيّة الإيرانيّة عام 1980. «فقد كانت البصرة مسرحًا للعمليات العسكريّة وتحت مرمى الصواريخ، وتسبَّبت الطائفيّة لاحقًا (2004-2010) في تدمير نسيجها الاجتماعي».

أبرشيّة البصرة والجنوب الكلدانيّة تتابع نشاطاتها الروحيّة رغم تضاؤل أعداد المؤمنين في المنطقة. مصدر الصورة: المطران حبيب هرمز
أبرشيّة البصرة والجنوب الكلدانيّة تتابع نشاطاتها الروحيّة رغم تضاؤل أعداد المؤمنين في المنطقة. مصدر الصورة: المطران حبيب هرمز

وتابع المطران الكلداني أنّ الأمور انفرجت لاحقًا واستقرّت الأوضاع الأمنيّة في البصرة. بل كانت أحد الملاذات الآمنة التي قصدها النازحون من بطش تنظيم «داعش» الإرهابيّ عام 2014. فأوضح: «استقبلنا في خلال فترة احتلال «داعش» للموصل وقرى وبلدات سهل نينوى 83 عائلة. بعضها عاد إلى دياره وبعضها هاجر خارج البلاد ولم يتبقَّ منها سوى قلّة».

قداديس يوميّة

رغم ما تعانيه كنائس البصرة من تهالك وحاجة إلى الإعمار والترميم، لا سيّما كنيستها الأقدم «مار توما»  وكنيسة الأرمن، لا تزال تحتفل بالطقوس الدينيّة. فالقداديس اليوميّة مستمرّة في كنيستَين من الكنائس الـ6 المفتوحة للصلاة إلى جانب اثنتَين أصبحتا مزارَين.

ورغم بروز مظاهر العنف والطائفية والتلوّث وغلاء المعيشة، نجد «مسيحييّ البصرة مرتبطين بمدينتهم ولا يرغب معظمهم في مغادرتها. لكنّهم يحتاجون إلى ترسيخ مقوِّمات البقاء والظروف الإنسانية للعيش الكريم كالأمن والعدالة وتكافؤ الفرص والخطط التنموية، وكلّها غير واضحة المعالم للأسف»، على حد تعبير المطران.

أبرشيّة البصرة والجنوب الكلدانيّة تتابع نشاطاتها الروحيّة رغم تضاؤل أعداد المؤمنين في المنطقة. مصدر الصورة: المطران حبيب هرمز
أبرشيّة البصرة والجنوب الكلدانيّة تتابع نشاطاتها الروحيّة رغم تضاؤل أعداد المؤمنين في المنطقة. مصدر الصورة: المطران حبيب هرمز

وختم هرمز حديثه إلى «آسي مينا»: «لا نعلم ماذا يحمل لنا الغد، لذا نهتم باليوم فحسب "لأنّ الغد يهتمّ بما لنفسه. يكفي اليوم شرّه"».

يُذكَر أنّ كلمة «البصرة» تعود على الأرجح إلى أصول آراميّة «بصرياثا -بيثصرييه» ومعناها مكان الشقوق أو القنوات لكثرة أنهارها، أو «بيث أوصريه» ومعناها موضع الأكواخ.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته