«رحمة الله تسبق توبة الإنسان»… تأمُّلٌ في صلوات الباعوثا

سيّدة مسيحيّة تجثو في الكنيسة طالبةً التوجيه من الله لايمانها وروحانيّتها سيّدة مسيحيّة تجثو في الكنيسة طالبةً التوجيه من الله لايمانها وروحانيّتها | مصدر الصورة: Gorodenkoff/Shutterstock

تحتفي كنيسة المشرق بأزمنة مخصّصة للصوم والصلوات تسمى «الباعوثا-التضرّع». يذكر تاريخنا الكنسي ثلاثًا منها تقع في أزمنةٍ متقاربة، بعد عيد الميلاد وقبل الصوم الكبير. وفيما اندثرت الأوليان «باعوثا مار زيعا» و«باعوثا العذارى»، لا تزال «باعوثا نينوى» أكثرها شهرةً ودوامًا.

بحسب التقويم الطقسي للكنيسة الكلدانية، يقع صوم باعوثا نينوى بعد الأحد الخامس من الدنح أو ثلاثة أسابيع قبل الصوم الكبير، ومدّته ثلاثة أيّام (من الاثنين إلى الأربعاء)، ويكون بالانقطاع عن الزفَرَين، والاكتفاء بالطعام النباتي والصيام حتى الظهر. وهناك من يصوم أيام الباعوثا الثلاثة بلياليها ولا يذوق الطعام إلّا بعد القدّاس الاحتفالي ليومها الثالث، وربما حتى صباح الخميس.

قد يكون أهل نينوى اليوم أكثر الملتزمين بصومها، اقتداءً بتوبة أجدادهم في إثر كرازة يونان، بحسب العهد القديم، ونيلهم غفران الله. ولكنّ اعتقادَنا بأنَّ توبة أهل نينوى أكسبَتهم غفران الله قد لا يكون صحيحًا «فالله هو الذي بادر وأرسل يونان النبي إلى أهل نينوى برسالة الرحمة، ودعاهم للعودة إليه لأنه إله رحوم، ورحمته تسبق غفرانه، وغفرانه يسبق توبتهم وتوبتنا، وتوبتنا ليست إلّا جواب شكرٍ لغفرانه» بحسب الأخت فيليب قرما من رهبنة بنات مريم الكلدانيات.

وضمن سياق الدعوة إلى التوبة، يورد كتاب «رتبة باعوثا نينوى ويونان نموذج للتوبة» للبطريرك الكلداني الكاردينال لويس ساكو صلواتٍ مقتبسة من ميامر آباء الكنيسة وأشعارهم كمار أفرام ومار نرساي، تلهج الألسن بترتيلها في أيّام الباعوثا.

ومن تراتيل اليوم الأوّل: «هذا زمان التوبة، هيّا بنا نبتهل، نُلقي هموم الدنيا المُعوِّقة لنا، ومن الله نطلب الحنان والرحمة... هبّوا أيّها الخطأة، عاجلًا إلى التوبة، اعترفوا بالذنوب، لتنالوا المغفرة، فالمراحم كثيرة للنفوس الكسيرة». ونتداعى «هلمّوا نتوب هوذا المجال، من بعد الوفاة لا يبقى مجال».

ونصلّي في الثاني: «نادى يونان النبيّ في نينوى العظيمة، مُنذِرًا مهدِّدًا بالدمار والهلاك، مدينة الأبطال ارتجَّت لصوته، مثل البحر اضطربت ومن الموت دَنَت»... «الله أرسَلَه لغايةٍ وحيدة، أن يشفي المدينة لا أن يدمِّرها، ويونان لم يشر عليهم أن يتوبوا، ولكن أن يختاروا طريق نجاتهم». ونبتهل «أيّها الربّ الحنّان لا تتغاضَ عنّا، وامنحنا من كنزك خلاصًا ورحمة».

ومن صلوات الأربعاء: «من البدء بعفوك شملتَنا، والصالحون نالوا أفضل ألطافك، ثوابهم غفرانك عما مضى، وغفرانك يستبق دعاءهم».

يكرّر المؤمنون كلّ يومٍ الابتهال بالسريانية مرنّمّين «مارَنْ إثراحَمْ عْلَينْ، مارَن قَبِّلْ باعوثَنْ، مارَن إثراعا لعودَيك» وترجمتها «ياربّنا ارحمنا، يا ربّ اقبل طلبتنا، يا ربّ ارضَ عن عبيدك».

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته