كنائس الأراضي المقدّسة ومزاراتها... محطّاتٌ غيّرت مجرى التاريخ

بازيليك البشارة، الناصرة بازيليك البشارة، الناصرة | مصدر الصورة: كميل اسبانيولي

ينقسم تاريخ الخلاص إلى حقبتَين تاريخيتَين هما الفترة ما قبل ميلاد السيد المسيح والفترة ما بعد ميلاده. ومع ذلك، فإنّ الأراضي المقدّسة، هذه البقعة من الأرض، تبقى حاضرة ببعدَيها الروحي والتاريخي شاهدةً على أحداث وأشخاص شكّلوا علامات فارقة غيّرت بدورها مجرى تاريخ البشرية.

تسلّط «آسي مينا» الضوء على ثلاثة مواقع أساسية، افتتح فيها السيد المسيح العهد الجديد لتاريخ الخلاص، والتي أصبحت بدورها كنائس ومزارات ذات أهمية عالمية لما شهدته من أحداث وما عايشته من شخصيات. يكاد ينطبق على هذه الأماكن ما قاله السيد المسيح لأتباعه: «طوبى لِلعُيونِ الَّتي تُبصِرُ ما أَنتُم تُبصِرون. فإِنَّي أَقولُ لَكم إِنَّ كثيرًا مِنَ الأَنبِياءِ والمُلوكِ تَمنَّوا أَن يَرَوا ما أَنتُم تُبصِرونَ فلَم يَرَوا، وأَن يَسمَعوا ما أَنتُم تَسمَعونَ فلَم يَسمَعوا» (لو 10: 23-24).

الناصرة

«وجاءَ مَدينةً يُقالُ لها النَّاصِرة فسَكنَ فيها، لِيَتِمَّ ما قيلَ على لِسانِ الأَنبِياء: إِنَّه يُدعى ناصِريًّا». (متى: 2: 23).

بحسب دراسات علم الآثار، يعود تاريخ مدينة الناصرة كمكان مأهول إلى ما يُعرَف بـ«العصر البرونزي». ولكن، بقيت هذه البلدة هامشيةً كونها لا تملك أيّ ميزات سياسية أو اقتصادية لأيٍّ من الشعوب التي سكنتها من الحقبتَين الرومانية والبيزنطية، مرورًا بالصليبيين والمماليك والعثمانيين. فقط في فترة الانتداب البريطاني لفلسطين اكتسبت مدينة الناصرة مركزيّة معينة في منطقة الجليل، واحتفظت بهذه المركزية بعد قيام دولة إسرائيل.

إنّ حدث تجسّد يسوع المسيح ابن الله في مدينة الناصرة، منح هذه المدينة مكانة بالغة الأهمية، خصوصًا أنّ اسمها ارتبط مباشرة باسم يسوع المسيح الذي دُعي منذ البدايات يسوع الناصري أو يسوع من الناصرة. علاوةً على ذلك، فإنّ تسمية المسيحيين في الثقافتَين اليهودية والإسلامية قد ارتبطت هي الأخرى بشكلٍ ما باسم هذه المدينة.

ففي اليهودية يُدعى المسيحيون «نوتسرييم» وهي كلمة مشتقة من الناصرة. أما بحسب الثقافة العربية الإسلامية فإنّ كلمة «نصارى» هي أيضًا مشتقة من كلمة «الناصرة» أو من مفهوم أتباع الناصري.

بازيليك البشارة، الناصرة. مصدر الصورة: كميل اسبانيولي
بازيليك البشارة، الناصرة. مصدر الصورة: كميل اسبانيولي

ما أبرز معالم الناصرة؟

بازيليك البشارة: كنيسة تحوي المغارة التي شهدت حدث بشارة الملاك جبرائيل للقديسة مريم العذراء مُبشرًا إياها بأنها ستحبل من الروح القُدس وستلد ابن الله مخلّصًا للعالم (لوقا 1: 26-38). بُنيت البازيليك في ستينيات القرن الماضي على مبنى قديم كان قد أنشئ في وقتٍ سابق وزُيّنت بأيقونات مهداة من دول كثيرة، إذ صوّركلّ شعب العذراء وابنها المسيح كأنّهما من سكّان أرضهم الأصليين.

كنيسة القديس يوسف: بحسب التقليد، بُنِيت هذه الكنيسة المُحاذية لبازيليك البشارة في المكان حيث أقامت العائلة المقدسة بعد رجوعها من مصر (متى 2: 19-23). هناك تربّى الطفل يسوع وترعرع وأصبح شابًّا، وعمل مع القديس يوسف في المنجرة التي، بحسب التقليد أيضًا، كانت محاذية لمكان إقامة العائلة المقدسة. 

بيت لحم

«وأَنتِ يا بَيتَ لَحمُ، أَرضَ يَهوذا لَسْتِ أَصغَرَ وِلاياتِ يَهوذا فَمِنكِ يَخرُجُ الوالي الَّذي يَرْعى شَعْبي إِسرائيل» (متى 2: 6).

خلافًا لمدينة الناصرة، كانت بيت لحم مدينة معروفة عندما ابتدأ العهد الجديد بتجسُّد ابن الله في مدينة الناصرة. بيت لحم هي مدينة الملك داوود وعشيرته، لذا دعيت أيضًا مدينة داوود. أصل التسمية «بيت لحم» يعود إلى الفترة الفرعونية حيث وُجدت مخطوطة كُتب عليها اسم المدينة آنذاك. ومن المرجّح أن يكون الاسم منسوبًا إلى الإلهة «لحمو» التي عدّها الكنعانيون إلهة الخصوبة لكثرة المياه والخضرة والأراضي اليانعة في تلك المنطقة.

أما التفسيران الآخران فلهما أصول من اللغتين العبرية والعربية. تعني بيت لحم بيت الخبز باللغة العبرية (وقد يتطابق هذا تمامًا مع تعاليم اللاهوت المسيحي بأنّ يسوع هو «الخبز النازل من السماء». أما بحسب اللغة العربية فبيت لحم سُمّيت بهذا الاسم نسبةً إلى كثرة اللحوم من الماشية والقطعان في هذه المنطقة لوفرة المياه والخُضرة فيها. 

ما أبرز معالم بيت لحم؟

كنيسة المهد: يعود تاريخ المبنى الحالي لكنيسة المهد إلى القرن السادس الميلادي، بعدما مرت هذه الكنيسة بكثير من التغييرات. يبدو المبنى كأنه مجمع من مبانٍ عدّة يتبع كلٌّ منها لطائفة معينة (الروم الأرثوذكس، واللاتين، والأرمن الأرثوذكس).

المزيد

تحوي الكنيسة بشكل أساسي المغارة التي ولد فيها السيد المسيح، والتي بقيت مكانًا للصلاة لجماعة المسيحيين الأوائل في القرون الأولى بعد الميلاد. كما توجد مغارتان هما: مغارة القديس يوسف، ومغارة القديس جيروم حيث اختلى ليترجم الكتاب المقدس إلى اللغة اللاتينية. 

ساحة كنيسة المهد، بيت لحم. مصدر الصورة: كميل اسبانيولي
ساحة كنيسة المهد، بيت لحم. مصدر الصورة: كميل اسبانيولي

كنيسة مغارة الحليب: كنيسة منفردة، تقع في الرواق الخلفي لكنيسة المهد. بحسب التقليد، في هذا المكان كانت القديسة مريم العذراء تُرضع الطفل يسوع فانسكبت بضع قطرات من الحليب في هذا المكان ولهذا السبب ما زالت جدران المغارة مكسوّة بنوع من المسحوق الأبيض، إذ تأتي النساء من مختلف الطوائف للصلاة في هذا المكان طلبًا لنعمة الإنجاب والرضاعة الصحية.

مزار حقل الرعاة: يبعد نحو كيلومترَين من كنيسة المهد حيث، بحسب التقليد، بشر الملاك الرعاة بميلاد المخلص (لو 2: 8-14).


القدس (أورشليم)

«ورَأَيتُ المَدينَةَ المُقَدَّسة، أُورَشَليمَ الجَديدة، نازِلَةً مِنَ السَّماءِ مِن عِندِ الله، مُهَيَّأَةً مِثلَ عَروسٍ مُزَيَّنَةٍ لِعَريسِها» (رؤيا 21: 2).

بحسب المؤرخين تعود أولى بوادر ظهور الحضارة في منطقة مدينة القدس إلى نحو ما قبل 10 آلاف سنة مع ظهور حضارة النطوفيين التي اكتُشفت آثارها في وادي النطوف، غربيّ القدس. أما بالنسبة إلى تاريخ الخلاص، فتعود أهمية المدينة إلى الملك داوود الذي دخلها محوّلًا إياها إلى مركز المملكة الروحي والسياسي والثقافي.

(تستمر القصة أدناه)

وفي العهد الجديد لم تكن نظرة يسوع المسيح لأورشليم «إيجابية»، فالإنجيل يروي كيف بكى الربّ أورشليم وتنبأ بخراب هيكلها، معزيًا أتباعه بالهيكل الجديد وهو جسده السرّي أي الكنيسة، وبأورشليم الجديدة أي الحياة الأبدية.

ما أبرز معالم القدس؟

كنيسة القيامة أو كنيسة القبر المقدّس: تُعدّ أهم كنائس العالم على الإطلاق لجميع الطوائف المسيحية، إذ تحتضن القبر المقدس الذي منه قام المسيح وهو الحدث الفاصل في الديانة المسيحية. كما تحوي الكنيسة ما يُسمى بالجلجلة، حيث صُلب السيد المسيح.

يحظى كلٌّ من الرهبان الفرنسيسكان وبطريركية الروم الأرثوذكس وبطريركية الأرمن الأرثوذكس والكنيسة القبطية بنوع من السلطة داخل كنيسة القيامة، لتجعل خبرة الصلاة فريدةً نظرًا إلى تنوّع الطقوس القائمة فيها.

كنيسة القيامة، القدس (تصوير من داخل البلدة القديمة). مصدر الصورة: كميل اسبانيولي
كنيسة القيامة، القدس (تصوير من داخل البلدة القديمة). مصدر الصورة: كميل اسبانيولي

كنيسة الجسمانية: هو الموقع الذي يحوي «بستان الزيتون»، حيث صلّى يسوع قبل تسليمه لليهود، مصطحبًا ثلاثة من تلاميذه: بطرس ويعقوب ويوحنا (لو 22: 39-46)

كنيسة الجلد: يشير التقليد إلى أنّ في هذا المكان حُكِم على يسوع. وهناك جُلِد، ومن هناك ابتدأ طريق الآلام حاملًا صليبه ومارًّا بشوارع القدس، وصولًا إلى الجلجلة مكان الصلب (يو 18: 12)، (يو 19: 17).

كنيسة بكاء الربّ: حيث بكى يسوع على مدينة أورشليم (لو 19: 41-44)، وهي تقع على جبل الزيتون على مشارف المدينة.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته