سينودس الفاتيكان يناقش قضايا مجتمع الميم وشمّاسيّة المرأة

رئيس دائرة التواصل الفاتيكانيّة باولو روفيني في مؤتمر صحافي بدار الصحافة الفاتيكانيّة الأسبوع الماضي رئيس دائرة التواصل الفاتيكانيّة باولو روفيني في مؤتمر صحافي بدار الصحافة الفاتيكانيّة الأسبوع الماضي | مصدر الصورة: دانييل إيبانيز/وكالة الأنباء الكاثوليكية

في خلال الأسبوع الماضي، تعمّق السينودس، المنعقد في الفاتيكان حتّى 29 أكتوبر/تشرين الأول بعنوان «من أجل كنيسة سينودسيّة: شركة ومشاركة ورسالة»، في موضوعَين أساسيَّين هما: مرافقة أفراد مجتمع الميم وشمّاسيّة المرأة. 

كما ناقش السينودس هيكلية الكنيسة، وذلك بهدف الوصول إلى مستقبل كنسي أكثر سينودسيّة.

ارتكزت هذه المسيرة على ما يسميه السينودس «الإصغاء الفعّال والتحدث من القلب»، وقد أشار بعض المشاركين إلى أنّ العاطفة طغت على الأحاديث. وطُرح سؤال أساسي: أستأتي هذه العملية بثمارٍ محدّدة؟

كما شهد الأسبوع أحداثًا بارزة مثل: لقاء البابا فرنسيس أعضاء «سبل جديدة للخدمة»، وهي مجموعة أميركية لخدمة المثليين، انتقدها مجلس الأساقفة الأميركيين ودائرة عقيدة الإيمان الفاتيكانية بسبب إحداثها التباسًا في الأخلاقيات الجنسية بين الكاثوليك؛ كما عقد ثلاثة لاهوتيين مؤتمرًا لدعم المسيرة السينودسية؛ وأُقيمت صلاة خاصة للمهاجرين ترأسها البابا فرنسيس في ساحة القديس بطرس.

قضايا مجتمع الميم

خفّف المتحدث باسم الفاتيكان باولو روفيني من وطأة تسليط الضوء على النقاش حول مجتمع الميم، إذ قال: «مباركة زواج المثليين ليست موضوع السينودس هذا».

ولكن التقت الأخت جينين غراميك، مؤسِّسة «سبل جديدة للخدمة»، وثلاثة أعضاء آخرين البابا فرنسيس في 17 أكتوبر/تشرين الأول.

ونشر إعلام الفاتيكان خبر اللقاء. وتُعدّ هذه الخطوة بمنزلة تأييد البابا فرنسيس لجماعة «سبل جديدة للخدمة». ويأتي ذلك على الرغم من الجدل حول الموقع الإلكتروني للسينودس الذي أُجبِر على إزالة فيديو لجماعة «سبل جديدة للخدمة» تدعو فيه أعضاء مجتمع الميم إلى المشاركة في الجمعية العامة.

رسامة المرأة ومواضيع أساسيّة أخرى

علاوةً على قضايا مجتمع الميم، ناقش السينودس رسامة النساء للرتبة الشماسية وإمكانية أن يعظنَ. وهذا ما يحدث بالفعل في العالم السويسري الناطق باللغة الألمانية حيث يُعامَل الكاهن على أنّه مجرّد موكل لتكريس القربان. وطُرح أيضًا موضوع كهنوت المرأة، مثيرًا بذلك أسئلة أساسية حول دور المرأة في الكنيسة، وذلك على الرغم من تطمين منظِّمي السينودس بأنّ التغييرات في تعليم الكنيسة ليست مدرجة على جدول الأعمال. واتسمت إحدى المداخلات، في خلال جلسة صباحية، بأهمية كبيرة في هذه المناقشة. فللإجابة عن الدعوات إلى رسامة المرأة للرتبتَيْن الشماسية والكهنوتية في بعض الحالات، قالت إحدى المشاركات العلمانيات إنّ التركيز على رسامة المرأة يفضي إلى غضّ الطّرف عمّا تحتاجه النساء حقًّا في الكنيسة. وحسب رأيها، تشكّل رسامة المرأة محاولة لجعل العلمانيين إكليروسًا. وقوبلت هذه المداخلة بتصفيق حار.

وتناولت نقاشات السينودس هذا الأسبوع دور الأبرشيات والكهنة والأساقفة. وأكّد روفيني أنّ السينودس ليس مجرد «طاولة مستديرة أو برنامج تلفزيوني حواري» بل «هو محادثة في الروح القدس». ومع ذلك، لا تزال ثمار هذه المحادثات بالروح القدس غير واضحة. فمنهجيتها مفصّلة بشكلٍ كبير في المسيرة السينودسية، ولكنّ النتائج العملية لهذه المناقشات لم تتضح بعد.

المناظرات اللاهوتيّة

تُثار أحاديث كثيرة حول تجنّب أجندة وسائل الإعلام لهذا السينودس، ويشكّل هذا الأمر قلقًا مشروعًا. ولكن هل هناك أجندة لاهوتية في السينودس أيضًا؟ فيُناقش هذا الموضوع بشكل حادّ، نظرًا إلى أنّ المداخلات مقيَّدة للغاية لمنع مناقشة لاهوتية ومداولات حقيقية.

وفي 14 أكتوبر/تشرين الأول، على هامش السينودس، عقد ثلاثة لاهوتيّين مؤتمرًا بعنوان «الكنيسة والسينودس مرادفان: أنماط الكنيسة السينودسية وأشكالها». وكان من بين المتحدثين رئيس الأساقفة روبرتو ريبولي، وهو مُجدِّد أوكِلت عليه إدارة الرعايا في أبرشيته تورين للعلمانيين.

ورأى ريبولي أنّ المجمع الفاتيكاني الثاني لم يعالج واقع الكنائس المحلية بالكامل. ودافع عن السينودسية لدمج الإنجيل بالثقافة التي تعيش فيها الكنائس المحلّية، مشددًا على الثقافة الديمقراطية في تلك الكنائس.

وبحسب المونسنيور جياكومو كانوبيو، أستاذ لاهوت متقاعد من الكلية اللاهوتية الجنوبية ومشارك في المؤتمر، «السينودس تنفيذٌ لفكرة قديمة عن الكنيسة وهو استجابة لعلامات الأزمنة». ومع ذلك، فإنّ السينودس، قبل كل شيء، مكافحة للإكليروسية، وهو موضوع أبرزه الكاردينال جان كلود هولريخ، المنسّق العام للسينودس، في أثناء مناقشة الوحدة ب 3 من وثيقة العمل.

وأخيرًا، عبّرت سيمونا سيجولوني روتا، وهي أستاذة في معهد يوحنا بولس الثاني الحبري، عن رأيها قائلةً: «إنّ التحدّث عن الأساقفة من دون التحدّث عن شعب الله أمرٌ مستحيل». 

المزيد

وفي السينودس أيضًا، بدأ العمل على الوحدة ب 3 من وثيقة العمل، أي الوثيقة الخاصة بالسينودس. وكان تركيز على «مسألة السلطة ومعناها وأسلوب ممارستها داخل الكنيسة السينودسية». وبكلمة أمام الجمعية السينودسية في إحدى الجلسات العامة ركّز اللاهوتي الإيطالي الأب داريو فيتالي على مسألة السلطة والتغييرات العملية في الكنيسة المؤسّسيّة. واقترح اللاهوتي ضرورة «إعادة تصوّر الكنيسة بأسلوب سينودسي، بحيث يُعاد تفسير الكنيسة وكل ما فيها، أي الحياة والمسيرات والمؤسسات، في سياق السينودسية».

وتُقدم هذه المناقشات وجهات نظر متنوعة، فلا يتشارك جميع المشاركين وجهات نظر مماثلة. وجرى تداول إشاعات عن غياب بعض الشخصيات، بتخطيط مسبق، لتجنب المناقشات الجدلية أو الامتناع عن معارضة بعض المواقف. وهو ما يشكّل تحديًا لرؤية السينودس كتجمّع متناغم.

التقويم الجديد

قدم منظِّمو السينودس جدولًا زمنيًّا جديدًا للإجراءات. وبدت لافتة مسودة التقرير التلخيصي الذي وصفه روفيني بـ«القصير والانتقالي». وسيُقَدَّم التقرير إلى المندوبين كوثيقة موحّدة بدلًا من تقسيمه إلى جزأين.

ويهدف هذا التعديل إلى إضفاء مزيد من الاعتبار على خريطة الطريق في المرحلة الآتية من المسيرة السينودسية المؤدّية إلى الدورة الختامية المقرَّرة في أكتوبر/تشرين الأول 2024.

وتُنشر رسالة إلى شعب الله في ختام هذه الدورة السينودسية. فتشكّل هذه الخطوة سابقةً مقارنةً بالممارسة المعتادة التي كانت تقتصر على نشر الرسالة عند نهاية العملية السينودسية بأكملها.

ونتيجةً لذلك، يتوقف السينودس عن أنشطته بعد ظهر 23 أكتوبر/تشرين الأول وطوال يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول من أجل التباحث في رسالة الجمعية العامة إلى شعب الله. وتبدأ المناقشات أولًا في دوائر صغرى، لتنتقل بعدها إلى نطاق أوسع في الجمعية العامة.

(تستمر القصة أدناه)

أسئلة حول منهجيّة السينودس

يُظهِر هذا الجدول الجديد مرونة واستجابة من قبل آباء السينودس. ويؤكّد أيضًا أنّ السينودسية أسلوب للاستماع المستمر. ومع ذلك، يثير هذا التقويم مخاوف بشأن إمكان تحوّل الجمعية السينودسية إلى مناقشات مستمرة، فيصعب بذلك الوصول إلى خلاصات نهائية في الواقع وتبقى المسائل كلّها قيد المناقشة.

وعبّر كثيرون من المشاركين عن شكوكهم إزاء نجاح هذا الأسلوب، وإن كان ذلك من دون ذكر أسمائهم، خوفًا من انتهاك السرّية المطلوبة للسينودس.

وتدور هذه الشكوك حول تخصيص طاولات ومواضيع فرعية جديدة للمشاركين في بداية كل وحدة. وتتمحور المخاوف أيضًا حول أنّ الجميع، عبر هذه المقاربة الجديدة، يناقشون مواضيع معينة على طاولاتهم. ولكن قد لا يكوّن الجميع رؤيةً شاملةً عن السينودس.

وأضف إلى ذلك، أنّ المدة القصيرة لكل مداخلة، المحدودة بأربع دقائق، تصعّب التعبير عن الأفكار المعقّدة، ما يدفع إلى حوار عاطفي. وقد أثارت مداخلة واحدة على الأقلّ الدهشة في الجمعية العامة. ويسود قلق بين المشاركين وتخوّف من التلاعب بالحقائق بغرض التأثير العاطفي.

وقد اشتكى بعض آباء السينودس أيضًا من أنّ المقاربة تبدو «متمركزةً حول الغرب بشكل مفرط»، أقلّه في القضايا المتعلقة بالجنس والجندر. ومع ذلك، ينبغي الانتظار لمعرفة ما إذا كان التقرير التلخيصي سيشمل فعلًا جميع وجهات النظر. إذ سيجري التصويت على النصّ النهائي، ما قد يؤدي إلى إغفال الفوارق الدقيقة المهمة والآراء المختلفة.

ويترافق ذلك، مع تحويل المسيرة إلى عملية ديمقراطية، لا مفرّ منها. وتترافق الديمقراطية مع خضوع الأقلية للأكثرية، وهي نتيجة ثانوية لعملية الإصغاء التي تقدِّم العاطفة على العقل. ويتعيّن تضمين جميع المواضيع في النص النهائي، ما يعني أنّ الاستنتاجات الرسمية بعيدة المنال ولا تتفوّق أي وجهة نظر على الأخرى.

ويبدو أنّ هذه المقاربة تحافظ، حتى الآن، على وئام نسبي بين المشاركين في السينودس. فقد أكّد رئيس أساقفة الرباط الكاردينال كريستوبال لوبيز روميرو أنّ في المناقشات «اختلافات في الرأي، ولكنها لا تدفع إلى المواجهات أبدًا». ومع ذلك، كان المطران زبيغنيو ستانكيفيتش من ريغا في لاتفيا، من بين القلائل الذين أثاروا ضجة علانية. ففي إحاطة صحافية بدار الصحافة الفاتيكانية، دافع عن رعاية الكنيسة للمثليين، لكنه رسم خطًّا واضحًا وفاصلًا بالقول إنّ زواج المثليين لا يمكن مباركته لأنه خطيئة.

وحذّر أخيرًا مطران فيلنيوس ورئيس أساقفة أوروبا غينتاراس غروساس في عظة ألقاها ضمن قداس إلهي حضره المشاركون في السينودس، من أن تصبح السينودسية غاية في حدّ ذاتها، مؤكّدًا دور السينودسية في خدمة رسالة الكنيسة التبشيرية.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته