ساكو ينسحب من بغداد... ماذا يجري في الكنيسة الكلدانيّة؟

رئيس الجمهورية العراقية عبد اللطيف جمال رشيد يستقبل البطريرك ساكو في قصر بغداد في 2 فبراير/شباط 2023 رئيس الجمهوريّة العراقيّة عبد اللطيف جمال رشيد يستقبل البطريرك ساكو في قصر بغداد في 2 فبراير/شباط 2023 | Provided by: presidency.iq

في ظلّ الأزمة الحاليّة بين البطريرك الكلداني الكاردينال لويس روفائيل ساكو ورئيس الجمهوريّة العراقيّة عبد اللطيف رشيد، والمتعلّقة بسحب المرسوم الجمهوري الخاص بـ«تعيين» ساكو بطريركًا للكنيسة الكلدانيّة في العراق والعالم ومتولّيًا أوقافها، تبحث «آسي مينا» في أسباب هذا القرار وتداعياته وتحاول توضيحه للقرّاء.

مفهوم المرسوم أو الفرمان

يُعدّ المرسوم أو الفرمان أحد التقاليد التي توارثتها الدولة العراقيّة وحكوماتها المتعاقبة من الدولة العبّاسيّة، وظلت قائمةً من دون تغيير عبر العصور. وهو يتميّز بسياقَيْه التاريخي والاجتماعي، ويصدر عن الحاكم بعد انتخاب رئيس للكنيسة. كان الهدف منه إعفاء البطريرك من دفع الجزية، نظرًا إلى كونه شخصيّة روحيّة وله منصبه كرئيس للكنيسة يُعنى بشؤون المسيحيين والكنيسة بشكل عام.

مشكلة المرسوم الجمهوري أو الفرمان

تكمن مشكلة الفرمان الأساسية في أنّ الوالي أو الرئيس يثبّت من خلاله البطريرك المُنتخَب «بطريركًا ورئيسًا للكنيسة»، لكن هذا ليس من صلاحياته. فالبطريرك مُنتخَب من مجلس أساقفة الكنيسة الكلدانيّة أو ما يُعرف بـ«سينودس الكنيسة الكلدانيّة» ويثبّته الحبر الأعظم الروماني أي البابا برسالة إلى السينودس. بالتالي، لا يحقّ لشخص آخر، حتى لرئيس جمهوريّة، أن يمارس هذه السلطة. 

وكانت رئاسة الجمهوريّة قد أوضحت لاحقًا في تصريح أصدرته في 7 يوليو/تمّوز 2023 أنّ المرسوم يجب أن يصدر لتثبيت منصب إداري في الدولة لا لتثبيت سلطة كنسيّة إذ إنّ ذلك ليس من صلاحيّاتها وفق الدستور، كما أنّ البطريرك ليس موظفًا في الدولة العراقيّة. وأوضحت أنّ هذا الأمر لا يقتصر على الكنيسة الكلدانيّة، بل رفضت مطالبات من كنائس أخرى أيضًا بإصدار مراسيم جمهوريّة مماثلة.

توقيت المرسوم

يأتي سحب المرسوم في ظلّ تصاعد الصراع بين البطريرك ساكو وزعيم حركة بابليون ريان الكلداني، في ما يتعلّق بسوء استخدام السلطة والنفوذ في السيطرة على أملاك المسيحيين وأصواتهم. وقد اتّهم ساكو لاحقًا في مؤتمر صحافي عقده في البطريركيّة الكلدانيّة ببغداد في 6 مايو/أيّار 2023 الكلداني بأنه استحوذ على مقاعد المسيحيين في البرلمان العراقي من دون وجود تمثيل حقيقي للمسيحيين. في المقابل، اتهم الكلداني ساكو بسوء إدارة ممتلكات الكنيسة الكلدانيّة في مناطق مختلفة من العراق.

وتتمثّل المشكلة الأساسيّة في توقيت صدور البيان وشكله وظروفه، إذ كان من المفترض أن يجتمع رئيس الجمهوريّة بزعماء الطوائف المسيحيّة لإبلاغهم نيّته إلغاء هذا التقليد وتوضيح أنّ المرسوم أصبح من الماضي، وأنّ الدستور العراقي يكفل حقوق جميع المواطنين، بمن فيهم المسيحيّون، لممارسة حقوقهم الدينيّة وشعائرهم كافةً، فضلًا عن أنه بإمكان المواطن المسيحي أن يلجأ إلى مؤسسات الدولة للمطالبة بحقوقه المدنيّة. 

وفي الدستور العراقي للعام 2005، تُمنح كل المكوّنات والطوائف في العراق حرّية ممارسة الشعائر الدينيّة وإدارة أوقافها الخاصة، وفقًا للقانون بحسب المادة 43.

أما سحب المرسوم في هذا التوقيت وبهذا الشكل، فيُفهم في الشارع العراقي على أنّه عقاب من رئاسة الجمهوريّة لرئاسة الكنيسة الكلدانيّة إذ تعيَّن أن تكون لغة البيان أكثر تحفّظًا نظرًا لكونها موجّهة إلى رئيس أكبر طائفة وشخصيّة لها اعتبارات محلّية ودوليّة لدى المسيحيين وغيرهم. فالكنيسة الكلدانيّة واحدة من 14 كنيسة تحظى باعتراف رسمي في العراق، وهي تُعدّ الأكبر بينها، إذ يشكّل أتباعها 80% من مسيحيي البلاد.

وبحسب المحلّلين، كان من المفترض أن تُستخدَم كلمة «إلغاء» بدلًا من «سحب» في المرسوم الجمهوري المرقّم 31 الصادر في 3 يوليو/تمّوز 2023. وفي ظل افتقار البيان الجمهوري إلى المقوّمات المذكورة، أدّى صدوره إلى إشعال فتيل الأزمة الحاليّة.

تأثير سحب المرسوم على سلطة البطريرك

في الوقت الحالي، لا يوجد أي تأثير لقرار رئاسة الجمهوريّة على سلطة البطريرك في ما يتعلّق بأوقاف الكنيسة الكلدانيّة وممتلكاتها. فأيّ تغيير في هذه السلطة يجب أن يكون مصدره وزارة العدل العراقيّة، كما ينبغي أن يصدر بيانٌ يُعرَف بـ«حجّة التولية». وقرار وزارة العدل هو الذي يحدّد من يكون الولي والوصي على أوقاف الكنيسة. وحاليًّا، يحمل البطريرك الكلداني هذه الصفة، بالإضافة إلى إدارته شؤون الكنيسة من الناحيتَيْن القانونيّة والإداريّة. كما أنّ سحب المرسوم ليس من شأنه المساس بالوضع الديني أو القانوني للكاردينال لويس ساكو، كما أشارت رئاسة الجمهوريّة في تصريحها المذكور سابقًا. 

استدعاء البطريرك إلى المحكمة

أمّا التهمة الحاليّة المُوجَّهة إلى الكاردينال ساكو، فتتعلّق باتهام حركة بابليون له بـ«القذف» ضد نواب وشخصيّات داخل الحركة. وقد شدّدت البطريركيّة على أنّ القانون يجب أن يكون عادلًا في ما خص استدعاء سيّدها من محكمة تحقيق الكرخ ووصفه «بالمتّهم». وكانت البطريركيّة عبّرت عن استغرابها من صدور بيان مماثل في هذا التوقيت. وكشفت على لسان البطريرك ساكو في رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهوريّة عن نيّتها تقديم طعن قانوني بالمرسوم. 

ساكو ينسحب من بغداد

المزيد

وفي آخر التطوّرات، نشرت البطريركيّة الكلدانيّة اليوم رسالة مفتوحة من ساكو وصف فيها ما يحدث بأنه «سابقة لم تحصل في تاريخ العراق». وقال ساكو: «قرّرت الانسحاب من المقر البطريركي في بغداد، والتوجّه من إسطنبول حيث أنا موجود في مهمّة كنسيّة إلى أحد الأديرة في إقليم كردستان العراق».

بطريرك الكنيسة الكلدانيّة الكاردينال لويس ساكو. Provided by: Public Domain
بطريرك الكنيسة الكلدانيّة الكاردينال لويس ساكو. Provided by: Public Domain

وأضاف: «من المؤسف أنّنا في العراق نعيش وسط شبكة واسعة من المصالح الذاتيّة والفئويّة الضيّقة والنفاق أنتجت فوضى سياسيّة ووطنيّة وأخلاقيّة غير مسبوقة تتجذّر أكثر فأكثر». وفي نهاية الرسالة، دعا ساكو المسيحيين إلى البقاء على إيمانهم وهويّتهم الوطنيّة إلى أن تعبر العاصفة. 

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته