وردة يوضح عبر «آسي مينا» الصورة بعد تفاقم أزمة المرسوم والكنيسة الكلدانيّة

تظاهرة في أربيل تندّد بسحب المرسوم الجمهوري الخاصّ بساكو تظاهرة في أربيل تندّد بسحب المرسوم الجمهوري الخاصّ بساكو | Provided by: Public domain
المطران بشار متي وردة المطران بشار متي وردة | Provided by: Stivan Shany

في ضوء تطوّر الأزمة الناجمة عن سحب رئاسة الجمهوريّة العراقيّة المرسوم الجمهوري الخاص بالبطريرك الكلداني الكاردينال لويس روفائيل ساكو، التقت «آسي مينا» راعي إيبارشيّة أربيل الكلدانيّة المطران بشار متي وردة لاستيضاح بعض الأمور.

بيّن وردة أنّ رئيس الجمهورية العراقي الحالي يبرّر إلغاء المرسوم الجمهوري الصادر في عهد الرئيس السابق جلال طالباني والقاضي بتعيين ساكو بطريركًا للكنيسة الكلدانيّة في العالم ومتوليًّا أوقافها بعدم توفّر أساس دستوري لصدوره من الأصل، وبأنّ مراسيم مماثلة يُفْتَرَض أن تقتصر على تعيين موظفي الدولة من الحكومة العراقيّة. والحقيقة هي أنّ البطريرك ليس مُعَيَّنًا من الحكومة ولا موظفًا في الدولة، بل تتمتّع الكنائس بالاستقلاليّة ويمكنها إدارة أوقافها وشؤونها بشكل مستقل، وفقًا للمادة 43 من الدستور العراقي.

وحول الأسباب التي دفعت رئيس الجمهوريّة إلى اتّخاذ هذا القرار، أوضح وردة أنّ بطريركَي كنيستَي المشرق الآشوريّة والشرقيّة القديمة طالبا بمراسيم مماثلة، الأمر الذي رُفِضَ صراحةً، استنادًا إلى التوضيح الذي ذكرناه آنفًا حول عدم وجود أساس دستوري لها، فضلًا عن كون رؤساء الكنائس مختارين من كنائسهم وليست الحكومة هي من تعيّنهم.

وكانت رئاسة الجمهوريّة أوضحت في تصريح لها قبل أيّام عدّة أنّ قرارها بخصوص إصدار مثل هذه المراسيم لا يؤثر على مكانة أيّ زعيم كنيسي بأيّ شكل من الأشكال.

واستطرد وردة موضحًا السياق التاريخي لهذه المراسيم: «تعود أصول هذه المراسيم إلى الفترات الإسلاميّة المبكرة. وكان التقليد يقضي بأن يصدر الخليفة مرسومًا يفوّض البطريرك الإشراف على الأحوال الشخصيّة للمسيحيين، وفقًا لقوانين الكنيسة وتقاليدها المعتمدة. لكن ذلك يقضي أيضًا بتحمّله مسؤوليّة جباية الجزية للخزينة باعتباره ممثّلًا للخليفة. وكثيرًا ما أسفرت هذه الممارسات عن انتهاك حقوق المسيحيين عبر إصدار بعض الخلفاء مراسيم استبداديّة في بعض الأحيان».

وأكد وردة أنّ هذا التقليد تواصل مع الخلفاء، وصولًا إلى الإمبراطوريّة العثمانيّة التي تبنّت لاحقًا نظام «الملّة» الذي يَعْتَبِرُ السلطان العثماني بموجبه البطريرك مسؤولًا عن الطائفة (الملّة) المسيحيّة بإصداره فرمانًا يضمن احترام البطريرك ويوسّع سلطته لتشمل الرؤساء الدينيين تحت قيادته. وأشار إلى أنّ هذا الفرمان الذي يمنح البطريرك السلطة الزمنيّة على أتباعه تسبَّب بمرور الوقت في مشكلات كبيرة للبطريرك وللكنيسة وأبنائها على حدٍ سواء، فضلًا عن تحميل البطريرك مسؤوليّة أفعال أتباعه ليواجه مساءلةً شديدةً عنهم، مع الأخذ في الاعتبار أنّ هذه السلطة الزمنيّة كانت في الأساس إداريّة وليست سياسيّة.

وأعلن وردة أنّه على المستوى الشخصي يرى في هذه المراسيم انتهاكًا صريحًا لحقوق الإنسان لتعاملها مع غير المسلمين على أنهم «أهل ذمّة»، مُجبَرين على دفع الجزية.

وجديرٌ بالذكر أنّ عادة منح الفرمانات التي تبنّاها العثمانيّون تواصلت حتى يومنا الحالي بإصدار المراسيم، مع الإشارة إلى صدور  قرارات مماثلة لزعماء من ديانات ومذاهب أخرى.

ورأى وردة أنّ الإجابة عن التساؤل حول تأثير  إلغاء المرسوم على أوقاف الكنيسة تحمل شقَّيْن إذ تنص المادة 14 من الدستور العراقي على أنّ «العراقيين متساوون أمام القانون من دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو الجنسيّة أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي». كما تؤكد المادة 41 أنّ العراقيين «أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصيّة حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظَّم ذلك بقانون»، إلى جانب تأكيد الفقرة «أوّلًا» من المادة 43 من الدستور أنّ «أتباع كل دين أو مذهب أحرار في:

أ) ممارسة الشعائر الدينيّة بما فيها الشعائر الحسينيّة،

ب) إدارة الأوقاف وشؤونها ومؤسّساتها الدينيّة، ويُنَظَّمُ ذلك بقانون».

وبناءً على ما سبق، قال وردة: «نحن أحرار في إدارة أوقافنا، وحتى ديوان الوقف المسيحي لا يمكنه التدخّل في إدارتها لأنّ القانون يُلزم الديوان بدعم متولّي الوقف وتشجيعه، ألا وهو رئيس الكنيسة».

وشدّد وردة على ضرورة مسارعة وزارة العدل إلى إصدار وثيقة تخويل تمنح كل رئيس كنيسة سلطة إدارة الأوقاف، وفقًا للقوانين الكنسيّة. فبحسب الدستور العراقي، نحن كمسيحيين لسنا مطالبين بدفع جزية، بل ندفع الضرائب كسائر المواطنين؛ فالمسيحيّون يتعاملون مع الدوائر الحكوميّة مثل أي مواطن عراقي آخر.

على صعيد متصل، وعمّا إذا كانت ثمّة مخاوف من عواقب لإلغاء المرسوم، قال وردة إنه يعتقد شخصيًّا أنّ أسلوب إلغاء المرسوم كان غير لائق إذ كان بإمكان رئيس الجمهوريّة عقد اجتماع مع جميع رؤساء الكنائس لشرح تاريخ هذه المراسيم وإعلان قراره بإلغائها. لكن، بدلًا من ذلك، جرت معالجة الأمر عبر وسائل الإعلام، وهو ما دفع البطريرك إلى تفسير هذا الإجراء على أنه عقابي.

وعن اعتقاده بوجود أيّ دوافع أخرى لمسألة المرسوم، أشار وردة إلى حديثٍ للبطريرك ساكو مع إحدى القنوات العراقيّة، ألمح في خلاله البطريرك إلى احتماليّة أن يكون الإلغاء قد جاء بناءً على طلب النوّاب المسيحيين المنتمين إلى كتلة «بابليّون». كما لفت ساكو إلى تزامن إعلان سحب المرسوم مع عودة رئيس الجمهوريّة من زيارة رسميّة إلى الفاتيكان، لم يلتقِ في خلالها البابا لأسباب متعلّقة بصحّة الحبر الأعظم. وقال إنّ ثمة شائعات ألمحت إلى أنّ البطريرك هو من ألغى هذا اللقاء، ونحن ننفي هذا التلميح جملةً وتفصيلًا.

وأضاف وردة: «في خضمّ المناخ السياسي السائد في العراق، تحمل كل الأحداث رسالةً سياسيّة. تعمل كل الجماعات السياسيّة على استثمار أيّ فرصة لإثارة البلبلة في إطار العمل السياسي، وتسعى إلى كسب تأييد الجماهير والبروز في مواجهة الأحزاب السياسيّة المنافسة. من هذا المنطلق، كان من الحكمة أن يتعامل الرئيس مع هذا الموقف بحذر، وأن يتواصل بشكل مباشر مع رؤساء الكنائس ليقطع الطريق أمام محاولات بعض الجهات السياسيّة استغلال هذه المواقف لتحقيق مكاسب سياسيّة وإعلاميّة شخصيّة».

وحول السبل الكفيلة بالتهدئة والتخفيف من مخاوف المسيحيين اليوم، رأى وردة أنّ زيارة رئيس الجمهوريّة للبطريرك ساكو في مقرّه الرسمي يمكنها أن تُعزِّز تأكيداته السابقة إزاء احترام العراق لشخص البطريرك وإقراره بالثقل الذي يشكّله ساكو دينيًّا ووطنيًّا ودوليًّا.

المزيد

وشدّد على أنّ إسراع وزارة العدل في إصدار وثائق تخويل بإدارة الأوقاف الدينيّة لجميع رؤساء الكنائس سيؤكد للجميع أنّ الدولة لا تخطّط لتولّي إدارة هذه الأوقاف الكنسيّة بنفسها.

وختم رئيس أساقفة إيبارشيّة أربيل حديثه لـ«آسي مينا» بالقول: «نعتقد جازمين بضرورة إبقاء هذه الشؤون الإداريّة بعيدة عن وسائل الإعلام المُمَوَّلة سياسيًّا، نظرًا لميلها إلى إثارة قلق المجتمع المسيحي ببثّ الشائعات والقصص التي لا أساس لها من الصحّة».

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته