الراعي يحذّر من الشغور في المجلس العسكري وحاكميّة مصرف لبنان

الراعي يحتفل اليوم بالذبيحة الإلهيّة في المقرّ البطريركي الصيفي في الديمان-لبنان الراعي يحتفل اليوم بالذبيحة الإلهيّة في المقرّ البطريركي الصيفي في الديمان-لبنان | Provided by: Maronite Catholic Patriarchate of Antioch

حذّر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، في خلال ترؤسه الذبيحة الإلهيّة اليوم في المقرّ البطريركي الصيفي في الديمان، من المفاعيل السلبيّة على الوضع الأمني في لبنان إن لم يُعيَّن رئيس لأركان الجيش اللبناني. ولفت إلى أن «المصرف المركزي في أزمة كيانية» إذ يطالب نوّاب الحاكم «بضرورة تعيين» حاكم جديد لمدّة ستّ سنوات، ويرفضون السير في التعيين بالوكالة.

فسّر الراعي أن الشغور يطال المجلس العسكري في الجيش. وتوقّف عند التعنّت في إبقاء سدّة رئاسة الجمهورية فارغة من أجل أهداف شخصية وفئوية ومستقبلية. واعتبر أن هذا التصرّف يهدم المؤسّسات الدستورية والعامة ويُفقدها ثقة الشعب والدول بها.

يُذكر أن رئيس الجمهورية اللبنانية وقائد الجيش وحاكم المصرف المركزي للبلاد يُنتخبون أو يعيَّنون عرفيًّا من الطائفة المارونيّة.

وجاء في عظة الراعي ما يأتي:

«اختار يسوع من تلاميذه اثنين وسبعين آخرين وأرسلهم» (لوقا 10: 1)

1.«التلاميذ الاثنان والسبعون الآخرون» هم من جملة التلاميذ الذين كانوا يتبعون يسوع في تنقّلاته وتعليمه، وشاهدوا معجزاته وآياته، فتتلمذوا على يده. وهم بالتالي غير الرسل الاثني عشر الذين اختارهم وجعلهم أساقفة العهد الجديد. هؤلاء التلاميذ شكّلوا جزءًا مهمًّا من الكنيسة الناشئة، وهم معروفون اليوم بالشعب المسيحي. هؤلاء أرسلهم الربّ يسوع ليعلنوا حلول ملكوت الله. وهو ملكوت الاتحاد بين الله والبشر بواسطة الكلمة المتجسّد يسوع المسيح، وملكوت وحدة البشر في ما بينهم، أي ملكوت الشركة ببعديها العمودي والأفقي.

يدعونا الربّ يسوع، شعبًا: أساقفةً وكهنة ورهبانًا وراهبات ومؤمنين، لنصلّي ونلتمس من الله نعمة الالتزام بالرسالة المسيحيّة، فيقول: «الحصاد كثير والفعلة قليلون. اطلبوا من ربّ الحصاد أن يرسل فعلة لحصاده» (لوقا 10: 2). «الحصاد الكثير» هم البشر، و«الفعلة القليلون» هم الأساقفة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات والمؤمنون بالمسيح الملتزمون.

2.يسعدني والمطران جوزف نفّاع، أن نرحّب بعائلتَي شهيدَي القرنة السوداء من آل طوق الأعزّاء: وهما الشاب هيثم وربّ العائلة مالك اللذان ودّعناهما الاثنين الماضي بكثير من الأسى والدموع. فإنّا نحيّي والدة الشهيد هيثم وشقيقيه وشقيقاته وعائلاتهم وسائر أنسبائهم في لبنان والمهجر. كما نحيّي زوجة المرحوم مالك وابنيه وابنتيه ووالدته وإخوته وأخته وعائلاتهم وسائر ذويهم في لبنان والمهجر، ونقدّم هذه الذبيحة الإلهيّة لراحة نفسيهما في الملكوت السماوي، ولعزاء عائلتيهما.

3.وأوجّه تحيّة حارّة لأهالي بشرّي الأحبّاء الحاضرين معنا مرافقين عائلتي الشهيدَيْن. فإنّا بالتعاون معهم نحافظ على الهدوء والاستقرار بانتظار أن يقول القضاء كلمته. كلّنا نلتزم بقراره لأنّنا جميعنا نحترم الدولة ومؤسّساتها، ولا سيّما القضاء والجيش وسائر الأجهزة الأمنيّة، لأنّها وحدها تسهر على سلامة جميع المواطنين دونما تمييز.

إن المرحومين هيثم ومالك وقعا ضحيّة عدم احترام وتطبيق القرارات الإداريّة والقضائيّة الصادرة عن وزارة البيئة منذ العام 1998، وعن القاضي العقاري في الشمال منذ العام 1919، بشأن موقع جبل المكمل-القرنة السوداء، ومحلّة سهل سمارة المتنازع عليها. كل هذه القرارات تمنع الأعمال العامة والخاصة على سطح الأرض وباطنها، وجرّ المياه، وإنشاء بحيرات اصطناعيّة، حفاظًا على المياه الجوفيّة التي تغذّي الينابيع، وتسهيلًا لسير أعمال التحديد والتحرير.

4.يتّضح بكل أسف أن عدم تطبيق القرارات القضائية والإدارية المتخذة ناتج من تدخلات سياسية معروفة ومألوفة على حساب دولة القانون والمؤسسات وهيبتها. ولو طُبِّقت هذه القرارات العلمية الموضوعية المتجردة لما كانت استمرت المشكلة قائمة بنتائجها المأسوية، وآخرها مأساة سقوط الشهيدين هيثم ومالك طوق.

المطلوب أيضًا وأيضًا رفع أيدي السياسيين وتدخلاتهم التي تعيق عمل الأجهزة الأمنية المكلّفة بتنفيذ الأحكام القضائية والقرارات الإدارية، وإيقاف الأعمال فوق أرض القرنة السوداء أو في باطنها، بخاصّةٍ المتعلقة بالمياه، عملًا بالقوانين، التي تمنع التعاطي بالمياه متى كانت على ارتفاع يتجاوز الألفي متر.

ومطلوب من البلديات المعنية في بشري وبقاعصفرين وإهدن-زغرتا التجاوب مع طلب القاضي العقاري في الشمال لجهة تسهيل أعمال فرق المسّاحين وتقديم الأوراق والمستندات الموجودة في حوزتها لإنجاز هذه الأعمال وإتمام عملية التحديد والتحرير.

5.بالعودة إلى كلام الربّ يسوع في إنجيل هذا الأحد، يرسم لنا نحن المسيحيين الذين يرسلهم إلى العالم، إكليروسًا وعلمانيين، مقتضيات النهج الرسولي وهي:

أ. الوداعة على مثال الخراف.

ب. عدم الهمّ بشأن الأمتعة المادية، ما يعني أن «نلقي الهمّ على الربّ، فهو يعولنا» (مزمور 55: 23). فيسوع «يعطي القديسين كل ما هو ضروري للحياة» (القديس كيرلس الإسكندري).

ج. التجرّد من المال لنكون مبشّرين بالإنجيل لا رجال أعمال.

المزيد

د. إعلان سلام المسيح لجميع الناس. حيث يُرفض، يعود إليهم.

ه. السعي إلى الواجب الرسولي، من دون أي معيق: «لا تسلّموا على أحد في الطريق» (الآية 4). السلام على الآخرين في الطريق والتحاور معهم أمر جيّد. لكن أداء واجباتنا لله أفضل وأبدى. «ليست الواجبات الاجتماعية واللياقات أفضل من واجب العبادة لله» (القديس أمبروسيوس).

6.إن التعنّت في إبقاء الفراغ في سدّة الرئاسة، المقصود بكل أسف من أجل أهداف شخصية وفئوية ومستقبلية، قد أوصل إلى نتيجة حتمية، تسمّى في المجلس النيابي المحوّل إلى هيئة ناخبة «تشريع الضرورة»، وفي حكومة تصريف الأعمال: «تعيينات الضرورة». مثل هذا التصرّف يهدم المؤسسات الدستورية والعامة ويفقدها ثقة الشعب والدول بها. وهذه جريمة يرتكبها كل الذين يعطّلون عمليّة انتخاب رئيس للجمهوريّة على الرغم من وجود مرشّحين قديرين.

فها المصرف المركزي في أزمة كيانية، ويطالب نوّاب الحاكم «بضرورة تعيين» حاكم جديد لمدّة ستّ سنوات، ويرفضون السير في التعيين بالوكالة لفترةٍ تنتهي مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وها الجيش اللبناني يستدعي في حالة ظروفه الاستثنائية السير بتعيين «الضرورة»، حفاظًا على استمراريّة المؤسّسات الأمنيّة، لما في ذلك من ضرورة قصوى للاستقرار في لبنان والسلم الأهلي في ظلّ الأزمات المتلاحقة التي نعيشها.

إن الشغور الذي يطال المجلس العسكري في المؤسسة العسكرية والذي إذا استمرّ، فقد تكون له مفاعيل سلبية جدًّا ليس على المؤسسة العسكرية فحسب، إنّما على الوضع الأمني في لبنان ككل. ففي ظلّ أي تغيّب قسري لقائد الجيش أو شغور في مركز القيادة، ليس من قائد آخر يتولّى المهمّة لأن مركز رئيس الأركان شاغر حتى الساعة، ما يترك الجيش من دون قائد، وبالتالي سيصبح معرّضًا لكل أنواع المخاطر.

فما العمل؟ طبعًا الحلّ هو في انتخاب رئيس للجمهورية، والمرشّحان موجودان! والحلّ الآخر المرغم يبقى «بتعيينات الضرورة» لملء الشغور في المجلس العسكري بخاصةٍ مركز رئيس الأركان، حفاظًا على المؤسسة العسكريّة التي تثبت أنّها الضامن للأمن والاستقرار في لبنان. وعلى الحكومة والمجلس النيابي تحمّل مسؤوليّة التبعات القانونيّة.

7.فلنُصَلِّ، أيّها الإخوة والأخوات، إلى الله القدير كي يحرّك ضمائر المسؤولين عن تعطيل انتخاب رئيس للجمهوريّة، فيعودوا عن غيّهم، ويدركوا حجم الأضرار اللاحقة بالدولة والشعب. فالله سميع مجيب. له المجد والشكر إلى الأبد، آمين.

(تستمر القصة أدناه)

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته