علامَ احتوت رسالة البابا فرنسيس في اليوم العالمي للصلاة من أجل الدعوات؟

البابا فرنسيس في المقابلة العامة الأسبوعيّة يوم الأربعاء 26 أبريل/نيسان 2023 البابا فرنسيس في المقابلة العامة الأسبوعيّة يوم الأربعاء 26 أبريل/نيسان 2023 | Provided by: Vatican Media

شدّدت رسالة البابا فرنسيس في اليوم العالمي الستّين للصلاة من أجل الدعوات على أن دعوة الله هي عطيّة مجّانيّة والتزام لإعلان الإنجيل، و«تلاقٍ بين خيار الله وحرّية الإنسان»، وعلاقة ديناميكيّة ومحفِّزة، شارحةً القاعدة الأساسيّة لما نفهمه في الدعوة: الله يدعو بالحبّ ونحن نجيب، شاكرين، بالحبّ.

إليكم ما جاء في رسالته التي حملت عنوان «الدعوة: نعمة ورسالة»:

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، أيّها الشباب الأعزّاء،

إنّها المرّة الستّون التي نحتفل فيها باليوم العالمي للصلاة من أجل الدعوات، والذي أنشأه البابا القديس بولس السادس سنة 1964، في أثناء المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني. إنّها مبادرة أرادتها العناية الإلهيّة لمساعدة أعضاء شعب الله، أفرادًا وجماعات، ليستجيبوا للدعوة والرسالة التي يعهد بها الربّ يسوع لكل واحد في عالم اليوم، بجراحه وآماله وتحدّياته وإنجازاته.

أقترح عليكم هذه السنة أن نتأمّل ونصلّي مسترشدين بهذا الموضوع: «الدعوة: نعمة ورسالة». إنّها فرصة ثمينة لنكتشف من جديد بدهشة أنّ دعوة الله هي نعمة، وهي عطيّة مجّانيّة، وفي الوقت نفسه هي التزام للذهاب والخروج لإعلان الإنجيل. نحن مدعوّون إلى الإيمان الذي يشهد، ويوثِّق بقوّة الرباط بين حياة النعمة في الأسرار المقدّسة والشركة الكنسيّة، وبين الرسالة في العالم. المسيحي الذي ينعشه الروح القدس يقبل أن ينظر إلى «الأطراف» حيث يوجد المهمّشون في الحياة، وهو حسّاس تجاه مآسي البشر، ويعي دائمًا أنّ الرسالة هي عمل لله، ولا يمكن أن نحملها وحدنا، بل في الشركة الكنسيّة مع الإخوة والأخوات، برعاية الرعاة لأنّه هذا هو حلم الله دائمًا وأبدًا: أن نعيش معه في شركة المحبّة.

«اختارَنا فيه قَبْلَ إِنشَاءِ العَالَم»

يفتح الرسول بولس أمامنا أفقًا عجيبًا. قال: في المسيح، الله الآب «اختارَنا فيه قَبْلَ إِنشَاءِ العَالَم لِنَكُونَ في نَظَرِه قديسينَ بِلا عَيْبٍ في المَحَبَّة وقَدَّرَ لَنا مُنْذُ القِدَم أَن يَتَبَنَّانا بِيَسُوعَ المسيح على ما ارتَضَتْهُ مَشِيئَتُه» (أفسس 1: 4-5). إنّها كلمات تسمح لنا بأن نرى الحياة بملء معناها: الله «يصوّرنا» على صورته ومثاله، ويريدنا أن نكون أبناءه: الحبّ خلقنا، بحبٍّ ومن أجل الحبّ. وخلقنا لكي نحبّ.

في مجرى حياتنا، هذه الدعوة، المطبوعة في نسيج كياننا، تحمل سرّ السعادة، وتأتينا بعمل الروح القدس، بطريقة جديدة دائمًا، وتنير عقلنا، وتفيض القوّة في إرادتنا، وتملؤنا بالدهشة وتضرم قلبنا. أحيانًا، تندفع فينا بشكل غير متوقّع. كان الأمر كذلك بالنسبة لي في 21 سبتمبر/أيلول 1953 عندما كنت في طريقي إلى حفلة الطلاب السنويّة. شعرت بالرغبة في دخول الكنيسة والاعتراف. وقد غيّر ذلك اليوم حياتي وترك فيها بصمة تستمرّ فيَّ حتى اليوم. لكن الدعوة الإلهيّة لكي نبذل ذاتنا تتكوّن فينا شيئًا فشيئًا من خلال مسيرة: إذا اتّصلنا بحالة فقر، أو في لحظة صلاة، أو سمعنا شهادة صادقة للإنجيل، أو في قراءة تفتح ذهننا، أو عندما نصغي إلى كلمة الله ونشعر بأنّها موجّهة إلينا، أو عند نصيحة أخ أو أخت ترافقنا، أو في لحظة مرض أو حزن... خيال الله الذي يدعونا واسع لا حدّ له.

ومبادرته وعطيّته المجّانيّة تنتظر جوابنا. الدعوة هي «التلاقي بين خيار الله وحرّية الإنسان»، وهي علاقة ديناميكيّة ومحفِّزة، الله يتكلّم فيها وقلب الإنسان. وهكذا، فإنّ عطيّة الدعوة هي مثل نبتة إلهيّة تنمو في تربة حياتنا، وتفتح نفسنا على الله وعلى الآخرين لنقاسمهم الكنز الذي وجدناه. هذه هي القاعدة الأساسيّة لما نفهمه في الدعوة: الله يدعو بالحبّ ونحن نجيب، شاكرين، بالحبّ. فنكتشف أنّنا أبناء وبنات يحبّنا الله الآب نفسه، ونعرف أنّنا إخوة وأخوات. القديسة تريزا الطفل يسوع، عندما «رأت» أخيرًا هذه الحقيقة بوضوح، هتفت: «وجدت أخيرًا دعوتي! دعوتي هي الحبّ! نعم، وجدت مكاني في الكنيسة… في قلب الكنيسة، أمّي، سأكون الحبّ».

«أنا رسالة على هذه الأرض»

دعوة الله، كما قلنا، تشمل الإرسال. لا توجد دعوة بدون رسالة. ولا توجد سعادة وتحقيق كامل لذاتنا بدون أن نقدّم للآخرين الحياة الجديدة التي وجدناها. الدعوة الإلهيّة إلى الحبّ هي خبرة لا يمكن إخفاؤها. قال القديس بولس: «الوَيْلُ لي إِنْ لَمْ أُبَشِّر!» (1 قورنتس 9: 16). وتبدأ رسالة يوحنا الأولى كما يلي: «ذاك الذي سَمِعْنَاه، ذاك الذي رَأَيْنَاهُ بِعَينَينا، ذاكَ الذي تَأَمَّلْنَاه ولَمَسَتْه يَدانا -أي الكلمة الذي صار جسدًا- نُبَشِّرُكم بِه أَنتُم أَيضًا... لِيَكونَ فَرَحُنا تامًّا» (راجع 1 يوحنا 1: 1-4).

قبل خمس سنوات، في الإرشاد الرسولي «افَرْحُوا وابتَهِجُوا»، توجّهت إلى كل معمّد ومعمّدة بهذه الكلمات: «أنتَ أيضًا تحتاج لفهم حياتك بكاملها كرسالة» (رقم 23). نعم، لأنّ كل واحد منّا، ولا أحد مستثنى، يمكنه أن يقول: «أنا رسالة على هذه الأرض، ولهذا وُجدت في هذا العالم» (الإرشاد الرسولي، فرح الإنجيل، 273).

الرسالة المشتركة بيننا جميعًا نحن المسيحيين هي أن نشهد بفرح، وفي كل الحالات، بالأعمال والأقوال، لما نختبره عندما نكون مع يسوع ومع جماعته التي هي الكنيسة. ونعبّر عن ذلك بأعمال الرحمة المادّية والروحيّة، بأسلوب حياة يرحّب بوداعة، وقادر على القرب والرحمة والحنان، ويسير عكس التيّار بالنسبة لثقافة الإقصاء واللامبالاة. الاقتراب من الناس، مثل السامري الرحيم (راجع لوقا 10: 25-37)، يسمح لنا بأن نفهم «نواة» الدعوة المسيحيّة، وهي: الاقتداء بيسوع المسيح الذي جاء ليَخْدُم لا ليُخْدَم (راجع مرقس 10: 45).

عمل الرسالة هذا لا ينشأ ببساطة من قدراتنا أو نيّاتنا أو مشاريعنا، ولا من إرادتنا ولا حتى من جهدنا في ممارسة الفضائل، بل من خبرة عميقة مع يسوع. عندئذٍ فقط يمكننا أن نصير شهودًا لشخص، ولحياة، وهذا يجعلنا «رُسُلًا». حينئذٍ، نعرف أنفسنا «أنّنا موسومون بوسم هذه الرسالة، بوسم من نار كي ننير ونبارك وننعش ونفرّج ونشفي ونحرّر» (الإرشاد الرسولي، فرح الإنجيل، 273).

تلميذا عمّاوس هما أيقونة إنجيليّة لهذه الخبرة. بعد لقائهما مع يسوع القائم من بين الأموات، اعترفا الواحد للآخر بما في داخلهما: «أَما كانَ قَلبُنَا مُتَّقِدًا في صَدْرِنا، حينَ كانَ يُحَدِّثُنا في الطريق ويَشْرَحُ لَنَا الكُتُب؟» (لوقا 24: 32). يمكننا أن نرى فيهما ماذا يعني أن يكون فينا «قلوب مُتَّقِدَة، وأقدام تسير». وهذا ما أتمنّاه أيضًا من أجل اليوم العالمي للشبيبة المقبل في لشبونة، والذي أنتظره بفرح وشعاره هو: «قامَت مَرْيَمُ، فمَضَت مُسْرِعَةً» (لوقا 1: 39). ليشعر كل واحدٍ منّا بأنّه مدعوّ إلى أن يقوم ويمضي مسرعًا، وقلبه متّقد!

مدعوّون معًا: مجتمعين

روى مرقس الإنجيلي الوقت الذي فيه دعا يسوع إليه التلاميذ الاثني عشر، كل واحد باسمه. أقامهم ليكونوا معه وليرسلهم ليكرزوا ويشفوا الأمراض ويطردوا الشياطين (راجع مرقس 3: 13-15). هكذا وضع الربّ يسوع أساسات جماعته الجديدة. كان التلاميذ الاثنا عشر من خلفيّات اجتماعيّة ومهنيّة مختلفة، ولم يكونوا من الطبقات المهمّة. وتروي لنا الأناجيل عن دعوات أخرى، مثل دعوة التلاميذ الاثنين والسبعين الذين أرسلهم يسوع اثنين اثنين (راجع لوقا 10: 1).

المزيد

الكنيسة هي Ekklesía، وهو مصطلح يوناني يعني: جماعة من الناس المدعوّين لتشكيل جماعة تلاميذ وتلميذات أرسلهم يسوع المسيح، التزموا أن يعيشوا حبّه في ما بينهم (راجع يوحنا ​​13: 34/ 15: 12) وأن ينشروه بين الجميع حتى يأتي ملكوت الله.

في الكنيسة، نحن جميعًا خادمون وخادمات، حسب الدعوات والمواهب والخدمات المختلفة. الدعوة إلى بذل الذات في المحبّة، المشتركة بين الجميع، تتجلّى وتصير عمليّة في حياة المسيحيين العلمانيين، الملتزمين ببناء العائلة ككنيسة عائليّة صغيرة، وإلى تجديد بيئات المجتمع المختلفة بخميرة الإنجيل، وبشهادة المكرّسين والمكرّسات الذين قدّموا ذاتهم لله عن إخوتهم وأخواتهم، وهم بمثابة نبوّة لملكوت الله، وبالخدّام المرسومين (الشمامسة والكهنة والأساقفة) المكرّسين لخدمة الكلمة والصلاة وشركة ووحدة شعب الله المقدّس. كل دعوة في الكنيسة تظهر بكمالها، وبحقيقتها وغناها، في ارتباطها مع سائر الدعوات، فقط. بهذا المعنى، الكنيسة هي سيمفونيّة دعوات، مع كل الدعوات المتّحدة والمتميّزة في وئام ومعًا «تنطلق» لتشعّ الحياة الجديدة لملكوت الله في العالم.

نعمة ورسالة: عطيّة وواجب

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، الدعوة عطيّة وواجب، وهي ينبوع حياة جديدة وفرح حقيقي. لتكن مبادرات الصلاة والتنشيط المرتبطة بهذا اليوم مصدر قوّة للإحساس بالدعوة في عائلاتنا، وفي الجماعات الرعويّة وفي الحياة المكرّسة، وفي الجمعيّات والحركات الكنسيّة. ليوقظنا روح الربّ القائم من بين الأموات من خمولنا وليمنحنا المشاركة والتعاطف، لنعيش كل يوم متجدّدين مثل أبناء لله الذي هو محبّة (راجع يوحنا ​​4: 16)، فنكون بدورنا مولِّدين للحياة في المحبّة: قادرين على منح الحياة في كل مكان، ولا سيّما حيث يوجد الإقصاء والاستغلال والفقر والموت. بهذه الطريقة تتّسع مساحات المحبّة، ويزداد ملك الله في هذا العالم.

لترافقنا الصلاة في هذه المسيرة التي كتبها البابا القديس بولس السادس في مناسبة اليوم العالمي الأوّل للدعوات، 11 أبريل/نيسان 1964:

«يا يسوع، راعي النفوس الإلهي، أنتَ الذي دعوت الرسل لتجعلهم صيّادي بشر، شُدّ إليك دائمًا نفوسًا متحمّسة وسخيّة من بين الشباب لتجعلهم أتباعك وخدّامك. اجعلهم مشاركين لك في عطشك لفداء العالم... وافتح لهم آفاق العالم بأسره... حتى يستجيبوا لدعوتك، ويكمّلوا رسالتك هنا على الأرض، ويبنوا جسدك السرّي الذي هو الكنيسة، ويكونوا «ملح الأرض» و«نور العالم» (متى 5: 13-14)».

لترافقكم مريم العذراء وتحميكم. مع بركتي.

(تستمر القصة أدناه)

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته