رحلة رسوليّة إلى المجر... البابا فرنسيس وأوربان وإرغو أمام مفترق طرق

البابا فرنسيس في بودابست-المجر يوم 12 سبتمبر/أيلول 2021 البابا فرنسيس في بودابست-المجر يوم 12 سبتمبر/أيلول 2021 | Provided by: Daniel Ibanez/CNA

يزور البابا فرنسيس العاصمة المجريّة بودابست من 28 إلى 30 أبريل/نيسان 2023. البلاد المضيفة للأب الأقدس تملك حدودًا مشتركة مع أوكرانيا الغارقة في دماء الحرب المستعرة. ومنذ بداية الغزو الروسي، اندلعت توترات سياسيّة بين كييف وعواصم الديمقراطيّات الغربيّة من جهة وبودابست من جهة أخرى، تخطّت سياق النزاع العسكري في شرق أوروبا.

حدود المجر الفعليّة مع أوكرانيا تمتدّ على حوالى 166 كيلومترًا. ويجمع البلدين تاريخٌ طويل معقّد من المظالم. الكنيسة الكاثوليكيّة بالمجر جزء من ذلك التاريخ، والشخصيّة الفريدة في بودابست التي تعرف هذا الإرث والتوترات الحاليّة هي الكاردينال بيتر إردو، رئيس أساقفة إسترغوم والمتقدّم بين مطارنة البلاد.

الكاردينال إرغو يستقبل البابا

لن يرحّب الكاردينال البالغ 70 عامًا من العمر بالأب الأقدس في المجر فحسب، بل قد أعرب عن سعادته بالزيارة. واللقاء بين الرجلين على الأراضي المجريّة هو الثاني من نوعه، بعدما حضر البابا المؤتمر الإفخارستي الدولي في عاصمة البلاد في العام 2021.

سيكون للكاردينال إردو دور في الزيارة المرتقبة لكونه زعيمًا روحيًّا للكاثوليك المجريين الذين تُقدّر نسبتهم بحوالى 40٪ من السكان، ولا سيّما في خلال اللقاء الرسمي مع رئيس الوزراء فيكتور أوربان.

علاقة الكنيسة المجريّة بالدولة

في سعيه للمحافظة على دور الكنيسة وسط حالة من عدم اليقين السياسي، لطالما كان إردو نصيرًا للقيم الكاثوليكيّة وداعمًا قويًّا للتراث المسيحي في المجر. ظاهريًّا، دعمت حكومة أوربان وحزب فيدس الحاكم الكاردينال إردو، زاعمين أنّهم يعزّزون الأسس الأخلاقيّة للأمّة.

وفي أعقاب الغزو الروسي، لم يسلّط الصراع الدموي والاستجابة الكاثوليكيّة للمعاناة الإنسانيّة في أوكرانيا الضوء على التحدّيات البشريّة والاجتماعيّة والسياسيّة فقط، إنّما أيضًا على العلاقة الهشّة بين الكاردينال إردو والحكومة الهنغاريّة بشكل خاصّ، وبين الكنيسة والدولة بشكل عام.

فقد تبنّى أوربان، وهو بروتستانتي كالفيني معروف بأسلوبه الشعبوي، وفقًا لناقديه في السياسة، ما يسمّيه البعض موقفًا أكثر حياديّة بشأن الحرب. وقاوم الاتحاد الأوروبي والضغط الغربي الأوسع الهادف لإدانة تصرّفات روسيا على نطاق واسع.

ونظرًا لأن الاضطرابات والتوترات في أوروبا تتحدّى قدرة القارّة على تقديم ردّ سياسي موحّد متعلّق بالقضايا الملحّة مثل الهجرة، والنزاعات الأيديولوجيّة على الأراضي أو حتى العدوان الروسي، فإن قيادة الكاردينال إردو بالغة الأهمّية من أجل توجيه المؤمنين في المجر تحت قيادة سياسيّة مماثلة.

استجابة الكنيسة للحرب الأوكرانيّة

بينما تتصارع المجر مع تعقيدات الحرب الأوكرانيّة، تلعب العلاقة بين إردو وأوربان دورًا محوريًّا في تحديد شكل استجابة البلاد وقدرة الكنيسة على المساعدة في الأزمة.

وقد أعرب إردو عن قلقه العظيم إزاء معاناة الشعب الأوكراني. وصرّح في مقابلته الأخيرة مع «فاتيكان نيوز»: «إنّنا نصلّي يوميًّا من أجل السلام في العام الأخير، وفي مختلف الأبرشيّات أيضًا. وننظّم مواكب سلام منتظمة، وقد كرّسنا أوكرانيا وروسيا للأمّ المباركة».

في حين تساعد الكنيسة المجريّة، عبر المنظّمات الخيريّة والرعايا والأفراد، ملايين الأوكرانيين المتضرّرين من الحرب الذين فرّوا إلى الدولة الواقعة في وسط أوروبا.

البابا فرنسيس والحكومة المجريّة

في الاجتماع «الودّي» الأخير بين البابا فرنسيس وأوربان، ناقش الرجلان «دور الكنيسة في البلاد، والالتزام في حماية البيئة، وحماية الأسرة وتعزيزها». وكتب أوربان على صفحته الرسميّة عبر فيسبوك: «طلبت من البابا فرنسيس ألا يدع المجر المسيحيّة تهلك».

ويلعب الكاردينال إردو أيضًا دورًا أساسيًّا في ربط نهج البابا الحالي ولغته بالحكومة المجريّة على خلفيّة المقاومة الأوروبيّة ضدّ تراثها المسيحي، الأمر الذي حذّر البابا منه مرّات كثيرة.

المزيد

وقد يكون دور إردو أيضًا مهمًّا في بناء جسور تخفّف من الانقسامات داخل الكنيسة. فعلى عكس الاستقطاب بين أساقفة البلدان الناطقة بالألمانيّة، على سبيل المثال، يحظى إردو بالاحترام من جانب قادة الكنيسة الليبراليين والتقليديين على حدّ سواء.

وبينما يستعد البابا فرنسيس لرحلته إلى بودابست، يصبح عنوان الزيارة «المسيح مستقبلنا» تذكيرًا قويًّا بدور الكنيسة في تجاوز المشهد المعقّد للوضع الحالي. ومع تسهيل الكاردينال إردو للقاءات، سيؤكد البابا مهمّة الكنيسة لتخفيف الانقسامات، وتقديم العزاء للمهمّشين، وتعزيز الأمل في مستقبل أكثر إشراقًا. فعبر تفاعله مع اللاجئين والفقراء والأطفال، يبرهن البابا فرنسيس عن رسالة الكنيسة الخاصّة بالتعاطف والوحدة، والتي تمتدّ إلى الجميع، بغضّ النظر عن ظروفهم أو خلفيّتهم.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته