ساكو عبر «آسي مينا»: لوجوب تجديد الكنيسة كي تواكب تحدّيات العصر

بطريرك الكنيسة الكلدانيّة الكاردينال لويس روفائيل ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانيّة الكاردينال لويس روفائيل ساكو | Provided by: Chaldean Patriarchate

شدّد بطريرك الكنيسة الكلدانيّة الكاردينال لويس روفائيل ساكو، في حديث خاصّ إلى «آسي مينا» قبيل مغادرته بغداد للمشاركة في أعمال الجمعيّة السينودسيّة القارّية للكنائس الكاثوليكيّة في الشرق الأوسط المنعقدة في لبنان بين الثالث عشر والثامن عشر من فبراير/شباط الحالي، على أهمّية التجديد والتأوين في الكنيسة لتواكب تحدّيات العصر وتخاطب عالم اليوم، وفق مفاهيمه وثقافته.

وأكد ساكو أن «مشروع السينوداليّة طُرِحَ في خلال أعمال السينودس الأخير في روما إذ طلبوا منّا اختيار مواضيع للنقاش، فطرحنا فكرة السينوداليّة بالكنيسة، أي أن تعمل الكنيسة بالأسلوب المجمعي أو السينودالي (السينوداليّة تعني السير معًا)».

ولفت إلى أن روما تبنّت هذه الفكرة، وتمّت مراسلة الأساقفة حول العالم ليطرحوا أفكارهم ومقترحاتهم. وفي ما يخصّ الكنيسة الكلدانيّة، نوقشت المسألة مع المطارنة الكلدان ليتوافقوا على تبنّي موضوع السينوداليّة الذي أعلنه البابا فرنسيس لاحقًا بشكل رسمي. وقال إن الفكرة في أساسها ترجع إلى أن البابا يريد مخاطبة عالم اليوم وفق مفاهيمه وثقافته، وهدفه الأسمى تجديد الكنيسة، ولا سيّما في هذه الظروف العصيبة وما يشهده العالم من متغيّرات متسارعة وهيمنة التكنولوجيا والعلمنة والرغبة في النفوذ والمتعة وحبّ المال واستشراء الفساد لأن كثيرًا من القيم الدينيّة والأخلاقيّة قد تراجع أمام كل هذه التحدّيات.

المسيرة السينودسيّة في الواقع الشرقي

في ما يتعلّق بتحديد محاور معيّنة للتركيز عليها في المؤتمر، رأى ساكو أن الخيار الأفضل تمثّل في اختيار واحدٍ منها، كالعقيدة، أو القانون، وربما النظم أو الطقوس، فضلًا عن التعليم المسيحي والمصطلحات، عوض أن تُطرح كل المحاور على بساط النقاش.

على الصعيد نفسه، أكد أن هناك لجنة تتابع عمل الأبرشيّات الكلدانيّة على كل المحاور بشكل متواصل منذ أكثر من سنة، مع العلمانيين والمكرّسين والكهنة.

وتابع: «أما الآن، فستتمّ مناقشة الموضوع على مستوى القارّات، وهكذا تأتي مشاركتنا في الجمعيّة السينودسيّة القارّية للكنائس الكاثوليكيّة التي تُعقد في لبنان بين الثالث عشر والثامن عشر من فبراير/شباط 2023 مع سائر الكنائس الكاثوليكيّة وعددها اثنتا عشرة كنيسة لنناقش المسيرة السينوداليّة في واقعنا الشرقي».

وشدّد البطريرك الكلداني على أن واقعنا الشرقي مختلف، ما يجعل الكنيسة الكلدانيّة تركّز على طرح موضوع الاختلاف لجهة «كوننا نعيش في مجتمع إسلامي يرى أن الدين صالحٌ لكل زمان ومكان، تكمن مسؤوليّتنا في أن نعرف كيف نخاطبهم، وكيف نكون شهودًا لإيماننا إزاءهم، من دون إغفال حاجتنا إلى الجديد». وأضاف: «نحن ككنائس شرقيّة تحوّلنا إلى كانتونات طائفيّة، وبعضنا ما زال متمسّكًا بالقديم وبعضنا الآخر جدّد».

واستنتج: «في الحقيقة، يجب علينا أن نجدّد أساليبنا ومصطلحاتنا وثقافاتنا وفكرنا، وإلّا سنفقد شبابنا وشابّاتنا».

الكنيسة الكلدانيّة ومسار التجديد

على صعيد التجديد والتأوين، أشار ساكو إلى أن الكنيسة الكلدانيّة قطعت شوطًا كبيرًا في هذا المجال، ربّما أكبر من بقيّة الكنائس، موضحًا: «على سبيل المثال، طقوسنا كلها تبسّطت لتخلو من الغريب والقديم وما لا يتماشى مع الواقع اليوم. أضف إلى ذلك أننا طبعنا كتبًا جديدة للتعليم المسيحي ونواصل، نحن البطريرك والمطارنة، طرح أفكار متجدّدة عبر وسائل الإعلام المختلفة، خصوصًا المقالات التي ينشرها موقع البطريركيّة، ونلاحظ أن المواقع الأجنبيّة، ولا سيّما موقع الفاتيكان، تأخذ عنّا، الأمر الذي يعني أننا اكتسبنا خبرة عمليّة على الرغم من الظروف الصعبة التي تعيشها الكنيسة، وقد استثمرنا في ذلك لنكون أكثر ديناميكيّة».

وأبدى أسفه لأن هذا الأمر يكاد يقتصر على الكنيسة الكلدانيّة، قائلًا إن المُلاحَظ يكمن في أن بعض الكنائس الأخرى لم يواكب العصر بما يستلزمه من تحديث، بل ما زال يتّبع السياقات القديمة، وربما يكون ذلك بسبب نقص الكوادر.

وعن نشاط الكنيسة الكلدانيّة، قال: «لدينا مطارنة نشيطون وفاعلون على صعدٍ عدّة، واليوم لدينا كلّية لاهوت، معاهد للتثقيف المسيحي، دار للنشر لها إصداراتها المهمّة ما بين كتب ومجلات، وهناك أيضًا موقع البطريركيّة الإلكتروني وله أهمّيته، فضلًا عن جامعة ومدارس كاثوليكيّة. وعلى الرغم من تناقصنا عدديًّا، نمتلك ثقلنا الفاعل، ونحاول أن نساهم قدر الإمكان في بلورة موقف مشرقي كاثوليكي موحّد من دون أن نغفل أننا نعاني ظروفًا شديدة الصعوبة على الصعيد الأمني السياسي والاجتماعي والاقتصادي في بلداننا». وأعرب عن أمله في أن يثمر هذا السينودس عن تشكيل مجلس موحّد للكنائس الكاثوليكيّة الشرقيّة يعمل بروحانيّة الفريق الواحد وبروحانيّة السينودس.

وختم ساكو حديثه عبر «آسي مينا» بالقول: «أن نسير معًا لا يعني أبدًا أن نتقولب، مع التشديد على عدم إلغاء الخصوصيّة لجهة الهويّة والتراث، فالوحدة ليست ضدّ التنوّع، بل إن التنوّع غنى. يجب أن تحافظ كل كنيسة على خصوصيّتها، لكن دعونا نعمل يدًا بيد من أجل شعبنا لأن هذا الشرق سيفرغ من المسيحيين في حال حصل العكس، وهذه مسؤوليّة ضميريّة».

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته