الراعي يشرح الهويّة المارونيّة ويذكّر بأبعاد الكنيسة الخمسة

البطريرك الراعي يحتفل بالذبيحة الإلهية لعيد مار مارون الراعي يحتفل بالذبيحة الإلهية لمناسبة عيد مار مارون | Provided by: Maronite Catholic Patriarchate of Antioch

أكد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظته لمناسبة تذكار مار مارون اليوم أن العيد يدعو للرجوع إلى الهويّة المارونيّة التي ترفض التقوقع والمصالح الضيّقة. فالهويّة المارونيّة هويّة انفتاح وحضارة وإيمان، على حدّ تعبيره.

الراعي الذي احتفل بالذبيحة الإلهيّة في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي ذكّر بأبعاد الكنيسة المارونيّة الخمسة التي يعدّدها المجمع البطريركي. وقال: لا يمكن للإنسان أن يكون مارونيًّا من دون أن يعرف القديس الذي تحمل هذه الكنيسة اسمه.

وجاء في عظة الراعي ما يلي:

حبّة الحنطة إذا وقعت في الأرض وماتت، تأتي بثمر كثير. يسوع المسيح هو حبّة الحنطة بامتياز الذي بموته وُلِدَت الكنيسة، ويدعونا لأن نكون على مثاله.

لا يمكن أن نُؤتي ثمارًا لا روحيّة ولا كنسيّة ولا مدنيّة ولا وطنيّة ولا سياسيّة ولا اجتماعيّة ما لم يمت كل شخص عن ذاته ومصلحته الخاصّة وعن أنانيّته، وهذا ما يعطي الإنسان جمال وجوده.

الآباء والأمّهات يعطون بسخاء على مثال حبّة الحنطة التي تموت لتعطي ثمارًا.

القديس مارون أب الكنيسة المارونيّة وشفيعها، هو حبّة حنطة بامتياز لأنه بموته على جبل قوروش، من خلال حياته النسكيّة، لم يجتذب الناس فقط في حياته، ولكن بعد موته وُلِدَت الكنيسة المارونيّة، وهي الكنيسة الوحيدة التي تحمل اسم قديس، ما يعني أن لنا مسؤوليّة عيش الاسم الذي نحمله، وعلى مثاله وقدوته يجب أن نعيش.

لا يمكنني أن أكون مارونيًّا ولا أعرف من هو مار مارون.

لا يمكنني أن أكون مارونيًّا ولا أعرف ما هي رسالتي في كنيستي.

لا يمكنني أن أكون مارونيّ الهويّة ولا أملك إيمان مار مارون بالمعلّم الأوحد يسوع المسيح.

عيد مار مارون اليوم يدعونا للرجوع إلى هويّتنا المارونيّة التي ترفض التقوقع والمصالح الضيّقة، هويّتنا المارونيّة هويّة انفتاح وحضارة وإيمان.

نحتفل بالعيد، وهو علامة فرح، ولكن لا يمكننا أن نتجاهل دموعنا والحزن العميق في قلوبنا، ليس فقط على حالتنا المارونيّة التي نحن فيها، ولكن أيضًا على الكوارث والزلازل والهزّات التي أوقعت الرعب في وطننا والويلات بخسارة الآلاف في تركيا وسوريا.

نذكر اليوم بقدّاسنا جميع الضحايا والجرحى والعائلات المنكوبة في هذا البرد والصقيع، نلتفت نحو أبانا السماوي ونقول:

«أبانا الذي في السماوات، أب الجميع، أرسِل قوّتك لشعوبنا المنكوبة ورحمتك للقلوب المتألّمة».

نعم أحبّائي، إن الله يخاطبنا بكل الطرق وفي كل الظروف، خاطبنا بتجسّده، بإنجيله، بكنيسته من خلال تعاليمها، وهو يخاطب اليوم ضميرنا، ضمير كل إنسان في أعماقه، ويدعونا إلى الخير ورفض كل أنواع الشرّ.

بصوت الضمير الحيّ، نخاطب أبناءنا الموارنة في كل أصقاع المعمورة ونتوجّه إليهم بالمعايدة القلبيّة والروحيّة، مؤمنين ومؤمنات، متمنّين للجميع عيدًا مباركًا غنيًّا بمواهب الروح القدس والفضائل والقيم المارونيّة العريقة والمقدّسة.

معكم نتوقّف عند هويّة مار مارون التي يجب أن نعيشها، وهو مثالنا لأنه رجل صلاة، رجل تضحية، فجعله الله للجميع علامة السماء للأرض.

المزيد

من هذا المنطلق، أستذكر معكم اليوم أبعاد كنيستنا المارونيّة الخمسة التي يذكّرنا بها المجمع البطريركي الماروني.

البعد الأوّل: هي كنيسة بطريركيّة أنطاكيّة لأن أنطاكية هي مدرسة الانفتاح، وهي أمّ الكنائس، ومار مارون خرّيج روحانيّة هذه المدرسة.

البعد الثاني: هي كنيسة سريانيّة تحمل تراث مار أفرام السرياني ومار يعقوب وسواهم، تراث الروحانيّة النسكيّة العميقة، روحانيّة سرّ المسيح والروحانيّة المريميّة.

البعد الثالث: الهويّة الخلقيدونيّة نسبةً إلى مجمع خلقيدونيا الذي أعلن أن المسيح إنسانٌ بكامل الطبيعة الإنسانيّة وإله بكامل الطبيعة الإلهيّة وبدون ذوبان.

هكذا هي كنيسة مار مارون وتلاميذه بالبُعد الزهدي والنسكي الخلقيدوني، مؤمنة بالمسيح الكامل بإنسانيّته وألوهيّته.

البعد الرابع: كنيسة بطريركيّة، حافظت مع البطريرك الأوّل يوحنا مارون على كاثوليكيّتها واتّحادها مع روما بعد الانشقاقات الكبرى. وبهذا، أصبح البطريرك هو الرأس والأب لكنيسته وفي شركة تامّة مع كرسي بطرس في روما.

البعد الخامس: كنيسة رهبانيّة بامتياز ذات طابع نسكيّ على مثال مارون أبيها، متجسّدة في أرض لبنان حيث كُتِبَ تاريخنا وتراثنا.

(تستمر القصة أدناه)

كل هذه السنوات كانت كنيستنا في شراكةٍ تامّة مع كنيسة روما الأمّ، وكنّا متجذّرين في هويّتنا وأرضنا ومنتشرين في كل الدنيا على مثال أرزة لبنان الطيّبة الشذا، شلوشها في أرضها ثابتة، وأغصانها ممتدّة في كل المعمورة.

هذا هو أساس ثقافتنا وحضارتنا وهذا أساس كل عمل يجب أن نقوم به، ضمانة للإنسان والإنسانيّة وكرامة الشخص البشري، كنسيًّا، اجتماعيًّا، وطنيًّا وسياسيًّا.

من يجهل جذوره، يَعِش في الفوضى والفساد. ومن يجهل ماضيه، يجهل واقعه ومستقبله. وما عيد مار مارون اليوم سوى تذكير لهويّتنا ودعوة لضمائرنا وجذورنا.

نلتمس من أبينا مارون أن يجعلنا ندرك روحانيّته كي نعيش على مثاله ونحن نحمل بمسؤوليّة اسمه ونمط عيشه. وبه ومعه نمجّد الثالوث القدّوس الآب والابن والروح القدس الآن وإلى الأبد. آمين

كل عيد وأنتم بألف خير.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته