«مع الله لست أبدًا وحدك»... أهمّ خطب البابا بنديكتوس في كتاب

غلاف كتاب «مع الله لست أبدًا وحدك» غلاف كتاب «مع الله لست أبدًا وحدك» | Provided by: Vatican Media

ما زال البابا بنديكتوس السادس عشر يتصدّر عناوين الأخبار، وتشكّل تعاليمه محور اهتمامٍ بعد رحيله نهاية العام المنصرم إذ أصدرت دار ريتزولي للنشر ودار النشر التابعة للكرسي الرسولي، في 9 يناير/كانون الثاني 2023، كتابًا يتضمّن التعليم الأبرز للبابا الفخري الراحل الذي حمل عنوان «مع الله لست أبدًا وحدك».

في هذا الكتاب، استعرض الأب فيديريكو لومباردي، رئيس مؤسّسة بنديكتوس السادس عشر، الخطب العشر الأهمّ التي ألقاها البابا الراحل في خلال حبريّته، بدءًا بعظته الأولى بصفته بابا حتى مقابلته العامة الأخيرة التي أعلن فيها استقالته.

واتّصفت الكتابات والعظات والخطب التي ألقاها البابا الفخري في أثناء حبريّته وقبلها بأهمّية كبيرة. وقد دأب الأب الأقدس من خلالها على تقديم المحتوى الغنيّ والغزير في النوع والكمّ، لكن الأب لومباردي، مُعدّ الكتاب، جعل المحتوى مقتصرًا على زمن حبريّته.

في مقدّمة الكتاب، أخبرنا مُعدّه أننا نستطيع تقسيم هذه الخطب إلى مجموعتَيْن؛ خمسٌ موجّهة إلى حياة الكنيسة، وخمسٌ موجّهة إلى عالم الثقافة والمجتمع والسياسة. واستنتج أن البابا افتتح حبريّته واختتمها بالتشديد على أن الكنيسة التي أُوكِلَت إليه قيادتها حيّة على الرغم من الصعوبات لأنها كنيسة المسيح الحيّ القائم، وهو الراعي الصالح الذي يرافقها في القارب حتى في لحظات العاصفة. وقد انتهى خطاب بنديكتوس الأوّل بمناشدة الشباب ألا يخافوا من المسيح الذي يعطي كل شيء من دون أن يطلب شيئًا في المقابل، وكأنه رجع صدى للخطاب الأوّل للبابا القديس يوحنا بولس الثاني: «لا تخافوا، شرّعوا الأبواب للمسيح!».

في ما يتعلّق بتناول البابا الفخري نصوص المجمع الفاتيكاني الثاني كمرجعٍ لمسيرة الكنيسة وتجديدها في عصرنا، أضاف الأب لومباردي أن البابا الراحل شهد فعاليّات المجمع وشارك فيه بنشاط، بصفته خبيرًا لاهوتيًّا يتمتّع بالسلطة لتطوير الخطاب حول القبول الصحيح للمجمع. لطالما أكد البابا بنديكتوس أن الثمار الإيجابيّة للمجمع الفاتيكاني الثاني تتطوّر، مسلّطًا الضوء على موقف الكنيسة الإيجابي الجديد بتوجيهها إلى الحوار بين العقل والإيمان وما شابه من الموضوعات ذات الأهمّية في عصرنا.

واجهت حبريّة البابا بنديكتوس السادس عشر بعض التحدّيات، لعلّ أبرزها الأزمة الناجمة من اتّهاماتٍ طالت الإكليروس الكاثوليكي بارتكاب اعتداءات جنسيّة. وكان ذلك أمرًا مؤلمًا جدًّا بالنسبة إليه. ففي كلمته بختام السنة الكهنوتيّة، قدّم البابا أهمّ مداخلاته في هذا الشأن، إذ قال «إن وجود الشرّ والشرير والخطيئة في حياة الكنيسة، على الرغم من قوّتهم الرهيبة، ينبغي ألّا يُطفئ الثقة بقوّة نعمة المسيح وثمار القداسة التي يمنحها».

أمّا في ما يخصّ الخطب الخمس الأخرى الموجّهة إلى «خارج الكنيسة»، فأشار الأب لومباردي إلى أنها تُظهر بوضوح منقطع النظير ذلك القاسم المشترك الخاصّ بالعلاقة والحوار بين العقل والإيمان عبر التاريخ. في ريغنسبورغ، تناول بنديكتوس السادس عشر صراحةً موضوع العلاقة بين الإيمان والعقل، منطلقًا من اللقاء بين الإيمان البيبلي والتساؤل اليوناني، وصولًا إلى اليوم.

ولفت لومباردي إلى تعمّق بنديكتوس في موضوع العلاقة بين أصول اللاهوت الغربي في العصور الوسطى وجذور الثقافة الأوروبيّة في سياق حديثه في كلّية القديس برنارد بباريس، حينما أشار إلى أن تكوين هذه الثقافة هو ثمرة البحث عن الله، وأن البحث عنه هو أساس كل ثقافة حقيقيّة. وتطرّق الحبر الأعظم في خلال لقائه ممثّلين عن الأوساط السياسيّة والثقافيّة والاقتصاديّة في وستمنستر هول بلندن إلى المكانة الصحيحة التي يجب أن تحتفظ بها المعتقدات الدينيّة اليوم في العمليّة السياسيّة، مؤكدًا أن عالمَي العقل والإيمان يحتاج أحدهما الآخر من أجل خير حضارتنا. وتناول مسألة أسس دولة القانون الليبراليّة وصعوبة التمييز بين الخير والشرّ في المسائل الأنثروبولوجيّة الأساسيّة المطروحة في المجتمع المعاصر لدى حديثه في مقرّ البرلمان الألماني في برلين، مشدّدًا على أن للإنسان طبيعة يجب احترامها وعدم التلاعب بها حسب الرغبة لأن الإنسان لا يخلق نفسه.

ورأى الأب لومباردي أن البابا بنديكتوس السادس عشر حاول أن يطرح فكرة الحوار الحيّ بين العقل والإيمان بوصفه سبيلًا ضروريًّا لخلاص كل فردٍ والعائلة البشريّة بأسرها، ولا سيّما إزاء تحدّيات عصرنا المأساويّة، مذكّرًا بمسؤوليّة الإنسان أمام الله والإقرار بأن لكل إنسانٍ مخلوق على صورة الله كرامَتَهُ الواجب صيانتها.

بحسب الأب فيديريكو لومباردي، يشكّل كتاب «مع الله لست أبدًا وحدك» دعوة إلى قراءةٍ متجدّدة في أفكار البابا بنديكتوس الذي لطالما اعتبر التبشير مهمّة الكنيسة الأولى، وأن رسالتها الأساسيّة هي التحدّث إلى البشريّة عن الله في زمن يبدو أنه حُصِرَ في أفق البشريّة العلمانيّة.

 

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته