إكليريكي من بغداد وتلهف لرؤية البابا في بغداد

الأكليريكي بشار باسل نجيب قداس البابا في بغداد | ACI MENA
الأكليريكي بشار باسل نجيب قداس البابا في بغداد | ACI MENA
الأكليريكي بشار باسل نجيب قداس البابا في بغداد | ACI MENA
الأكليريكي بشار باسل نجيب نجيب قداس البابا في بغداد | ACI MENA
الأكليريكي بشار باسل نجيب قداس البابا في بغداد | ACI MENA
الأكليريكي بشار باسل نجيب نجيب قداس البابا في بغداد | ACI MENA

لم تكن زيارة البابا فرنسيس إلى العراق مجرد حدثٍ عالميٍّ تاريخيٍّ فريدٍ من نوعهِ، لا سيما لجهة كونها  الزيارة الأولى لبابا الفاتيكان إلى أرض الحضارات، بلاد ما بين النهرين، عراقنا الحبيب. بل كانت زيارة حجٍّ إلى أور، موطن أبينا إبراهيم، فضلاً عمّا تحمله في طياتها من رسائل المحبة والتشجيع والمؤازرة لجميع العراقيين، وتجسَّد ذلك في عنوانها العريض: "أنتم جميعًا إخوة"، إذ أصرّ قداسته على تتميمها رغم ظروف جائحة كورونا وتبعاتها العالمية ورغم كون بلادنا تعيش حالة عدم استقرار على أكثر من صعيد.

كتلميذ إكليريكي في المعهد الكهنوتي (السمنير)، ربما تكون خبرتي التي عشتها في بغداد أثناء التحضيرات التي شهدتها العاصمة لاستقبال البابا فرنسيس، أكثر قربًا من المشهد، وكانت لها في قلبي وروحي ذكريات لا تمحى وبركة للعمر كلّه. 

لطالما سمعت ولسنوات عديدة سبقت عام 2021، أن البابا فرنسيس يرغب في أن يزور العراق، وكنت أتحمّس عند سماع هذه الأخبار، وأتطّلع إلى ذلك اليوم الذي تطأ فيه قدما خليفة بطرس الرسول أرض بلدي العراق، خاصة وأنا تلميذ في المعهد الكهنوتي، فأيّ دعم ستشكله هذه الزيارة! لي ولإخوتي التلاميذ، ونحن نستعدّ لاقتبال سرّ الكهنوت المقدس في ظروف بلدنا المعروفة للجميع!

ورغم التأجيل المتكرر لزيارة قداسته للعراق، نظرًا لظروف البلد وتدهور وضعهِ الأمني، من جهة، وانتشار فيروس كورونا في العالم وما سبّبه من خسائر في الأرواح من جهة أخرى. لم أفقد  الأمل في أن قداسته، يوماً ما، سوف يزور بلدي. 

مع حلول عام 2021 حلّ الفرح، حيث قرر البابا فرنسيس أن يزور العراق، بدعوة من غبطة أبينا البطريرك الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية. وبالفعل تحدد موعد الزيارة، في الأيام (5-8 آذار 2021). وكان البرنامج الخاص بالزيارة مكثفًا ويشمل زيارتهُ لكل من: (بغداد، النجف، أربيل، الموصل وقره قوش). بدأت التحضيرات في بغداد وباقي المحافظات وعلى قدمٍ وساق قبل شهرٍ تقريبًا من موعد إعلان الزيارة.

يومها، كان الوضع في بغداد قلقًا نوعاً ما بسبب جائحة كورونا، حيث كنا نشهد منعًا تامًا للتجوال، إذ كان سير المركبات في الشوارع ممنوعًا. لكن البطريركية الكلدانية المتمثلة بشخص غبطة أبينا البطريرك، والمعاونَين البطريركيين: سيادة المطران مار باسيلوس يلدو (المنسق العام للزيارة)، وسيادة المطران مار روبرت سعيد جرجيس (منسق الاحتفالات الليتورجية)، وبالتنسيق مع قيادة عمليات بغداد، اِستصدرت بطاقة (باج) استثناء من منع التجوال لكل من يشارك في التحضيرات، وأنا منهم.

إذ تم ترشيحي من قِبل سيادة المطران مار روبرت سعيد جرجيس، للمشاركة في خدمة  القداس الذي سيحتفل به البابا، مع ثلاثةُ شمامسةٍ من كنائس بغداد المختلفة، حيث كان دوري هو حمل كتاب القداس للبابا.

لم تكن الفرحة بزيارة البابا للعراق تقتصر على المسيحيين فقط، وإنما شملت كل العراقيين. حيث تم تعليق صور وشعارات زيارة البابا فرنسيس في شوارع العاصمة والمدن الأخرى. ولمس العراقيون أهمية الزيارة بما شهدته بغداد والمدن الأخرى التي تشملها الزيارة، من إعمارٍ، نوعًا ما، كتبليط الشوارع وتنظيفها، زرع الأشجار وغيرها من الخدمات الأخرى.

المزيد

اِستمرت تدريباتنا أسبوعًا كاملاً مع سيادة المطران جرجيس، في كاتدرائية مار يوسف الكلدانية (خربندة) منطقة الكرادة. على الرغم من التعب الذي كنا نشعر بهِ، لكننا كنا مستمتعين ومتشوقين جداً لهذا الحدث الكبير، البابا في بغداد!

سكني كان في منطقة المنصور البعيدة عن منطقة الكرادة، وكنت أذهب مع خوري رعية كنيستي (اِنتقال مريم العذراء)/ المنصور، الأب مدين شامل خضر، حيث كان مسؤول خدمة قداس البابا.

كانت تدريباتنا تبدأ في الخامسة مساءً حتى الثانية عشرة ليلاً، كنا نعاني خلال الرجوع الى بيوتنا من سؤال سيطرات الجيش والشرطة عن سبب خروجنا، خاصة مع تطبيق منع التجوال من الساعة الثامنة مساءً إلى السادسة من صباح اليوم التالي. فكان إبراز بطاقة (باج) التخويل للجنة التحضيرية للزيارة كافيًا ليرحبوا بنا أجمل ترحيب.

مع قدوم اليوم المنتظر، مساء يوم السبت 6 آذار، كنا نكثف استعداداتنا حيث قُمنا عند الساعة الثالثة ظهراً، بتدريبات نهائية مكثفة مع سيادة المطران روبرت سعيد والمونسنيور كَويدو ماريني (المسؤول عن المراسم الليتورجية للبابا)، على القداس. 

(تستمر القصة أدناه)

عند الساعة الخامسة عصراً كنا على أُهبة الاستعداد، واقفين خارج الكنيسة، قلوبنا تخفق منتظرين استقبال البابا، حتى أتت اللحظة الحاسمة عندما وصل موكب البابا إلى الكنيسة، بصحبة الكرادلة والأساقفة، وكان المؤمنون خارج الكنيسة يصفقون ويهللّون وينشدون أناشيد الفرح بقدومهِ، متهافتين على التقاط الصور التذكارية معهُ. 

حينما وصل قداسته إلينا، قام بمصافحة كل الشمامسة والمشاركين في خدمة القداس، ويالفرحي، كنتُ أنا من ضمنهم!
قداس البابا في بغداد. ACI MENA
قداس البابا في بغداد. ACI MENA

ثم إرتدى الملابس الطقسية الكلدانية المشرقية، متهيئًا للاحتفال بالقداس، دخلنا صحن الكنيسة بطواف (زُوياح)، واحتفلنا بالقداس الإلهي، تصحبهُ تراتيل مشرقية أنشدها جوق فريق كوخي البطريركي، مع عازفين محترفين من أعضاء الفرقة السيمفونية العراقية ومن بينهم عازفون مسلمون، بقيادة الأب أمير گمو راعي كنيسة القلب الأقدس في بغداد. 

كان شعوري رائعًا ولا يوصف، هاءنذا أقف أمام البابا حاملًا كتاب القداس، أنا على مقربة منه، يا لها من بركة! اِحتفل البابا فرنسيس بالقداس حسب الطقس الكلداني، لتكون المرة الأولى التي يحتفل فيها الحبر الأعظم بقداس بغير الطقس اللاتيني.
نجيب قداس البابا في بغداد. ACI MENA
نجيب قداس البابا في بغداد. ACI MENA

حضر القداس جمهور غفير من المؤمنين من مختلف الطوائف، فضلًا عن السادة المسؤولين من أعلى المستويات في الدولة العراقية.

بعد الموعظة التي ألقاها البابا تُليت الطلبات بعدة لغات منها (العربية، السورث، الكردية، التركمانية والإنكليزية)، لتعبر عن الاعتزاز بالتنوع واحترام كافة المكونات.

وفي نهاية القداس الإلهي، ألقى غبطة أبينا البطريرك كلمةً شكر خلالها قداسة البابا على زيارتهِ، كما قدم له هدية تذكارية وهي صليب مشرقي يحمل ذخيرةً من تراب كنيسة كوخي (من القرن الأول)، وذخيرة للأخت سيسل من راهبات قلب يسوع الأقدس (التي أستشهدت عام 2002). وهذا الصليب المشرقي كان من صنع الشماس الإنجيلي بسام صبري.
نجيب قداس البابا في بغداد. ACI MENA
نجيب قداس البابا في بغداد. ACI MENA

في الختام، أشكر ربنا يسوع المسيح على هذه النعمة، إذ شاء بتدبيره الإلهي أن ألتقي بخليفة بطرس والحبر الروماني الأعظم وأكون على هذه الدرجة من القرب منه. لقد كان شعوري لا يوصف في هذه اللحظات عندما كنتُ أشاهد البابا بأم عيني، حيث كان يشع بالحكمة والهدوء والمحبة والتواضع، والابتسامة لم تفارق شفتيه بالرغم من التعب الشديد من عناء السفر وزياراتهِ وتنقلاته الكثيرة في العراق، وهو رجل كبير في السن.  أطلب من الرب أن يحفظهُ ويرعاهُ، ويحفظ كل قادة ورؤساء كنائسنا.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته