في الطريق إلى بيت لحم

ولادة يسوع المسيح في بيت لحم ولادة يسوع المسيح في بيت لحم | Provided by: Toberoon via Pixabay

نقرأ في إنجيل لوقا ما يلي: «في تلك الأيّام، صدر أمر عن القيصر أوغسطس بإحصاء جميع أهل المعمورة. وجرى هذا الإحصاء الأوّل لمّا كان قيرينيوس حاكم سوريا، فذهب جميع الناس ليكتتب كلّ واحدٍ في مدينته. وصعد يوسف أيضًا من الجليل، من مدينة الناصرة إلى اليهوديّة، إلى مدينة داوود التي يُقال لها بيت لحم، فقد كان من بيت داوود وعشيرته ليكتتب هو ومريم خطيبته وكانت حاملًا (لوقا 2: 1-5).

لقد دفع كبرياء القيصر الناس إلى تكبّد عناء التنقّل من أمكنة بعيدة إلى مسقط رأسهم الأساسي.

ترك يوسف ومريم الناصرة باتّجاه بيت لحم...

الناصرة، في الشمال، بلدة فقيرة، سكنها يوسف النجّار «الفقير» الذي اختار مريم «الفقيرة» شريكةً لحياته المتواضعة ليؤسّس عائلةً اختارها الله لابنه الوحيد الذي «امْتُحِنَ في كلّ شيء مثلنا ما عدا الخطيئة» (عبرانيين 4: 14) أي اختبر الإنسانيّة بكلّ جوانبها ما عدا الخطيئة لأنّها لم تدخل في أساس تكويننا لكوننا خُلقنا على صورة الله ومثاله.

من الناصرة الفقيرة التي قيل فيها: «أَمِنَ الناصرة يمكن أن يخرج أمرٌ صالح؟» (يوحنا 1: 46)، انطلقت العائلة نحو بيت لحم لتخوض مغامرةً لمسافة 160 كلم، علمًا بأنّ مريم، عند ولادة يوحنا، كانت في شهرها الثالث وعادت من عين كارم إلى الناصرة (حوالي 100 كلم).

الرحلة نحو بيت لحم تمّت سيرًا على الأقدام أو في أفضل الأحوال على دابّة نظرًا إلى وضع مريم الحامل، واحتاجت أقلّه إلى خمسة أيّامٍ تقريبًا.

لنتأمّل في مشقّات هذه الرحلة التي اقتضتها ظروفٌ بشريّة (الإحصاء) لكنّها استجدّت لغايةٍ إلهيّة، وهي ولادة «المخلّص، ابن داوود» في بيت لحم، مسقط رأس الملك، مُجسّد صورة الملك المثالي الذي سيأتي المخلّص على صورته بنظر الشعب اليهودي آنذاك، على الرغم من ضعفه وخطاياه...

إنّ السياق العام للأناجيل لا ينقل إلينا معلوماتٍ عن هذا المسار، لكن السياق التاريخي يبيّن لنا صعوبة الدرب ومخاطر الطريق على مستوى الأمن والإقامة والصحّة، بالنظر إلى وضع مريم!

في أيّامنا، تتجنّب المرأة الحامل عبور المسافات، ولا سيّما في شهرها الأخير، بينما مريم أُجبرت بسبب الإحصاء على أن تقوم بما يجب تجنّبه طبّيًا، أي أنّ قسوة الإنسان (القيصر) وغروره أجبر «أمّ الله» مريم و«حارس الفادي» يوسف على القيام بما لا يتوافق مع وضعهما، لكن حكمة الله حوّلت القسوة إلى تأكيدٍ لهويّة يسوع، إنسانيًّا وبشريًّا.

أحيانًا، في الحياة، تواجهنا ظروفٌ قاسية وظالمة، لا نريدها ولا نفهمها، لكن انفتاحنا على إرادة الله يحوّلها إلى سببٍ للخير، إن اقتنعنا أنّ الله هو قوّتنا ويؤتينا «مع التجربة وسيلة الخروج منها بالقدرة على تحمّلها» (1 قورنتوس: 10: 13) من دون أن يعني ذلك أنّه يجرّبنا إذ «إنّ الله لا يجربّهُ الشرُّ ولا يجرِّبُ أحدًا به» (يعقوب 1: 13).

تدعونا مسيرة العائلة المقدّسة من الناصرة إلى بيت لحم لتجديد رجائنا بالله لأنّه وحده القادر على منحنا القوّة للتغلّب على كلّ الصعاب.

بهذا المعنى نفهم ما قاله مار يعقوب: «انظروا يا إخوتي إلى ما يصيبكم من مختلف المحن نظركم إلى دواعي الفرح الخالص» (يعقوب 1: 2)، وما أوضحه مار بولس: «إنّنا نعلم أنّ كلّ الأشياء تعمل معًا لخير الذين يحبّون الله، أولئك الذين دعوا بسابق تدبيره» (روما 8: 28).

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته