نمهّد الطريق للربّ

لوحات تجسّد حياة يوحنا المعمدان لوحات تجسّد حياة يوحنا المعمدان من الولادة حتى الاستشهاد | Provided by: DEZALB via Pixabay

حين نتأمّل في حدث ولادة يوحنا المعمدان، نجد مواقفَ عدّة تخرق رتابة الأحداث اليوميّة في حياة من عاصروها بما حملت من عناصر مفاجئة كسرت التقاليد المعتادة، وجعلت من هذا الحدث مقدّمةً لمسيرة حياةٍ استثنائيّة بكل أبعادها، وتتلخّص في كلمتَيْن: يوحنا المعمدان.

في عظة منسوبة إلى القديس غريغوريوس العجائبي (نحو 213-270) عن عيد الظهور الإلهي (الدنح)، نجد نصًّا تأمّليًّا يتوجّه يوحنا المعمدان عبره إلى الربّ يسوع قائلًا: «عِنْدَما وُلدْتُ، شَفَيتَ عُقمَ تِلكَ التي أَنْجَبَتْني؛ وعِنْدَما كُنْتُ مَولودًا جديدًا، شَفيتَ بُكْمَ والِدي مِن خِلالِ تَلَقّي نِعمَةَ هذِه المُعْجِزَةِ مِنكَ».

العقم هو عجز الجسد عن إنتاج الحياة، والبكم هو عجز الجسد عن إنتاج الكلام... وكلاهما شُفيا بولادة يوحنا حين أعاد الرجاء بالحياة إلى البشريّة، فيوحنا هو الذي سيدعو الناس إلى التوبة، أي إلى تجديد الحياة بالله عبر العودة إلى الله الذي، في يسوع، أضحى كلمةً متجسّدة في تاريخ البشر بعدما عجز كلام الأنبياء والمرسلين عن التأثير بالناس كي يعودوا إلى الله!

في ولادة ابنه، تكلّم زكريّا فنطق باسم يوحنا ومعناه «الله تحنّن» وهو ما سينبئ بتحنّن الله على البشريّة من خلال تجسّد ابنه الوحيد الذي سيفدي العالم!

أوّل كلام زكريّا أتى للتعبير عن مشيئة الله، بعكس كلامه المرتبط بالشكّ الناتج عن عقم زوجته حين بشّره الملاك، ذلك العقم الرامز إلى عجز البشريّة وحدها (أي من دون الله) عن تحقيق الخلاص بينما أتت ولادتها لترمز إلى خصب البشريّة حين تتحقّق من خلالها إرادة الله!

لكن مشيئة الله لا تتحقّق دومًا وفق ما يريد الإنسان، بل تتحقّق بما يفوق توقّعه بكثير...

لقد انتظر زكريّا ولدًا يخلفه في حمل كهنوت العهد القديم (الذي ثَبُتَ عقمه الروحي) بينما اختير يوحنا ليكون الممهّد لطريق الربّ بدورٍ أسمى جعله أعظم مواليد النساء بنظر الربّ يسوع (متى 11: 11).

في العظة نفسها المنسوبة إلى القديس غريغوريوس العجائبي (نحو 213-270) عن عيد الظهور الإلهي (الدنح)، يقدّم النصّ مقارنةً مع الربّ يسوع بلسان يوحنا المعمدان: «أَمَّا أَنتَ، فَقَد وُلِدْتَ مِنَ العَذراءِ مريمَ بالطريقَةِ التي أَرَدْتَها والتي تَعْرِفُها وَحدَكَ، ولَمْ تُجَرِّدْها مِن عُذْريِّتِها، بل حَمَيْتَها بِمَنْحِها لَقَبَ أُمّ؛ عُذْريِّتُها لَم تَمنَع ولادَتَكَ، كما أَنَّ ولادَتَكَ لَمْ تُجَرِّدْها مِن عُذْريَّتِها. هاتان الحَقيقَتانِ المُتعارِضَتان، الوِلادَةُ والعُذْرِيَّة، التَقَتا في تَناغُمٍ فَريدٍ مِن نوعِه، وهذا أَمرٌ في مُتَناوَلِ خالِقِ الطبيعَة. أَنا الإِنسان، لا أَقومُ سوى بالمُشارَكَةِ بالنِعمَةِ الإِلهِيَّة. أَمَّا أَنتَ، فإِنَّكَ إِلهٌ وإِنسانٌ في آنٍ مَعًا لأَنَّكَ بِطَبيعَتِكَ صديقُ البَشَر» (حكمة 1: 6).

إنّ شجاعة يوحنا المعمدان وسموّ دوره ترافقا مع تواضعه، وهو ما يفتقده الكثير من قادة هذا الزمن الذين كانوا ليغيّروا العالم لو أدركوا حجمهم الحقيقي عبر تبنّي قول المعمدان في الربّ يسوع: «أنا أعمّد بالماء، وبينكم من لا تعرفونه، ذاك الآتي بعدي، من لستُ أهلًا لأن أفكّ رباط حذائه» (يوحنا 1: 26-27).

حين نتواضع، على مثال يوحنا، نتمكّن من تحقيق دورنا كممهّدين لدخول الربّ إلى حياة من لم يتعرّفوا بعد إليه، فيولد في حياتهم من جديد، وفق ما أوضح البابا فرنسيس في عظة الأحد الثاني من زمن المجيء في 9 ديسمبر/كانون الأوّل 2018 حين قال: «يقدّم لنا الإنجيل صورة يوحنا المعمدان كمرشد لمسيرة الانتظار. ولكي نُعِدَّ طريق الربّ، من الأهمّية أن نأخذ متطلّبات الدعوة التي يدعونا إليها المعمدان. أوّلًا، نحن مدعوّون لكي نصلح الأسى الذي سبّبه الفتور واللامبالاة من خلال الانفتاح على الآخرين. من ثمّ، ينبغي أن نخفض القساوة التي يسبّبها الغرور والكبرياء من خلال القيام بأعمال مصالحة ملموسة مع إخوتنا وطلب السماح على ذنوبنا».

علّمنا يا ربّ أن نتواضع، فنمهّد السبيل للربّ، على مثال يوحنا المعمدان. آمين!

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته