الراعي: رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة ليس حاجبها بل حاكمها!

الراعي يترأس الذبيحة الإلهيّة اليوم في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي الراعي يترأس الذبيحة الإلهيّة اليوم في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي | Provided by: Maronite Catholic Patriarchate of Antioch

شدّد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، في القداس الإلهي الذي ترأسه اليوم في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي إثر عودته من البحرين، على أهمية دور رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة، موضحًا: ليس رئيس الجمهوريّة لزوم ما لا يلزم، وليس حاجبها بل حاكمها والمشرف على انتظام عمل مؤسّساتها.

وجدّد دعوته إلى النوّاب لانتخاب رئيس جديد من أجل استمرار صيغة الشراكة الوطنيّة ولعب لبنان دوره التاريخي والمستقبلي.

وجاء في عظة الراعي ما يلي:

«أنت المسيح ابن الله الحي» (متى 16: 16).

1.عندما سأل يسوع تلاميذه: وأنتم، من تقولون أني أنا، ابن الإنسان (الآية 15)، أجاب سمعان-بطرس وقال: أنت المسيح ابن الله الحي! فامتدحه يسوع على إيمانه الذي قبله هبة من الله، حفظها في قلبه وتفاعل معها وعاشها. إن الإيمان والرجاء والمحبّة هبة مثلّثة، مترابطة ومتكاملة. وهي هبة مجانيّة يطلب الله منا أن نقبلها ونعيشها. فمن يؤمن يترجّى، ومن يترجّى يحبّ على ما يقول القديس أغسطينوس. بفضل إيمان سمعان بن يونا الراجي والمحبّ اكتشف الجواب الصواب المختلف عن كل أجوبة الناس، فسمّاه يسوع صخرة أي Petros باليونانيّة، وكيفا بالآراميّة، يبني عليها كنيسته. هذه الكنيسة تنمو وتصمد على صخرة إيمان أبنائها وبناتها.

2.يسعدنا أن نحتفل معًا بأحد تقديس البيعة وتجديدها، وببدء السنة الطقسيّة. فيها تدور الكنيسة حول محورها سرّ يسوع المسيح في سنة كاملة مقسّمة إلى أزمنة، فتستنير بنوره، وتتقدّس بنعمه وتغتذي على مائدتَيْه: مائدة كلامه الحيّ، ومائدة جسده ودمه.

3.إن كنيسة المسيح المبنيّة على أساس الإيمان هي في مثابة الصخرة التي تُبنى عليها بيوتنا لكي تصمد بوجه الأمطار والعواصف والفيضانات. إيمان سمعان بن يونا هو هذه الصخرة الروحيّة التي بنى الربّ يسوع عليها كنيسته. وإنها لتثبت إلى الأبد بقوّة إيمان أبنائها وبناتها الذي ينقله إليهم بالكرازة والتعليم أساقفتها وكهنتها، وعلى رأسهم الحبر الأعظم خليفة القديس بطرس على كرسي روما، والبطاركة رؤساء الكنائس التي أسّسها الرسل في عهدهم، وهي أورشليم والإسكندريّة وأنطاكية والقسطنطينيّة.

4.إعلان سمعان-بطرس الإيماني: أنت المسيح ابن الله الحي (متى 16: 16) يتضمّن كل المفاهيم الكتابيّة في العهد القديم مع البعد اللاهوتي. أنت المسيح أي الذي اختاره الله، ومسحه بروحه القدّوس وأرسله: نبيًّا بامتياز لأنه يعلم كلمة الله، وهو الكلمة إيّاها. وكاهنًا بامتياز لأنه هو الذبيحة ومقرّبها. وملكًا بامتياز لأنه هو الملك والملكوت الذي يدخل إليه كل المؤمنين الملتزمين بتعليمه والمنفتحين على نعمته. وأنت ابن الله هذا الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس الذي تجسّد من مريم العذراء بقوّة الروح القدس وصار إنسانًا، ومات على الصليب لفداء خطايا البشر، وقام من الموت ليبثّ الحياة الجديدة في حياة البشر.

أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء،

5.عدتُ بالأمس إلى لبنان بعدما شاركت في ملتقى البحرين للحوار الذي عُقِدَ برعاية الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين، بدعوة رسميّة من رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلاميّة. وكان الموضوع: الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني. وطلب إليَّ الكلام عن الموضوع بالتركيز على اختبارات الحوار في لبنان. وكانت مناسبة للقاء الملك والبابا فرنسيس الذي لبّى دعوة الملك لاختتام أعمال المؤتمر، وعقد لقاء مع العلماء المسلمين، وقد ترأس من بعدها صلاة مسكونيّة في كاتدرائيّة سيّدة العرب. واحتفل صباح أمس بقداس احتفالي في مدرج المدينة، واليوم يتابع نشاطه بلقاء الشبيبة والإكليروس، إنا نرافقه بصلاتنا كي يحقّق الله أمنياته ويعطيه الصحّة الكاملة لمواصلة رسالته.

عندما التقيت الملك، أبدى تضامنه مع لبنان، وأسف للأوضاع التي تسوده حاليًّا ولعدم انتخاب رئيس للجمهورية. وقال: لن أترك لبنان. وسمعت بتأثر كبير من الكثيرين من أهل البحرين: نحن تعلّمنا من لبنان كل شي، تعلّمنا الفنّ، الموسيقى، العلم والحياة الجميلة، نحن ندمع لوضع لبنان اليوم. وعندما كنا في اللقاء مع العلماء المسلمين، قال لي أحدهم: كل الذي تراه هنا كان ينبغي أن يكون في لبنان لأن لبنان هو بلد حوار كل الأديان والحضارات.

وأعربت للملك البحريني عن تقديري على توفير حرّية العبادة وممارسة الشعائر الدينيّة، وبخاصّة للمسيحيين في كنائسهم، حيث يعيش المسيحيّون جنبًا إلى جنب إخوانهم أبناء البحرين، ويتعاونون في بناء تلك المملكة وازدهارها. وشكرته على العقار الذي بُنيت عليه كنيسة سيّدة العرب، وهي أكبر كاتدرائيّة كاثوليكيّة في بلدان الخليج وأجملها، وقد افتُتحت في نهاية العام 2021.

إننا نتطلّع إلى أن يتقدّم الحوار بين المسيحيين والمسلمين ويُتَرْجَم شراكة في الإنسانيّة والوطنيّة، خصوصًا على أرض لبنان، أرض «الشركة والمحبّة». لقد صارت الشعوب مقتنعة بضرورة الخروج من شرانقها والانفتاح على بعضها البعض لكي تتعايش بتبادل الثقة والاحترام والتعاون.

6.هذا ما نرجوه أيضًا وأيضًا للبنان، وطننا الحبيب، والباب هو انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، حفاظًا على الكيان، بوجه الذين يبحثون عن كيانات أخرى سياسيّة وحزبيّة ومذهبيّة وشخصيّة لهم لا للبنان. فليكن واضحًا أن لا أولويّة على أولويّة انتخاب رئيس الجمهوريّة. وليدرك ذلك المسؤولون وكل دولة تعتبر نفسها صديقة لبنان. فلبنان ليس شركة تجاريّة يعاد تعويمها، بل هو وطن يعاد بناؤه وطنيًّا على أساس الإيمان والولاء. نقول ذلك لأن البعض يعتقد أن مع تأخر انتخاب الرئيس يمكن القيام بمشاريع، وكأن انتخاب الرئيس أصبح أمرًا ثانويًّا. مع غياب رئيس الجمهوريّة، وهو المعنيّ بعلاقات لبنان الخارجيّة والمعاهدات، يتعذّر الاتفاق مع صندوق النقد الدولي أو أن تُنَفَّذ إصلاحات وتُتَّخَذ إجراءات على صعيد القضاء والإدارة وتقرير المصير، أو أن يحصل تشريع خارج الضرورات القصوى، أو أن تؤلف حكومة. ما قيمة كل هذه المقترحات في غياب رئيس جديد للجمهوريّة؟ لا، لا، ليس رئيس الجمهوريّة لزوم ما لا يلزم، وليس حاجب الجمهوريّة، بل هو حاكم الجمهوريّة والمشرف على انتظام عمل مؤسّساتها.

7.فيا أيّها النوّاب والكتل النيابيّة،

تريدون لبنان كيانًا واحدًا؟ انتخبوا رئيسًا للجمهوريّة. تريدون دولة لبنان الحديث؟ انتخبوا رئيسًا للجمهوريّة. تريدون استمرار صيغة الشراكة الوطنيّة؟ انتخبوا رئيسًا للجمهوريّة. تريدون أن يلعب لبنان دوره التاريخي والمستقبلي؟ انتخبوا رئيسًا للجمهوريّة. وأنتم أيّها المسؤولون عن حصول الشغور الرئاسي، والمسؤولون اليوم عن انتخاب رئيس جديد، فلِمَ تتأخّرون وتسوّفون وتتهرّبون وتعطّلون؟ ولِمَ تحجمون وتتريّثون وتتقاعسون؟ ربما لا تملكون حرّية القرار، فما قيمة نيابتكم؟ وإذا كنتم أحرارًا في قراراتكم، فجريمة ألا تفرجوا عن قراركم الحرّ، وتنتخبوا رئيسًا جديدًا حرًّا. ثمّ ما قيمة تمثيلكم للشعب إذا لم يكن على رأس الجمهوريّة رئيس؟

أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء،

المزيد

8.في ظلمة هذا الليل القاتم من حياتنا اللبنانيّة، يبقى نور الرجاء بانبثاق فجر جديد أقوى. وإنا نستمدّه من إيماننا بقدرة الله ونعمته، فهو على كل شيء قدير، له المجد والتسبيح الآن وإلى الأبد، آمين.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته