«البابا فرنسيس لا يريد تغيير الليتورجيا»... خبير لاهوتي يشرح مواقف الأب الأقدس

البابا فرنسيس في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 البابا فرنسيس في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 | Provided by: Daniel Ibáñez - CNA

الأب الدكتور فرانشيسكو شالبي لاهوتي إيطاليّ من الإخوة الأصاغر الديريّين مختصّ في الليتورجيا وأستاذ محاضر فيها. مع بروز مواقف وإرادات رسوليّة عدّة ترتبط بليتورجيا الطقس اللاتيني في السنتَيْن الأخيرتَيْن، سألنا الأب شالبي عن سبب هذه الإرادات والمواقف ومعانيها.

السياق العامّ

في 29 يونيو/حزيران الفائت، أصدر البابا فرنسيس إرادة رسوليّة، تحمل عنوان «رغبتُ رغبةً»، يتوجّه فيها إلى المؤمنين حول التنشئة الليتورجيّة. في الشهر عينه، طلب الحبر الأعظم أيضًا من أساقفة جزيرة صقلية الإيطاليّة، على سبيل المثال، عدم التمسّك بالألبسة الليتورجيّة القديمة.

وكان البابا فرنسيس قد أصدر إرادة تحمل عنوان «حرّاس التقليد» يحدّ فيها إمكانيّة الاحتفال بالليتورجيا بحسب الطقس اللاتيني القديم في 16 يوليو/تمّوز 2021. وأتت إرادة «حرّاس التقليد» هذه بعد 14 عامًا على صدور إرادة رسوليّة، بعهد البابا بندكتس السادس عشر، تحت عنوان «الأحبار العظام» سمح هذا الأخير فيها بإعادة استخدام الطقس اللاتيني القديم المدعوّ بالاستثنائي، السابق للمجمع الفاتيكاني الثاني.   

بندكتس السادس عشر و«الأحبار العظام»   

شرح الأب شالبي أنّه بعد المجمع الفاتيكاني الثاني، أتى البابا بولس السادس بإصلاح ليتورجيّ بدأت الكنيسة على إثره تحتفل بالطقس اللاتيني الحالي باللغات المحليّة، متخلّية عن الطقس القديم المدعوّ بطقس يوحنّا الثالث والعشرين والذي كان يُحتفل فيه باللغة اللاتينيّة لغته الوحيدة. يومها رفضت مجموعة من اللاتين هذا الإصلاح متمسّكة بالطقس القديم لكن الباباوَيْن بولس السّادس ويوحنّا بولس الثاني أصرّا على الإصلاح رافضين السماح بالعودة إلى الطقس القديم.

في العام 2007، أصدر البابا بندكتس السادس عشر إرادة رسوليّة تحمل عنوان «الأحبار العظام»، معها عاد ممكنًا للّاتين أن يحتفلوا بالطقس اللاتيني بحسب النصوص القديمة المدعوّة بالاستثنائيّة. وقد أراد بندكتس عبرها إعادة نسج الشراكة مع الذين ابتعدوا عن الكنيسة بعد المجمع.  

فرنسيس يريد تدعيم الشركة الكنسيّة

تابع الدكتور شالبي مفسّرًا أنّه مع إرادة «حرّاس التقليد»، الصادرة العام الفائت، والتي تحدّ من مفاعيل «الأحبار العظام»، هدف البابا فرنسيس إلى تقوية ما ضاع من الوحدة الكنسيّة، واضعًا شعب الله من جديد في خطّ بولس السادس ويوحنّا بولس الثاني. فخلال الأعوام الثلاثة عشر من مفاعيل «الأحبار العظام»، تكودرت مجموعات كنسيّة تحتفل بالطقس الاستثنائي، رافضةً إصلاح المجمع الفاتيكاني الثاني ككلّ وليس فقط الإصلاح الليتورجي الناجم عنه، لذا كان على البابا الحالي الحدّ من هذه الظاهرة التي تشكلّ خطرًا على وحدة الكنيسة.

البابا الحالي يريد تنشئة ليتورجيّة للجميع

أمّا عبر إرادة «رغبتُ رغبةً»، فقال الخبير الليتورجي شالبي إنّ فرنسيس يحاول التكلّم عن التنشئة الليتورجيّة إلى كلّ شعب الله، بدءًا من المحتفلين وصولًا إلى المؤمنين. ومعنى هذه الإرادة هي التنشئة الليتورجيّة الجدّية والحيويّة التي تُدخل الإنسان بكليّته في هذا المنطق وليس عقله فقط. والدستور في الليتورجيا الصادر عن الفاتيكاني الثاني تحت عنوان «المجمع المقدّس» يشرح أنّ لا مشاركة كاملة وفاعلة وواعية للمؤمنين في الاحتفالات الليتورجيّة إن لم تكن هناك تنشئة جدّية وواعية عليها. فيجب حمل المؤمنين لاكتشاف ماهيّتها والمشاركة في هذه الاحتفالات هو بحدّ ذاته تنشئة لهم أيضًا، كما صرّح شالبي.

الليتورجيا دواء لسمّ الدنيويّة الروحيّة

وأردف الدكتور شالبي: «إنّ رومانو غوارديني لاهوتي غربي فصّل بشكل جدّي الليتورجيا والتنشئة الليتورجيّة. والبابا فرنسيس يقتبس من غوراديني في "رغبتُ رغبةً" للتكلّم عن تنشئة جدّية على الليتورجيا، فيلفت الحبر الأعظم الحاليّ الأنظار إلى كون الإنسان المعاصر قد خسر الحسّ بالبُعد الرمزيّ».

الأب الأقدس الحاليّ، بحسب شالبي، يشدّد على ضرورة عدم التوقّف عند الرمزيّة بل الذهاب إلى سرّ الله الذي تدلّ الرموز عليه لأنّ كلمات من يرأس الاحتفال الليتورجي وحركاته تدلّ على القائم من الموت. فالبابا يقول في «رغبتُ رغبةً» إنّ الليتورجيا يمكن أن تصبح دواءً لسمّ الدنيويّة الروحيّة التي لا تضع الله محورًا لها بل الإنسان. فـالدنيويّة الروحيّة، بحسب اللاهوتي هنري دو لوباك، تستخدم الله لتضع ذاتها في المحور، كما وصف شالبي. والبابا يشرح في الإرشاد الرسولي «فرح الإنجيل» أنّ الدنيويّة الروحيّة تتغذّى من هرطقتيّ الغنوصيّة والبلاجيّة. الليتورجيا إذًا تهاجم هاتَيْن الهرطقتَيْن، وبالتالي تصير دواءً للدنيويّة الروحيّة.

البابا لا يريد تغيير الليتورجيا

وأكّد شالبي أنّ: «البابا لا يريد تغيير الليتورجيا لأنّ التغيير قد سبق وحصل في الإصلاح الذي أتى به المجمع الفاتيكاني الثاني». فما يريد فرنسيس فعله هو التأكيد أنّ الشكل الوحيد للطقس اللاتيني هو ما أعطانا إيّاه في الكتب الليتورجيّة بولس السادس ويوحنّا بولس الثاني. واللاهوتي الضليع أندريا غريلّو يتكلّم، بحسب الدكتور شالبي، عن ثلاث مراحل للحركة الليتورجيّة: الأولى هي الكلاسيكيّة، السابقة للمجمع الفاتيكاني الثاني، والثانية هي التي أدّت إلى إصلاح النصوص الليتورجيّة بناءً على المجمع، والثالثة هي التنشئة التي يسعى البابا فرنسيس إلى القيام بها عبر «رغبتٌ رغبة».

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته