الراعي في عيد الانتقال: العظائم التي حقّقها الله في مريم العذراء جعلت منها صورة الكنيسة

الراعي يترأس القداس الإلهي في عيد الانتقال الراعي يترأس القداس الإلهي في عيد الانتقال | Provided by: Maronite Catholic Patriarchate of Antioch

لمناسبة عيد انتقال مريم العذراء إلى السماء، تناول البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، في القداس الإلهي الذي ترأسه في الديمان، العظائم التي حقّقها الله في مريم العذراء وجعلتها صورة الكنيسة، شارحًا أنها تعود إلى اختيار الله لها في سرّ تدبيره الخلاصيّ لتكون أمّ ابنه، وبتوليّة مريم العذراء، وأمومتها الإلهيّة، وأمومتها الروحيّة للبشر، ومشاركة مريم في آلام الفداء.

وجاء في عظة الراعي ما يلي:

«تعظّم نفسي الربّ لأنّ القدير صنع بي عظائم» (لو 1: 46 و49).

1.هذا النشيد أطلقته مريم العذراء، في بيت أليصابات، حالًا بعد بشارة الملاك جبرائيل لها (راجع لو 1: 38-39). وقد أصبح صلاة الكنيسة وكلّ مؤمن ومؤمنة. إنّه نشيد نبويّ قالته مريم بوحي من الروح القدس الذي كان يملأها. وراحت الكنيسة، بالاستناد إلى كتابات آبائها القديسين والدراسات اللاهوتيّة والتقليد المتكامل، تستخرج عظائم الله في مريم، وتعلنها عقائد إيمانيّة في مجامعها المسكونيّة. فها نحن اليوم في عيد انتقالها بالنفس والجسد إلى المجد السماوي، «نعظّم معها الله القدير الذي صنع فيها العظائم» (راجع لو 1: 46 و49).

2.هذا العيد الذي نحتفل به معكم ومع كلّ الشعب المسيحي في العالم هو أعظم أعياد السيّدة العذراء. فأهنّئكم به جميعًا ملتمسين من أمّنا السماويّة مريم أن تقود سفينة حياتنا وعائلاتنا ووطننا وكنيستنا، عبر البحر الهائج بأمواجه ورياحه، بأزماته ومفاعيلها السياسيّة والاقتصاديّة والماليّة والأمنيّة إلى ميناء الأمان. إني أحيّيكم جميعًا مع تحيّة خاصّة لأنسبائي من بيت عمّنا، وقد ودّعنا معهم بالأسى الشديد والصلاة صهرنا المرحوم طوني أبو رجيلي، ودّعناه مع والدته وزوجته عزيزتنا كارلا، وابنته وابنه وشقيقيه وأعمامه وعائلاتهم وبيت حميّه وسائر أنسبائه الأحبّاء. نصلّي في هذه الذبيحة المقدّسة لراحة نفسه وعزاء أسرته.

وكم آلمتنا حادثة الحريق في كنيسة القدّيس أبو سيفين في منطقة الجيزة في القاهرة، وقد أدّى إلى وفاة أكثر من أربعين مؤمنًا ومؤمنة وعشرات الجرحى. فإنّا نعزّي من صميم القلب أخانا المحبوب البابا تواضروس والكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة الشقيقة وعائلات الضحايا، فنصلّي لراحة نفوسهم وشفاء الجرحى.

3.لقد تتوّجت عظائم الله في مريم أمّ يسوع، ابن الله المتجسّد، مخلّص العالم وفادي الإنسان، بانتقالها بالنفس والجسد إلى السماء، وبتكليلها من الثالوث القدّوس سلطانة السماوات والأرض. وهذه عقيدة إيمانيّة أعلنها المكرّم البابا بيّوس الثاني عشر في أوّل تشرين الثاني سنة 1950.

4.أما ما سبقها من عظائم كانت أساس انتقالها فهي:

أ-اختيار الله لها في سرّ تدبيره الخلاصيّ لتكون أمّ ابنه مخلّص العالم، فعصمها من دنس الخطيئة الأصليّة منذ اللحظة الأولى لتكوينها في حشا أمّها، وملأها نعمة مكّنتها من التجاوب مع تدبير الله بكلمة «نعم» ومن تكريس ذاتها له بطاعة الإيمان. إنّ عقيدة الحبل بلا دنس أعلنها البابا الطوباويّ بيّوس التاسع في 8 كانون الأوّل 1854. هذا يعني أنّ كلّ كائن بشريّ يتكوّن بالحبل في بطن أمّه، هو شخص بشريّ له فرادته، معروف من الله ومراد ومحبوب. لذلك، فإن التعدّي على الأجنّة كالتعدّي على أيّ إنسان مع الفرق أن هذا الجنين لا يستطيع الدفاع عن نفسه.

ب-بتوليّة مريم العذراء قبل ولادة ابنها وخلالها وبعدها. إنّها دائمة البتوليّة كما علّمت المجامع المسكونيّة (المجمع اللاتراني سنة 649، المجمع الفاتيكاني الثاني في الدستور العقائديّ في الكنيسة، 57). لقد كرّست مريم نفسها وجسدها لإرادة الله الخلاصيّة، ولشخص ابنها وسرّ الفداء كأمة للربّ (لو 1: 38). وحبلت بابنها، وهي عذراء بقدرة الروح القدس، كما أعلن المجمع اللاتراني سنة 649. وسبق أشعيا وتنبّأ قبل 500 سنة: «هوذا العذراء تحبل وتلد ابنًا يدعى عمانوئيل أيّ الله معنا» (أش 7: 14/متى 1: 23).

ج-أمومة مريم الإلهيّة. علّمت الكنيسة في مجمع أفسس المنعقد سنة 431 أنّ الذي حبلت به مريم كإنسان بقوّة الروح القدس، وأصبح حقًّا ابنها في الجسد، هو ابن الآب الأزليّ، الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس وبالتالي مريم هي حقًّا أمّ الإله ولأنّها أمّ يسوع فهي أمّنا نحن أيضًا الذين أصبحنا بموته وقيامته أعضاء جسده، وإخوته بالنعمة.

د-أمومة مريم الروحيّة للبشر. تسلّمت مريم أمومتها الروحيّة لجميع البشر بشخص يوحنّا من ابنها يسوع من على الصليب: «يا امرأة هذا ابنكِ. يا يوحنّا هذه أمّك» (يو 19: 26- 27)؛ إنّ يسوع ابن مريم جعله الله بكرًا لإخوة كثيرين (روم 8: 29)، وهم المؤمنون والمؤمنات الذين تعاون أمّ الإله بحبّ الأمّ في ولادتهم وتنشئتهم، كما يعلّم المجمع الفاتيكاني الثاني (الدستور العقائدي في الكنيسة، 63).

ه-مشاركة مريم في آلام الفداء الذي يحقّقه ابنها يسوع لخلاص البشريّة جمعاء. وهكذا في مخاض الآلام، وابنها معلّق على الصليب، تسلّمت أمومتها للبشر أجمعين. ولهذا السبب، مريم مكرّمة في جميع الأديان.

5.كلّ هذه العظائم التي حقّقها الله القدير في مريم، جعلت منها، وهي البتول والأمّ معًا، صورة الكنيسة. فالكنيسة بقبول كلمة الله بأمانة، هي أمّ. وتلد بالكرازة والمعموديّة أبناء وبنات لحياة جديدة غير مائتة. وهي بتول تحفظ، بشكل شامل ونقيّ، الإيمان الذي أعطته لعريسها، كما جاء في تعليم المجمع الفاتيكاني الثاني (الدستور العقائدي في الكنيسة، 63-64).

6.يعدّد بولس الرسول في رسالته لهذا العيد قواعد الحياة الجديدة التي هي من ثمار ولادة المؤمنين الروحيّة بالإيمان وعمل الروح القدس. وهي:

-المحبّة الصافية الأخويّة لجميع الناس، وإكرامهم، وملازمة الخير، وتجنّب الشرّ.

-الاجتهاد من دون تكاسل، والحرارة بالروح والعبادة لله.

المزيد

-الفرح في الرجاء، والثبات في الضيق، والمواظبة على الصلاة، والبركة لا اللعنة للمضطهدين.

-تلبية حاجات الإخوة واستضافة الغرباء.

-مشاركة الناس في أفراحهم وأحزانهم (روم 12: 9-15).

7.فليكن عيد الانتقال دعوة لكلّ إنسان كي يرتفع من أسر أهوائه ومصالحه الشخصيّة والفئويّة إلى قمم الروح لينظر نظرة مريم إلى معنى تاريخ البشر ويعمل على دمجه مع تاريخ الخلاص. ومعها نرفع نشيد التعظيم والتهليل للثالوث القدّوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته