نينوى, الثلاثاء 23 سبتمبر، 2025
كثيرًا ما تحيلنا أسفار العهد القديم بأحداثها وشخوصها وأماكنها إلى بلاد ما بين النهرين المعروفة اليوم بـ«العراق»، فتسمع بأور وبابل وألقوش حين تقرأ عن إبراهيم ودانيال وناحوم وسواهم من أنبياء العهد القديم، وستسمع عن نينوى أيضًا حين تقرأ سفر يونان.
في سفر يونان، يصف الربُّ نينوى بالمدينة العظيمة (يو 1:2) ويدعو نبيَّه لينطلق إليها ويحضّ أهلها على التوبة. في محافظة نينوى، شماليّ العراق، وعلى تلّة اسمها «التوبة» يقع اليوم جامع النبيّ يونس، وهو الاسم الإسلاميّ للنبيّ يونان. تعاقبت على الموقع تغييرات عدّة، فقبل تحويله إلى جامع في القرن العاشر، كان ديرًا عامرًا معروفًا باسم «دير يونان»، لكنّ باحثين يعتقدون أنّ يونان صاحب الدير ليس «النبيّ يونان أو يونس» بل هو راهب عاش في أواخر القرن الرابع للميلاد. ولفتت د. وسن محيميد إلى أنّ يهود الموصل اعتادوا زيارة الموقع في خلال أيّام عيد المظال السبعة، لأنّ التقاليد اليهوديّة تقول إنّ «النبيّ يونس توفّي في عيد المظال، لذلك عمل اليهود في هذا العيد مظلّة يجلسون تحتها».
بينما يسود اعتقاد خاطئ بأنّ الضريح الذي عُثِر عليه في الموقع نفسه يعود إلى النبيّ يونان، يؤكّد باحثون أنّه قبر البطريرك القدّيس حنانيشوع الأوّل المعروف بـ«حنانيشوع الأعرج» (685 – 700). واكتُشف جثمانه سليمًا في قبره في منتصف القرن الرابع عشر.
كيف صار الدير جامعًا؟
أورَدَ البطريرك الكلدانيّ لويس روفائيل ساكو في كتابه «سِيَر بطاركة كنيسة المشرق» بشأن حنانيشوع الأعرج، أنّ «قبره في دير مار يونان-جامع النبيّ يونس في الموصل». واستفاض لاحقًا بشأن الدير وتحويله إلى جامع، فقال إنّه «عندما غزا العرب نينوى التي كانت تسمّى (الحصن العبوري) في النصف الثاني من القرن السابع، بقيادة ربعي بن الأفكل العنزي، استولى عليها وجلب عدّة قبائل عربيّة مسلمة وأسكنها فيها، بينما كان جلّ سكّانها من المسيحيّين المشرقيّين، وحولوا دير مار يونان المبنيّ على تلّ التوبة بقرب أسوار نينوى إلى جامعٍ للمسلمين وسمّوه "جامع النبيّ يونس"».
كشَفَ تفجير تنظيم داعش الإرهابيّ هذا الموقع عام 2014، إبّان احتلاله الموصل، عن أطلال قصرٍ آشوريّ تعود إلى القرن السادس قبل الميلاد، بحسب آثاريّين من جامعة هايدلبرج الألمانيّة تولّوا التنقيب في الموقع بعد التحرير. وأشاروا إلى أنّ موقع القبر يقع مباشرةً فوق غرفة العرش، فضلًا عن اكتشاف كنوزٍ أثريّة نادرة، ضمنها نصوصٌ تذكر الملك أسرحدون.
وضجّت وكالات أنباء محلّية وعربيّة أخيرًا بنبأ «اكتشاف أكبر ثور مجنّح في تاريخ الدولة الآشوريّة» داخل القاعة الملكيّة لقصر الملك أسرحدون. ليتبيّن لاحقًا أنّ حجم الثور المُكتَشَف لا يختلف عن سابقيه، بيد أنّه يتميّز بطريقة تنفيذه الفنّي كونه منحوتًا من قطعٍ متعدّدة رُكِّبت مع بعضها بعضًا لتشكّل قطعة واحدة.
يُشار إلى أنّ عالمَي الآثار هنري لايارد وهرمزد رسّام هما أوّل من نبَّه، في خمسينيّات القرن التاسع عشر، إلى احتمال وجود قصرٍ آشوريّ تحت موقع الجامع، لكنّ قدسيّته حالت دون مواصلة البحث فيه.
جدير بالذكر أنّ اسم يونان هو الصيغة السريانيّة للاسم العبريّ «يونا» ومعناه الحمامة. وهو يونس بحسب التسمية الإسلاميّة ويُلقبّونه «ذو النون»، ومنه الاسم الشائع في مدينة الموصل «ذنّون»، وأصل «النون» «نونا» السريانيّة ومعناها السمكة، فيغدو ذو النون صاحب السمكة أو الحوت.
اشترك في نشرتنا الإخبارية
في وكالة آسي مينا الإخبارية (ACI MENA)، يلتزم فريقنا بإخبار الحقيقة بشجاعة ونزاهة وإخلاص لإيماننا المسيحي حيث نقدم أخبار الكنيسة والعالم من وجهة نظر تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. عند الإشتراك في النشرة الإخبارية لآسي مينا (الوكالة الكاثوليكية الإخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، سيتم إرسال رسالة يومية عبر البريد الإلكتروني تحتوي على روابط الأخبار التي تحتاجونها.
اشترك الآنرسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته