القديس نهرا... نور البصر وحبّ المسيح حتى الاستشهاد

صورة القديس نهرا القديس نهرا | Provided by: Sleiman Bou Chaaya

ترعرع الشهيد مار نهرا في عائلة مسيحيّة صالحة، غرست في قلبه حبّ الفضيلة والتقوى، والعمل على تحصين ذاته بالعلم والأدب. ولمّا فقد والدَيْه، كرهت نفسه أكاذيب الدنيا وأباطيلها، وتاقت إلى الحياة الإكليريكيّة والنسكيّة. باع كلّ ما يملك، ووزّعه على المساكين والفقراء، عاملًا بوصيّة يسوع المسيح، حين قال للشاب الغنيّ: «إن شئتَ أن تكون كاملًا، امضِ فبِعْ مقتناك وأعطه للمساكين، فيكون لك كنـز في السماء وتعال اتبعني» (متى 19: 21).

اجتهد في دراسة الكتب المقدّسة، واتخذ لنفسه حياة نسكيّة مفعمة بالفضائل الروحيّة، فهو لم يكن يأكل غير القليل من الخبز اليابس والأعشاب الخضراء، كما كان يحتمل البرد الشديد، ولم يكن يفتح فاه إلا لشرح الأسفار المقدّسة. لمّا رُسم كاهنًا في إنطاكية، راح يكدّ في سبيل تثقيف الناشئة، وفتح لها مدرسة على مثال أستاذه القدّيس مكاريوس. كان محبًّا لصنع الخير والتعاليم الروحيّة. صرف اهتمامه في تفاسير الكتاب المقدّس وعمل على ترجمته من العبريّة إلى اليونانيّة. وكان أشدّ رجال الدين غيرة على كلمة المسيح، وأكبر دعامة للديانة المسيحيّة في عصره. ومن ثمّ، عمل في مسيرته الإيمانيّة الشجاعة على تشديد عزيمة المسيحيين وتشجيعهم على الاحتمال وثباتهم في ديانتهم، فدُعي بحقّ نهرا أي النور لأنّه كان منارة بعلومه وفضائله ومثله.

ولمّا ذاع صيته، وصلت أخباره إلى الملك الوثنيّ مكسيميان الذي أمر بجلبه. وبينما كان في البرّية ينير بإرشاداته وتعاليمه ويرشد إلى طريق الخلاص، أرسل الملك جنودًا، فقبضوا عليه. وفي طريقه، رأى جنودًا من تلاميذه كانوا قد أنكروا الديانة المسيحيّة خوفًا من العذاب، لكنّهم عند رؤيتهم هذا القدّيس مقتادًا إلى السجن، عادوا واعترفوا علنًا بالدين المسيحيّ، فقتلوا منهم بعضًا واقتادوا البعض الآخر للسجن. وفي كل مراحل تعذيبه، كان يردّد باستمرار كلمة واحدة: «أنا مسيحي». لقد انتسب إلى الشهداء الذين ينعمون بنورانيّة المسيح في الملكوت. لذلك، لم يهب العذاب، وظلّ مخلّع الأطراف معذّبًا في السجن، وهو يقول بأعلى صوته: «أنا مسيحي». وكان معه في السجن مسيحيّون يعيشون الاضطهاد، فلم يتوقف عن خدمتهم، بل طلب منهم أن يضعوا الخبز والخمر على صدره، وقال لهم: «صدر الكاهن هو المذبح»، واحتفل بالذبيحة الإلهيّة معهم، وأعطى الجميع الطعام المقدّس. وبعد أيّام عدّة، دخل عليه وزير الملك، وكان مار نهرا يهتف: «أنا مسيحي». دُهش الوزير من شجاعته وصبره. فسأله: من أين أنتَ؟ وما مهنتك؟ ومن أهلك؟ لم يسمع إلا الجواب عينه: «أنا مسيحي»، وبعدها ارتفعت روحه صوب الأعالي السماويّة، وهي تصرخ فوزه بإكليل الشهادة.

إن حياة هذا القديس هي دعوة متجدّدة لنا جميعًا كي نعانق نور المسيح، ونشهد لكلمته المقدّسة بكلّ شجاعة حتّى نستحق إكليل المجد في الحياة الأبديّة.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته