الحياة تَدُبّ من جديد في دير مار موسى الحبشي بالنبك

دير مار موسى الحبشي دير مار موسى الحبشي | Provided by: Jihad Youssef, President Mar Moussa Monastery
دير مار موسى الحبشي دير مار موسى الحبشي | Provided by: Jihad Youssef, President Mar Moussa Monastery
دير مار موسى الحبشي دير مار موسى الحبشي | Provided by: Jihad Youssef, President Mar Moussa Monastery
دير مار موسى الحبشي دير مار موسى الحبشي | Provided by: Jihad Youssef, President Mar Moussa Monastery
دير مار موسى الحبشي دير مار موسى الحبشي | Provided by: Jihad Youssef, President Mar Moussa Monastery

أعلن الأب جهاد يوسف رئيس دير مار موسى الحبشي إعادة افتتاح الدير أمام الزوار والمريدين. وأوضح أنه خلال سنوات الحرب لم يلحق بالدير أي أضرار مادية مباشرة، رغم المعارك العنيفة التي جرت على مقربة شديدة منه. إلا أن الضرر الحقيقي كان ضررًا معنويًا؛ اذ تعرّض رئيس الدير السابق، الأب يعقوب مراد، للخطف لأشهر عدّة في العام 2015. وكذلك اختفى الأب الإيطالي باولو دالوليو بعد أن أمضى فيه 30 عامًا تقريبًا. فهو الذي أعاد للدير رونقه وألقه، جاعلًا منه ملتقى للحوار بين الأديان، ومقصداً للزوّار والمُصَلّين. خاصّة أنّ وقوع الدير على تلة صخرية وعرة ترتفع 1320 مترًا عن سطح البحر، تعطي المرء سكينة لا مثيل لها، وتفرض عليه تسلّق 300 درجة لبلوغه. كما على مشهدٍ استثنائيٍّ متمثلٍ بالكهوف المحيطة بالدير ومغارة واسعة محفورة في الصخر تبعد 50 مترًا عنه، يعتقد أنها كانت مخصصة لسكن النساك والزهاد والمتعبدين، ثم أصبحت خاصة لحفظ مؤونة الدير. وتبدو من هناك مغارة أخرى، يطلق عليها اسم «مقبرة الراهب»، يقصدها الناس أيضًا لاحتوائها على عظام يُعتقد أنها لناسك.

دير مار موسى الحبشي هو دير سرياني عريق وقديم، يعود إلى القرن الخامس أو السادس. قد شُيد على أنقاض قلعة رومانية تعود للقرن الثاني الميلادي. وهو يقع على مسافة 80 كم شمال العاصمة السورية دمشق، ويبعد 15 كم عن مدينة النبك، على سلسلة جبال القلمون السورية. سمي بهذه الاسم تيمنًا بالقديس موسى الحبشي، الذي تروي الاسطورة الشعبية المتداولة عنه، أنّه كان ابناً لأحد ملوك الحبشة في القرن السادس. ترك حياة الترف، وفرّ من والده الذي أراد أن يزوجه. وصل إلى دير مار يعقوب المقطع القريب وعاش فيه (وهو يقع حاليًّا في قرية قارة التابعة لمحافظة ريف دمشق). إلا أنه رغب فيما بعد بمزيد من التوحد والنسك، فقادته خطاه إلى هذا المكان حيث أقام في أحد الكهوف. وكان ذلك فاتحة الحياة الرهبانية في ذلك المكان المقفر من البادية.

لمحة في تاريخه الديني

تؤكد المصادر أن العصر الذهبي لدير مار موسى الحبشي كان في القرون الوسطى، خاصة في الفترة الممتدة بين القرن العاشر والسادس. وقد خضع عدة مرات للترميم أو التوسيع أو التجديد.

في القرن الـرابع عشر تحول إلى كرسي أسقفي مستقل، بسبب زيادة عدد رهبانه وشدة إقبال الزوار والحجاج على زيارته. كما قدّم إلى الكنيسة بطاركة مثل يعقوب الأوّل المعروف بابن المذوق الذي نُصِّب بطريركًا سنة 1512، وكذلك عشرون أسقفًا آخرهم ايوانس الياس الموصلّي (1797-1832م)، الذي خلفه غريغوريوس متى نقار، وقد التحق هذا الأخير بالكرسي الباباوي في روما. ومنذ ذلك الحين انتقلت ملكية الدير إلى كنيسة السريان الكاثوليك، لكن الإهمال أصابه وتم هجره لفترة طويلة.

في ثمانينيّات القرن المنصرم، بدأت أعمال ترميم الدير، بتعاون مشترك بين أبناء رعية النبك للسريان الكاثوليك، والمديرية العامة للآثار والمتاحف في سوريا، وخبراء آثار إيطاليّين. وتواصل الترميم منذ ذلك الحين وحتى بدء الحرب السورية.

عمارة الدير

الدير ذو عمارة دفاعية. فالمدخل في الجدار الغربي صغير جدًا، ارتفاعه حوالي متر واحد، وهناك مرامٍ للسهام موزّعة على الجدار عينه. يلي المدخل دهليز معتم وبعد ذلك غرف صغيرة ثم الكنيسة فشرفة. الغرف موزعة على طابقين فوق سطح الجبل وثلاثة طوابق حُفرت تحت الأرض. كانت تُجمع مياه الأمطار في خزانات وتتوزع حول الدير ثم تُنقل إلى الداخل للاستفادة منها طوال العام.

أمّا الكنيسة، فقد بنيت في العام 1058 وتقع شمالي الدير، شكلها مربع طول ضلعه عشرة أمتار. تنقسم إلى قسمين: القسم الأول قدس الأقداس، وهو عبارة عن المحراب مع الجدار الفاصل؛ والقسم الثاني مكون من ثلاثة أروقة يفصل بينها صفان من الأعمدة. تتميز الكنيسة بباب تعلوه صلبانًا مدوّرة منقوشة ويمكن منه الوصول إلى رواق الكنيسة الجنوبي. ويرتفع الرواق الاوسط وينتهي شرقًا بمحراب كبير تعلوه نصف قبة فيها نافذة كبيرة. في الربع الشرقي من الرواق الاوسط حاجز من الخشب والحجر، يرتفع عن أرض الكنيسة بمقدار ثلاث درجات، يفصل قدس الاقداس أو الهيكل عن صحن الكنيسة.

رسومات الدير

لم يحظ بناء دير مار موسى الحبشي بالفن المعماري الهندسي على شاكلة الأديرة السريانية المعروفة، بسبب بعده عن النبك ووعورة الطريق المؤدية إليه، مما صعب عملية نقل مواد البناء إليه. لكن ما يحتويه من زخارف ورسوم جدارية نادرة، صنعت منه شاهدًا حيًّا على حضارة سوريا وشعوبها الآرامية السريانية.

وتعتبر الرسومات الجدارية التي تغطي جدار الكنيسة من أغنى أمثلة الفن المسيحي المحلي. وهي مكونة من ثلاث طبقات فوق بعضها. يعود أولّها إلى منتصف القرن الحادي عشر، وآخرها إلى بدايات القرن الثالث عشر. ومن اللوحات البارزة، في دير مار موسى، لوحة الدينونة حيث نرى المسيح الديان مرسومًا في أعلى اللوحة مقابل لوحة البشارة، كما يظهر في اللوحة المسيح يسلّم بطرس مفاتيح الملكوت وعن يساره بولس الرسول، ويظهر في الصورة مذبح عليه صليب في وسطه إكليل من الشوك.

المكتبة

كما يحوي الدير مكتبة غنية زاخرة بآلاف المخطوطات السريانية التاريخية، بخاصة الدينية منها، من بينها أناجيل نادرة كُتب بعضًا منها على الرق. وقد نُقل عدد كبير من هذه المخطوطات إلى عواصم أوروبا وبلاد الشرق، لتتصدر متاحفها ومكتباتها؛ مثل مخطوط لمار أيوانيس الذهبي الموجود في خزانة المتحف البريطاني بلندن؛ ومخطوطين لصلوات الصوم الأربعيني بمكتبة باريس وغيرها.

 

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته