واقع المسيحيّين في إيران... بين الدعاية والإيمان

المسيحيّون في إيران... تناقض بين الصورة والواقع المسيحيّون في إيران... تناقض بين الصورة والواقع | مصدر الصورة: صفحة جِـــــنلی في منصة إكس

اكتظّت منصّات التواصل هذا الأسبوع بصورٍ قيل إنّها لمحطّة مترو في إيران تحمل اسم العذراء مريم، فأشعلت نقاشًا واسعًا. وسرعان ما تحوّلت الصور إلى لغزٍ: بين من هلّل لها بوصفها بادرة انفتاح نادرة، ومن رأى فيها مسرحيّة جديدة لتلميع صورة النظام، ومن سأل ببساطة… هل هي موجودة أصلًا؟

ووفقًا لمنشورات على المنصات التي تداولت الخبر، تقع محطة «العذراء مريم» المزعومة على الخط السادس لمترو العاصمة طهران، قرب كاتدرائية سركيس للأرمن. وتُظهر الصور المنتشرة جدارًا يحمل لوحة فنّية للعذراء مريم، وإلى جانبها مشهد كنيسة يُفترض أنها الكاتدرائية نفسها.

أنْ تحمل محطة مترو في إيران اسم أمّ يسوع المسيح هو أمر بدا غير متوقّع لكثيرين حول العالم. لكن آخرين رأوا في الأمر ما ينسجم مع واقع الثقافة الشيعية التي تُكرّم العذراء مريم. وهناك من فسّر الخطوة على أنها محاولة لإبراز التنوّع الديني داخل البلاد.

محطّة مترو في إيران تحمل اسم العذراء مريم. مصدر الصورة: متداول على الشبكة
محطّة مترو في إيران تحمل اسم العذراء مريم. مصدر الصورة: متداول على الشبكة

ومع ذلك، لم يبدُ المشهد مقنعًا للجميع. بعض الناس اعتبر أنّ خطوة كهذه لا تنسجم مع نهج الجمهورية الإسلامية وسجلّها في التعامل مع الأقليات الدينية. لذلك سارع البعض إلى الجزم بأنّ الصور من إنتاج الذكاء الاصطناعي، فيما رأى آخرون أنّها مجرّد محاولة لتلميع صورة النظام وإظهار وجهٍ أكثر انفتاحًا أمام الرأي العام العالمي.

الحساب الرسمي لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في يريفان غرّد معلّقًا على الخبر، واصفًا المحطة بأنها «علامة جميلة على التعايش بين الإيرانيين وأبناء الجالية الأرمنية». غير أنّ هذا «التعايش» لا يرقى، في الواقع، إلى المعايير الدولية لحرية الدين وحقوق الإنسان. فالقانون الإيراني، على سبيل المثال، يمنع التبشير أو التحوّل من الإسلام إلى المسيحية، كما يقيّد الحياة اليومية بصرامة. في خلال شهر رمضان، لا يُسمح لأي شخص من أي ديانة بالأكل في الأماكن العامة، وفي شهر محرّم يُمنع أتباع الطوائف كافة من إقامة أعراس واحتفالات. إلى ذلك، يُفرَض الحجاب على النساء، فيما يستثنى أفراد الأقليات الدينية من الوظائف الحكومية، ما يجعلهم، ومنهم المسيحيون الأرمن، يشعرون غالبًا بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية.

حتى لو كانت الصور حقيقية، وإن كانت محطة المترو بادرة لطيفة تجاه المسيحيين، ولا سيّما الأرمن منهم، فإنّ من الضروري التذكير بواقعٍ أكثر قسوة: مسيحيون يُعذَّبون ويُسجَنون في إيران بسبب إيمانهم. ففي فبراير/شباط 2024، حَكَم قاضٍ إيراني على هاكوب غوتشوميان بالسجن على خلفية «أنشطة مسيحية غير قانونية». وبحسب التقرير السنوي لعام 2024 الصادر عن Article18، وهي منظمة غير ربحية مقرّها لندن تُعنى بالدفاع عن المسيحيين المضطهَدين في إيران، اعتُقل 166 مسيحيًّا في العام 2023، ثلثهم فقط لأنه عثِر في حوزتهم على أكثر من نسخة واحدة من الكتاب المقدّس.

أمام هذا التناقض الصارخ بين الصورة والواقع، يبدو أن الجدل حول محطة العذراء مريم يتجاوز مسألة وجودها من عدمه، ليكشف طريقة تفكير النظام في توظيف الرموز الدينية لخدمة خطابه السياسي.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته