وتطرَّق إلى دور العذراء، «نجمة التبشير الجديد»، التأسيسيّ في إعلان الإنجيل ومشاركتها الفريدة في التدبير الخلاصيّ، بدءًا بقولها «نعم» غير مشروطة للربّ، فكان قبولها حاسمًا لتجسّد الكلمة. وتابع: «فعلُ الإيمان والطاعة هذا جعلها أمّ يسوع، الوسيط الوحيد، ومن خلالها دخلت الحياة إلى العالم، بحسب تعليم المجمع الفاتيكانيّ الثاني، إذ أرادَ الآب أن يسبق قبولُ مريم التجسّدَ، لتُسهِم امرأةٌ في الحياة، مثلما أسهمت امرأةٌ في الموت».
وأوضح كَكّوني أنّ مريم هي أوّل تلاميذ ابنها وأكثرهم كمالًا، إذ «لم تحمل المسيح فحسب، بل حفظت كلماته وتأمّلت بها في قلبها، ما جعلها أنموذجًا لِمَن يسمعون كلمة الله ويعملون بها، كما كرَّست حياتها بسخاءٍ لمَنح عطيّة فرح حضور الربّ للآخرين».
أنموذج المبشّرين
تقودنا مريم في طريق التبشير وتُعلّمنا طاعة الإيمان بتسليمها حياتها كلّها، وبحرّيةٍ مطلَقة لله، منفتحةً على خططه الإلهيّة، كخطوةٍ أولى للشهادة الإنجيليّة الفعّالة. وحين انطلقت، فور تلقّيها البشارة، لمساعدة نسيبتها إليصابات، علّمتنا أنّ التبشير يعني حمل المسيح إلى الآخرين، ومشاركتهم فرح حضوره. فمريم هي تابوت العهد الجديد، تحمل الربّ في داخلها وتفيض قداسةً أينما حلّت، بحسب كَكّوني.
وتابع: «مريم المتوارية وسط الحشود، تراقِب ابنَها يصنع المعجزات، بتواضعٍ وإنكارِ ذاتٍ وصمت. ولم تكُن كلماتها: "مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ" (يو 2: 5) إلّا إرشادًا نحو يسوع، فقدّمت مثالًا للمبشّرين ألّا يُعلِنوا عن أنفسهم ولا يبحثوا عن أنظارٍ تتوجَّه إليهم، بل عن يسوع المسيح، وإليه يوجّهون الأنظار والقلوب.
وختم كّكوني مستشهِدًا بكلمات مار أفرام السريانيّ في مديح مريم، حوّاء الجديدة، التي «ولدت الحياة للعالم» وجعلت «النساء يشكرن مريم أمّهنّ على المجد المعطى لهنّ بواسطتها»، إذ «كما أنّه لا يوجد فداء من دون يسوع، لا يوجد تجسّد من دون مريم».