سوريا: قصة تحول كنيسة يوحنا المعمدان إلى جامع

كنيسة مار يوحنا المعمدان آثار كنيسة يوحنا المعمدان الباقية ضمن المسجد الأموي بدمشق | Provided by: Wikimedia

وسط دمشق القديمة وبحجارتها الصماء التي أسست حضارات كثيرة، نشهد قصة تحول غريبة لمعبد آرامي أصبح كنيسة مار يوحنا المعمدان وأخيراً تحول لبناء جامع بني أمية الكبير، ففي ذلك التحول الكبير اجتمعت المتناقضات والأصالة، واجتمع التاريخ مع الحضارة والجمال، كل ذلك تحت عباءات دينية مختلفة.

لقد كان موقع كنيسة يوحنا المعمدان في دمشق القديمة سوقاً تجارياً هاماً وأصبح معبداً في القرن الميلادي الأول (معبد الإله حدد الآرامي) وبعد انتشار الديانة المسيحية في عهد الإمبراطور الروماني ثيودورس الأول 379 م -395  م تحول المعبد إلى كنيسة سميت كنيسة القديس يوحنا المعمدان وذلك بسبب ضريحه الموجود داخلها حتى يومنا.

فبعد فتح بلاد الشام من قبل المسلمين بقيادة خالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح دخل كل منهما إلى دمشق من جهة، وبعد احتلالها كتب أبو عبيدة كتاب أمان، أقر فيه منح المسيحيين أربع عشرة كنيسة وأخذ منهم بدل ذلك نصف كنيسة مار يوحنا المعمدان وجعلها مسجداً على أن يبقى نصفها الثاني كنيسة للروم.

ولما انتقلت الخلافة إلى الوليد بن عبد الملك عزم على أخذ بقية هذه الكنيسة وإضافتها إلى أيدي المسلمين وجعل الكنيسة بأكملها مسجداً واحداً، حيث حاول الخليفة إقناع المسيحيين بالتخلي عن كنيستهم بالترغيب أولاً لكنه فشل فأصدر أمر بالهدم. فحزن المسيحيون وأتوا إليه وقالوا إن من يهدم هذه الكنيسة يجن فقال أنا أحب أن أجن في الله، ثم وقف على أعلى مكان من الكنيسة فوق المذبح وأخذ فأساً وضرب أعلى حجر فألقاه، فتبادر الجنود إلى الهدم وهم يصرخون الله أكبر. أما المسيحيون فقد بدأوا بالبكاء على الباب وقد تجمعوا، فأمر الخليفة رئيس الشرطة أن يضربهم ويفرقهم. ثم أرسل الوليد إلى ملك الروم في القسطنطينية يطلب منه عمالاً في الرخام والأحجار ليعمروا هذا المسجد وأرسل يهدده ويتوعد له إن لم يفعل ذلك فسوف يغزو بلاده بالجيوش، ويخرب كل كنيسة في بلاده، حتى كنيسة القيامة في القدس، وكنيسة الرها وجميع كنائس الروم.

فبعث ملك الروم عمالاً كثيرين وكتب إليه إنك هدمت الكنيسة التي رأى أبوك تركها فإن كان حقًّا فقد خالفت أباك، وإن كان باطلاً فقد أخطأ أبوك فلم يعرف الخليفة كيف يجيبه.

ويخبر يزيد بن واقد الذي كان مسؤولاً عن العمال الروم في بناء المسجد، أنهم وجدوا هناك مغارة فأخبر الخليفة بذلك فأتى ليلاً، ومعه شمع مضاء فوجدوا كنيسة صغيرة، فيها صندوق ففتح الصندوق فإذا فيه إناء وفي الإناء رأس يوحنا المعمدان كما يقال وهو ما يزال موجود في الجامع الأموي الكبير حتى يومنا هذا تحت اسم ضريح النبي يحيى. 

أما عن قصة خروج الدم من قبر القديس العظيم  يوحنا المعمدان بالجامع الأموي في دمشق:

في عهد الخلافة الفاطمية، وهو أشدّ العهود قهراً واضطهاداً للمسيحيين أمر والي دمشق بإزالة قبر القديس يوحنا المعمدان من مكانه داخل الجامع الأموي وعندما باشر العمّال عملهم، ومع ضربات المطرقات لإزالة المقام نفر من الضريح سيلٌ غزيرٌ من الدماء وجرى باتّجاه منطقة "باب مصلى" في دمشق فأُصيب العُمّال بالذُعر الشديد والذهول وسرعان ما انتشر الخبر في دمشق كلّها، وجاء والي الشام بنفسه لينظر ما حدث، وسارع المشايخ إلى المكان وبدأوا بالأدعية والصلوات من أجل ايقاف جريان الدم، ولكن دون جدوى عندها أُبلغَ مطران دمشق الذي توجه إلى المكان برفقة رجالٌ من الكهنة والشمامسة والرهبان، فلمّا وصلوا إلى المكان بدأوا يتلون الصلوات عندئذ توقف الدم عن الجريان والامتداد، وبدأ بالانقطاع تدريجياً حتى عودته للضريح بعد ذلك تراجع الوالي عن قراره وأمر بإبقاء المقام داخل الجامع الأموي على حاله. ويقال أيضاً بأن سبب تسمية المقهى المعروف قرب الجامع الأموي ب "مقهى النوفرة" يعود إلى هذه الحادثة أي نسبةً إلى نفور الدم من داخل القبر وأن "باب مصلّى" أُطلقت عليه لاحقاً هذه التسمية نسبةً إلى صلوات الأساقفة والكهنة الأرثوذكسيين التي أُقيمت بقربه من أجل إيقاف سيل الدماء.

فمن أهم آثار الروم المتبقية في هذا المسجد، هو رأس يوحنا المعمدان وجرن المعمودية، والكتابة اليونانية الموجودة على الباب الجنوبي: "ملكك أيها المسيح إلى أبد الدهور، وسلطانك إلى جيل فجيل". كما اكتشف مؤخراً رسم للسيد المسيح على رأسه إكليل شوك.

المصدر كتاب نزهة الأنام في محاسن الشام، نقلاً عن ابن عساكر بالإضافة لما حفظته الذاكرة الشعبية المسيحية الدمشقية، وورد ذكره أيضاً في مخطوط تاريخي موجود في دير سيدة البلمند البطريركي في لبنان.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته