نور القبر المقدس في العراق

أربيل, الثلاثاء 26 أبريل، 2022

النور المقدّس يصل العراق لأوّل مرّة في تاريخ وادي الرافدين مساء يوم سبت النور ليتمّ الاحتفال باستقباله في دير الشيخ متي الواقع على بعد 30 كلم شمال شرق الموصل، ويتمّ نقله من هناك إلى مختلف محافظات العراق.

تجمّع أكثر من عشرة آلاف شخص من سكان الموصل وسهل نينوى ومن مناطق أخرى من جميع أطياف الشعب العراقي، مسيحيون وأرثوذكس وكاثوليك، مسلمون، يزيديون، صابئة، وغيرهم في دير الشيخ متي ليستقبلوا النور المقدّس الآتي من كنيسة القيامة في القدس حيث تمّ استقبال استُقبل النور بالتراتيل والتصفيق والزغاريد عشية عيد القيامة حسب التقويم الشرقي.

في حوار حصري لـ"آسي مينا"، يقول الأب بولص: "إنها المرّة الأولى التي يصل فيها النور المقدّس إلى العراق. الشعب العراقي، شعب مؤمن، يريد أن يتعلّق بأي شيء يأتي من السيّد المسيح، شعرنا بأن المسيح حقيقة معنا"، ويحدّثنا أيضًا: "حينما أخذت النور بيدي، بدأت دموعي تنهمر، رأيت يسوع من خلاله، فهو من قال: "أنا نور العالم". بالرغم من تعبي الجسدي، لكن ما إن وضعت الشعلة بيدي شعرت بأن هذا التعب اضمحلّ لأن المسيح معي، فرحة لا توصف".

موقف مؤثر جدًّا

يخبرنا الأب بولص: "حينما رجعت إلى بيتي ليلًا وكانت الساعة تقارب الساعة الثانية والنصف صباحًا، كان هناك يزيديون واقفين أمام باب بيتي لأخذ شعلة النور المقدّس إلى بيوتهم وعائلاتهم للبركة، كانوا مستعدين للانتظار حتى الصباح".

صبيحة الأحد، امتلأت الكنيسة بتوافد الإخوة اليزيديين حتى ساعة متأخرة من الليل ليأخذوا من شعلة النور ويتباركوا بها".

نظرة روحيّة

وتحدّث لـ"آسي مينا" كاهن آخر اختار عدم الإفصاح عن اسمه، قائلًا: "المسيح مرتبط ارتباطًا وثيقًا بمسألة النور، فهو كما قال: "نور العالم"، يعقوب الرسول يدعوه "أبا الأنوار" النور مرتبط ارتباطًا وثيقًا بشخصيّة يسوع المسيح الذي نقل العالم من حالة الظلمة إلى حالة النور، وبالتأكيد فإن الحدث المفصلي في هذه المسألة هو القيامة والتي تحدّثنا الكثير من الصلوات والتسابيح كيف أن القيامة هي نور أشرق من هذا القبر المقدّس والتي هي ركيزة الإيمان المسيحي، وهي رجاء بعد النهاية المأساويّة لموت المسيح على الصليب الذي اتّصف بالظلام الدامس الذي عمّ الأرض، القيامة تغيّر موازين المعادلة، فيخرج النور من قلب الظلمة، قلب القبر المظلم الدامس ليوزّع النور إلى جميع أنحاء العالم".

كيف وصل النور الى إلعراق؟

قال مصدر خاصّ لـ"آسي مينا": "تقدّم المطران طيمثاوس موسى شماني راعي أبرشيّة دير الشيخ متى بطلب إلى الحكومة المركزيّة لجلب شعلة النور المقدّس هذه السنة للعراق، وبعد الحصول على موافقة رئيس الوزراء، تمّ التنسيق مع وزارة الدفاع والداخلية العراقيّة حيث تمّ إرسال طائرة خاصّة على نفقة الدولة العراقيّة. أقلعت الطائرة من مطار القيارة العسكري متّجهة إلى الأردن لتجلب الشعلة بفانوس وتعود إلى المطار ذاته، ومنه بالهليكوبتر إلى منطقة القصور في الموصل، لتنقل عبر البرّ إلى بلدة بعشيقا كأوّل نقطة ومنها لدير الشيخ متي للاحتفال الرسمي".

كلّف المطران طيمثاوس الأب دانيال بهنام والشماس بسمان صوفيا بهذه المهمة، واللذين غادرا على متن الطائرة الخاصّة ليصلا الأردن، ومن ثمّ يتمّ استلام النور المقدّس من مطران الروم الأرثوذكس بحضور السفير العراقي في المملكة الهاشميّة.

لماذا هذه المبادرة؟

وقال راعي أبرشيّة دير مار متى وتوابعها للسريان الأرثوذكس المطران طيماثوس موسى شماني: "إنها رسالة سلام ومحبّة للجميع، رسالة انبعاث لهذا الوطن الجريح حتى يستعيد عافيته وأمنه وسلامه".

وعلّق أحد المنتسبين في قيادة القوّة الجوية قائلًا: "إن هذا الحدث هو بصمة أخرى لزيادة اللحمة الوطنيّة والتعاون بين مكوّنات الشعب العراقي بمختلف فئاته وطوائفه".

نظرة تاريخيّة

النور المقدّس هو حدث خروج النور من قبر المخلّص يسوع المسيح كل سنة يوم سبت النور بعد صلوات عدّة يتلوها المؤمنون حيث يدخل بطريرك الروم الأرثوذكسي بطريرك أورشليم بعد أن يخلع ملابسه الملوكيّة ويبقى بملابس الشماس البسيط دلالة على التواضع. يدخل القبر بعد فحصه وبيده شموع غير موقدة ويتلو صلوات خاصّة، ثمّ يخرج وبيده الشموع وهي موقدة وسط فرح المؤمنين وزغاريدهم في كنيسة القيامة. الشعلة تبقى مشتعلة غير حارقة لمدة 33 دقيقة يضعها المؤمنون على أجسامهم ووجوههم، تضيء ولا تحرق. يعطي بطريرك الروم شمعة إلى بطريرك الأرمن، ثمّ يتمّ توزيعها على المؤمنين في كنيسة القيامة، ويتمّ نقل النور إلى مختلف أنحاء العالم بوسائل النقل كافة.

هناك إشارات عدّة في التاريخ الكنسي يكتب عنها أوسافيوس في القرون الأولى عن ظهورات النور المقدّس من قبر السيّد المسيح.

كما هناك شهادات عدّة تاريخية لحجّاج إلى كنيسة القيامة، منها حاجّة إسبانية تدعى إيجيريا. واستمر هذا الحدث عبر قرون حيث يتجمّع المؤمنون حول القبر المقدّس حتى إبان عصر الدولة الإسلاميّة والدولة العثمانيّة وإلى يومنا هذا.

(تستمر القصة أدناه)