شرعت المسيرة بتلاوة المشاركين المجتمعين في كنيسة مار بهنام وسارة صلواتٍ ومزامير وطِلبات خاصّة بالذكرى. قدّم بعدها الأب روني سالم تأمّلًا مقتضبًا في معاني الرجاء المسيحيّ.
ثم انطلقت المسيرة يتقدّمها الصليب المقدّس وأطفالٌ يحملون الورود والبالونات البيض التي احتضنت صور الضحايا، تليهم جموع المشاركين المرتّلين.
وأكّد الأب سالم، مؤسِّس ومرشد ملتقى أخوات مريم البتول في حديثه إلى «آسي مينا»، أنّ الملتقى ينظّم مسيرة الصلاة والصمت هذه، بأملٍ ورجاءٍ وطيدَين بأن يكون لها تأثير إيجابيّ في نفوس المشاركين، بصلواتها وتراتيلها وتأمّلاتها المفعمة بالإيمان فتمنح القوّة والعون لجميع أبناء بغديدا وتعينهم على الخروج من هول هذه الحادثة الأليمة.
وقال: «نحن في ملتقى أخوات مريم البتول خسرنا عضواتٍ كثيرات في هذه الفاجعة؛ وعضواتٌ كثيرات فَقَدْن أقارب لهنّ. فارتأينا تنظيم استذكارٍ للضحايا عنوانه الصمت والصلاة فقط، واخترنا: "بالرجاء نسير" عنوانًا لمسيرتنا».
ورود وبالونات بيض
لدى وصول المسيرة إلى موقع الحادثة، أطلِقَت البالونات «لترتفع إلى السماء كما ارتفعت أرواح هؤلاء الضحايا الأبرياء الذين جاؤوا ليلتها بكلّ فرحٍ ونقاء وبراءة ليشاركوا أحبّتهم فرحة سرّ الزواج المقدّس بكلّ محبّة».
وأوضح سالم أنّهم يستذكرون في مسيرتهم مسيرة الشعب العبرانيّ من أرض العبوديّة إلى أرض الميعاد. وشرح أنّ أيّ عناء جسيم يرافقه دائمًا رجاء عظيم، «فرغم الموت هناك دائمًا قيامة وحياة جديدة».
وأردف: «كما تُذَكِّرنا وجهة المسيرة "مقبرة الرجاء" بأنّ الإنسان مهما كانت قوّته وسلطته وسطوته وإنجازاته، فطريق حياتنا متوجّه إلى المقبرة. ولكنّها ليست نهاية المطاف بحسب إيماننا المسيحيّ، بل نقطة انطلاق إلى الحياة الجديدة والاتحاد بيسوع المسيح في الملكوت».
وختم: «مسيرتنا فرصةٌ لنفتكر في خلالها كم أنّ الإنسان ضعيف ومحتاج إلى الاتحاد بالله، وكم يجب أن يحيا قريبًا من إلهه فيكون، رغم ما يواجهه من ضيقات هذه الحياة، محصَّنًا ومستعدًّا في كلّ لحظة لمواجهة الموت والانتقال إلى الحياة الجديدة، مستنيرًا بكلمات الربّ: "لِتَكُنْ أَحْقَاؤُكُمْ مُمَنْطَقَةً وَسُرُجُكُمْ مُوقَدَةً وَأَنْتُمْ مِثْلُ أُنَاسٍ يَنْتَظِرُونَ سَيِّدَهُمْ مَتَى يَرْجعُ مِنَ الْعُرْسِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ وَقَرَعَ يَفْتَحُونَ لَهُ لِلْوَقْتِ"».
استذكار الضحايا
الجدير بالذكر أنّ بطريرك السريان الكاثوليك إغناطيوس يوسف الثالث يونان احتفل بالقدّاس الإلهي، الأحد الماضي، بمناسبة الذكرى السنويّة الأولى للفاجعة، في كنيسة مار إغناطيوس الأنطاكيّ في بيروت، لبنان. كما استذكرت الأبرشيات والرعايا السريانيّة الكاثوليكيّة حول العالم ضحايا الفاجعة بقداديس ومجالس عزاء.
واحتفل المطران بنديكتوس يونان حنّو راعي أبرشيّة الموصل للسريان الكاثوليك، الأسبوع المنصرم بالقدّاس الإلهي على مذبح ضريح القديس بطرس في الفاتيكان على نيّة العراق وضحايا الفاجعة. كما أطلَع البابا فرنسيس في لقاء جمعهما، على صورٍ لضحايا الفاجعة وآثارها.
وكان محافظ نينوى، التابع لها قضاء الحمدانيّة ومركزه قره قوش، وجّه بالوقوف دقيقة صمتٍ في جميع الدوائر الحكومية في المحافظة صباح 26 سبتمبر/أيلول استذكارًا للفاجعة. وقُرعت أجراس كنائس أبرشيّة الموصل بأجمعها في التوقيت عينه.
لم تكن ليلة السادس والعشرين من سبتمبر/أيلول 2023 كسائر ليالي بغديدا الوادعة؛ فالمجتمعون للاحتفال والفرح غدوا ذبائح مَحْرَقةٍ لا يزال فاعلها مجهولًا ولكنّ ضحاياها معلومون، شهداء وأحياء.