«فعل إيمان وارتقاء»... ما هو الصوم المسيحيّ؟

الصوم مسيرة تحوُّل تقودنا إلى القيامة الصوم مسيرة تحوُّل تقودنا إلى القيامة | مصدر الصورة: AntonSAN/Shutterstock

«الصوم فعل إيمان وارتقاء وتجرُّد من الحالة المادّية إلى مستوى الألوهة. يتَّحِد المخلوق بالخالق، فتتجلّى في الصوم أجمل صورة للحبيب والحبيبة كما عبّرَ عنه سفر نشيد الأناشيد. فهو التعبير الأسمى عن الحبّ الإلهيّ لنا، وجواب المخلوق للخالق». بهذه الكلمات شرح الأب دافيد شعيا معنى الصوم في حديث خاص إلى «آسي مينا».

شعيا راهب أنطوني ومستشار في القانون الكنسيّ وباحث في العلوم اللاهوتيّة والليتورجيّة والفلسفيّة. يطلّ اليوم ليشرح كيفيّة عيش الصوم المبارك.

حالة من العشق

 فسّر شعيا أنّنا «عندما نَدْخُل في حالة من العشق، تصمت الكلمات وتسقط جميع التقديمات. ولا يبقى غير تقدمة الذات للذات. وهي الجلوس والتأمّل المتبادل بين من أُحِبّ ويحبّني. ويتّضح ذلك في مثل مريم ومرتا: "مرتا، مرتا، إنّك في همّ وارتباك بأمور كثيرة، مع أنّ الحاجة إلى أمر واحد. فقد اختارت مريم النصيب الأفضل، ولن ينزع منها" (لوقا 10: 41-42)».

وتابع شعيا: «نكتشف في الصوم معنى الجلوس بقرب الحبيب، والتأمّل في اللامحدود واللامدرك».

وأضاف أنّنا «نتَقَرَّب من الحبيب من خلال تجسّدنا بعالم محبّته وألوهيّته، فنلتقيه ونَسْكَر به على مثال القدّيس شربل من خلال النظرات والتأمّلات. إذًا، الصوم الحقيقيّ هو الغوص في عمق الحبّ الإلهيّ».

مسيرة تحوُّل تقود إلى القيامة

أخبر شعيا: «يوجد تيّاران حول مفهوم الصوم أوّلهما يصون لسانه ويأكل ويشرب، أمّا الثاني فينقطع عن الطعام ويُقسّي قلبه. فيجب خلق التوازن، إذ لا يمكننا الانقطاع عن الزفر وقلوبنا تحيا الحقد، فلا نحيا كالفرّيسيّ والكتبة».

الأب دافيد شعيا. مصدر الصورة: الأب دافيد شعيا
الأب دافيد شعيا. مصدر الصورة: الأب دافيد شعيا

وأضاف: «الصوم تأمُّل في كلمة الله، ومسيرة تحوُّل تقودنا إلى القيامة. من خلال التمييز بين الخير والشرّ، ومحبّة الخاطئ وعدم تبرير الخطيئة، لم يحكم الربّ يومًا على الخاطئ إنّما حرّم الخطيئة. ولكنّ عالمنا اليوم، يرجم الخاطئ ويشرّع الخطيئة. وحين صام يسوع في البرّية، وجرّبه الشيطان، أجابه: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان"، بل بمحبّة القريب ونقاوة القلب وعدم تشويه صورة الله في داخلنا، وشكره على نعمه».

ارتقاء نحو الملكوت

ختم شعيا: «الصوم هو الارتقاء صوب الملكوت، كما يرتفع النسر إلى أعلى قمّة حين يوشك على الموت، فيُجدّد شبابه (مز 103: 5). الصوم تجرُّد من الشوائب وحبّ السلطة والمال، لكي نتجدّد بمحبّة الله والآخرين والأشخاص الذين سَبّبَوا لنا الأذيّة وجرحونا وجرحناهم، حتى نحيا بسلام في زمن الصوم ونرتفع إلى السماوات. فنتّحد بالذي أحبّنا ونزل من عليائه كي نصعد نحن إليه، ولو كان ذلك على خشبة الصليب إذ لا لقاء إلّا بواسطة الصليب المقدّس».

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته