يونان في رسالة الميلاد: شرقنا يحتاج إلى الرجاء والسلام

البطريرك إغناطيوس يوسف الثالث يونان البطريرك إغناطيوس يوسف الثالث يونان | مصدر الصورة: بطريركيّة السريان الكاثوليك

ترتسم معالم الاختلاف في ميلاد هذا العام على صُعُد عدّة. ووسط هذا الاختلاف تحمل رسائل رؤساء الكنائس الكاثوليكيّة أوجاع أبنائها وآمالهم بغد أفضل. عشية عيد الميلاد، صدرت رسالة بطريرك السريان الكاثوليك إغناطيوس يوسف الثالث يونان، فما أبرز ما تضمّنته؟

قال يونان: «نرفع تضرّعنا إلى كلمة الله المتأنّس أن يمنح بميلاده العجيب في بيت لحم المسكونةَ السلام والأمان، ويفيض على عالمنا الرازح تحت ثقل الآلام والحروب والنزاعات والأوبئة والكوارث، نِعَمَ التآخي والعدل والتضامن، وأن يغمر قلوبنا بالرجاء الوطيد والفرح الدائم، ويهب بشريتنا جمعاء عامًا جديدًا مفعَمًا بالخير والبركة، ليحظى جميع الناس بالطمأنينة والاستقرار في بلادهم، وينعموا بالصحّة والعافية نفسًا وجسدًا وروحًا، وتملك المحبّة والألفة والوئام بروح الأخوّة المعطاءة بتجرُّد والوحدة الحقيقية في العائلات والمجتمعات والأوطان».

وأكّد يونان أنّ «على الإنسان ألا يفتّش عن شيء آخر جديد خارجًا عن يسوع المسيح الإله الكلمة الذي تجسَّد لأجل خلاصنا. لقد كلّم الله آباءَنا قديمًا، وهو يكلّمنا اليوم، فما أسعدنا حين نقبل بشرى ميلاد مخلّصنا، وما أجملَ أن تحمل الكنيسة سرَّ محبّته الفائقة إلى العالم على يد خدّامٍ مُرسَلين يبشّرون في العالم أجمع. فلنُسْرِع إذًا لملاقاة نور الميلاد الذي أشرق في بيت لحم وبدّدَ ظلامَ الخطيئة والموت. فلنَخْرُج من صحراء غربتنا عن الله، ولنحمِل نور مصابيحنا ونُسرِع إليه لنراه ونسجد له ونرنّم، كما أسرع إليه الرعاة وعاينوه متعجّبين ومندهشين، وكما أتى الملوك-المجوس من الشرق وسجدوا له معترفين، وكما رنَّم الملائكة في السماء هاتفين: "المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر» (لو2: 14).

وشدّد في رسالته على أنّ سرّ التجسُّد حقيقة إلهية تنير سرّ الإنسان ومعنى حياته التائقة إلى السعادة في الحبّ والسلام، «لأنَّ يسوع هو السلام الحقيقي الذي يحثُّنا على اكتشاف دعوتنا إلى المحبّة الصافية والمتجرِّدة، التي علينا أن نعيشها بالأخوّة والتعاون والتعاضد بين الأفراد والعائلات والمجتمعات. إنّها دعوة إلى ممارسة الإخلاص الصادق والمحبّة الفاعلة والحرّية البنّاءة، كأسس للحقوق الإنسانية للجميع، من دون فرق في الجنس والعرق واللون والبيئة الجغرافية أو السياسية. إنَّها المحبَّة التي عليها أن تسود في المجتمع وبين الأمم، فلا يشقى أحد من جراء الأنانية أو اللامبالاة. في المسيح نحن إخوة لجميع الناس. فلنتصالح ولنكسر حواجز الكراهية والعداوة، ولنكن رسل محبَّة وسلام، فتُولَد كلمة الله فينا... ليُولَد المسيح فينا. في طفل بيت لحم، يأتي الله للقائنا كي يجعل منّا أبطال الحياة التي يحنّ إليها جميعُ البشر. يُقدّم ذاته لنا كي نرفعه على أيدينا ونغمره حبًّا وإعجابًا، وبه نرفع ونغمر بحناننا العطشان والنزيل والعريان والمريض والمسجون» (مت 25: 35-36).

وأشار يونان إلى أنّ «عالمنا اليوم، وبخاصّة شرقنا، يحتاجان إلى الرجاء والسلام، أكثر من أيّ وقتٍ مضى. ففيما نحتفل بعيد الميلاد متأمّلين بسرّ التجسّد، ومندهشين بالله يكلّمنا بابنه الوحيد، يسوع الإله المتأنّس الذي حلّ بيننا، وصار صغيرًا، فقيرًا وضعيفًا، لا يسعنا ألا أن نفكّر بالمآسي التي يعيشها شعبنا اليوم، لا سيّما سكّان الأراضي المقدَّسة، الذين فُرِضَت عليهم حربٌ مدمِّرة في غزّة، وارتدّت انعكاساتُها المريرة على المناطق المحيطة بها، وبشكل خاص على المناطق الحدودية في الجنوب اللبناني. إنها مآسٍ غيّبت بهجة العيد عن معظم بلدان شرقنا. ولا يمكننا إلا أن نعبّر للإخوة والأخوات هناك، وخصوصًا للأطفال وعائلاتهم، عن قربنا منهم ودعمنا الروحي لهم. إنّهم يدفعون ثمن الحرب الظالمة، مشتركين في معاناة أهل بيت لحم بمقتل أطفالهم. منذُ عشرات السنين لا يزالُ السلام غائبًا في الأرض التي منها أشرق ملك السلام! إنّنا نناشد، مع الشرفاء في هذا العالم، جميعَ المعنيين من حكومات وشعوب، كي يعملوا بصدقٍ وجدّيةٍ على الوقف الفوري الكامل والشامل لإطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية والطبّية الواجبة للسكّان الذين يعانون جراء هذه الحرب».

وتابع: «في لبنان، حيث يعيش المواطنون أزمات اقتصادية متتالية منذ اندلاع ثورة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019 وما تلاها من أحداث، وتفشّي وباء كورونا، والتفجير الإرهابي لمرفأ بيروت والذي لا تزال التحقيقات القضائية فيه معطَّلة بسبب المنافع السياسية، بالإضافة إلى الفراغ في سدّة رئاسة الجمهورية، حيث تعطّل فئة من السياسيين اللبنانيين الانتخابات الرئاسية عبر تمنُّعها من دون مبرّر عن حضور الجلسات، ضاربةً عرض الحائط مصالح اللبنانيين وحاجتهم الماسّة للاستقرار السياسي والاقتصادي. وها هي هذه الفئة المتحكّمة بالوطن تحاول جاهدةً إحكام سيطرتها على مفاصل الدولة والاستمرار بالسياق عينه في ضرب كلّ المؤسّسات الدستورية، من رئاسة الجمهورية، إلى حاكميّة مصرف لبنان، وتعطيل عمل القضاء، وصولاً إلى قيادة الجيش وقيادات الأجهزة الأمنية والعسكرية، إلى أن جَهِدَ المخلصون أخيرًا، فحكّموا ضميرهم وتفادوا وقوع الفراغ فيها».

وأردف: «في سوريا، نصلّي كي تثمر الجهود الدولية والدبلوماسية رفعَ العقوبات المفروضة وإنهاءَ الصراع القائم منذ أكثر من اثني عشر عامًا، وتفضي إلى تسوية تنهي التنافس والنزاع في سوريا كما في المنطقة في مجالاتٍ عدّة. فتنعكس على الشعب السوري الطامح إلى الحرّية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، ويعود مَن غادر أو تهجّر، ولا سيّما الشباب، ليُسهم، مع الذين تعالوا على النكبة وصمدوا متجذّرين في أرضهم، في خلق الثقة وتعزيز الوحدة والمصالحة بين جميع مكوّنات الوطن، والمشاركة بإعادة بناء ما تهدّم. نسأل الربّ يسوع أن ينعم، بجاه ميلاده، على هذا البلد بالأمان، فيؤول الاستقرار الأمني إلى استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي، لا سيّما بعد الآثار التي نتجت عن الزلزال المدمّر الذي أصاب أجزاءً من البلد في فبراير/شباط الماضي».

وأضاف يونان: «في العراق، لا تغيب عن بالنا الفاجعة المريعة التي راح ضحيّتها 133 شخصًا من أبنائنا وبناتنا الأعزّاء، في قره قوش (بغديدا) الحبيبة، فضلًا عن إصابة مئات الآخرين. ولنا الثقة ألا تزعزع هذه النكبة ثباتنا في إيماننا، بل على الآلام المريرة أن تزيدنا رسوخًا في أرض آبائنا وأجدادنا، وتقوّي رجاءنا فوق كلّ رجاء. لذا نجدّد تضامننا الأبوي وقربنا وصلاتنا من أجل راحة نفوس الضحايا وتعزية عائلاتهم وأهلهم وذويهم وبلسمة جراحهم. كما لا ننسى التحدّيات الكثيرة التي يجابهها الشعب العراقي إزاء الأزمات السياسية والاقتصادية التي خلّفَتْها الصراعات، ونضرع إلى الربّ يسوع أن يحمل بميلاده الطمأنينة والأمان لجميع المواطنين، ليشاركوا مع المسؤولين الأصلاء في مشروع نهضة العراق الحضارية وبنائه بشرًا وحجرًا، وصولًا إلى الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي».

وواصل يونان رسالته: «في مصر، نهنّئ جميع المواطنين بإعادة انتخاب فخامة رئيس الجمهورية، ونصلّي كي تحمل نتائج الانتخابات أملًا بتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للشعب المصري في ظلّ التضخّم الحاصل.

والأردن، وبلدان الخليج العربي، التي نعرب عن ارتياحنا لما تفعله السلطات في هذه البلدان العزيزة لتأمين الرخاء والازدهار للشعب، في جوٍّ من الألفة والمودّة والتسامح. وتركيا، حيث نتابع مع أبنائنا الغيارى المساعي لاستعادة مقرّ بطريركيتنا في ماردين، نصلّي كي يستمرّ أبناؤنا في أداء شهادتهم للربّ في هذا البلد، بالعيش الكريم والمواطنة الكاملة».

وأردف: «نتوجّه إلى أبنائنا وبناتنا في بلاد الانتشار، في أوروبا والأميركيتين وأستراليا، ونحثّهم على عيش إيمانهم بالربّ يسوع، ومتابعة التزامهم الكنسي، بالأمانة لكنيستهم السريانية وتراثهم السرياني الثمين وتقاليدهم الأصيلة التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم في أوطانهم الأمّ في الشرق، مع المحبّة والإخلاص لأوطانهم الجديدة التي فتحت لهم آفاق العيش الكريم والحرّ. ونوصيهم بأن يحافظوا على قدسيّة العائلة، ويربّوا أولادهم تربيةً مسيحيةً صالحةً، رغم المخاطر والتحدّيات والمغريات».

وختم: «هلمّوا نهرع إلى بيت لحم، فنتأمّل الربّ يسوع طفلًا موضوعًا في المذود، ونعيش حدث الميلاد العجيب، حيث يكلّمنا الله بابنه الوحيد».

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته