عظة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في أحد الشعانين

الراعي-بكركي- الراعي في أحد الشعانين | provided by: Maronite Catholic Patriarchate of Antioch

"هوشعنا مبارك الآتي باسم الربّ، ملكنا" (يو 12: 13).

1-بهذا الهتاف الملوكي العفويّ استقبل الشعب والأطفال يسوع عندما صعد إلى العيد، مثل الكثير من الجمع الآتي من مختلف المناطق والبلدان. فكانت المرّة الأخيرة. ذلك إنّ الفصح اليهوديّ انتهى بفصحه هو، أي "بعبوره من عالمنا إلى الآب" (يو 13: 1) بموته للفداء ومغفرة الخطايا وبقيامته لبثّ الحياة الجديدة. فأضحى هو حمل الفصح الذبيح، والطعام السماويّ للحياة الإلهيّة فينا.

إنّها ملوكيّة يسوع الروحيّة، ملوكيّة الحبّ حتى التفاني في بذل الذات، ملوكيّة التواضع والسلام، ملوكيّة تنتزع الخوف من القلوب، وتزرع فيها الطمأنينة والرجاء والفرح. في هذه الملوكيّة أشركنا بمسحة الميرون، ورسم لنا فيها رسالتنا، رسالة الكنيسة، التي نلتزم بتحقيقها في كلّ مجتمع نعيش فيه.

2-هذه هي ملوكيّة يسوع. أمّا مملكته فهي الكنيسة، أي ملكوت الله الذي يبدأ في التاريخ ويكتمل في السماء. تظهر ميزات الكنيسة الأساسيّة الثلاث في حدث الشعانين:

فالجمع الذي اصطحب يسوع إلى أورشليم حين أقام لعازر من القبر، وهم يهود شاهدوا الآية، يمثّلون الكنيسة المنفتحة عليهم أوّلًا، وفق التصميم الإلهيّ. والجمع الذي خرج لاستقباله وهم من مختلف المناطق والبلدان بمن فيهم وثنيّو اليونان، يمثّلون الكنيسة المنفتحة لتشمل الجميع. والقرار الذي اقترحه قيافا، رئيس الكهنة في تلك السنة، بقتل واحد، يسوع، ولا تهلك الأمّة كلّها، يمثّل الكنيسة التي توحّد وتجمع (يو 11: 51-52).

3-واليوم في عيد الشعانين، "نصل إلى الميناء"، بعد رحلة الصوم والصلاة والتوبة وأعمال المحبّة، التي دامت ستّة أسابيع. هذا الوصول الذي نحتفل به مساء اليوم هو انطلاق دائم مع المسيح، فنعبر معه صعودًا روحيًّا من موت الخطيئة والإنسان العتيق، إلى قيامة الحياة والإنسان الجديد، وصعودًا على مثاله نحو "الحبّ حتى النهاية" (يو 13: 1).

4-يسعدنا أن نحتفل معًا ونهنّئ بعيد الشعانين الذي هو عيد العائلة حول أطفالها. فالأطفال أنشدوا بعفويّة نبويّة ملوكيّة يسوع. فحملوا أغصان النخل المخصّصة لاستقبال الملوك، وأغصان الزيتون للدلالة أن يسوع هو ملك السلام. ولذا، عندما اغتاظ الفريّسيّون، وطلبوا من يسوع أن يأمرهم ليسكتوا، أجاب: “إذا سكت هؤلاء الأطفال، صرخت الحجارة” (لو 19: 40). نرجو أن يكون العيد مباركًا، وفاتحة خير عليكم وعلى أطفالكم الذين يعيشون، وهم أبرياء، في الفقر والحرمان والعوز، بسبب الأزمات السياسيّة والاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة، التي تسبّب بها الكبار من المسؤولين السياسيّين.

5-في كلّ حال ظهرت في هذا الأسبوع تباشير ثلاثة هي: إعلان زيارة قداسةِ البابا فرنسيس للبنان في حزيران المقبل؛ الاتّفاقُ المبدئيُّ مع خبراءَ صندوقِ النقدِ الدُولي؛ عودةُ سفراءَ الدولِ الخليجيّةِ إلى لبنان. وإذ تأتي هذه الخُطوات الإيجابيّةُ بينما تَحصُل تطوّراتٌ مهمةٌ على الصعيدين الإقليميِّ والدُوليّ، نأمل أن تستفيدَ منها الدولةُ اللبنانيّةُ وُتوظّفُها في الإطارِ الوطنيِّ دون سواه.

إنّ زيارة قداسةِ البابا فرنسيس، تأتي في سياقِ سعيِّ الكُرسي الرسوليِّ إلى مساعدةِ لبنان للخروجِ من أزْمتِه العميقة، وإبقائِه بين منظومةِ الأممِ الديمقراطيّة. وهي تُكمِّلُ سلسلةَ الزياراتِ البابويّةِ التي قام بها تباعًا القديس البابا بولس السادس في طريقه إلى الهند سنة 1964، والقديس البابا يوحنا بولس الثاني سنة 1997 لتوقيع إرشاده الرسوليّ "رجاء جديد للبنان"، والبابا بِنديكتوس السادس عشر سنة 2012. تُشكّل زيارةُ البابا فرنسيس بركةً للشعبِ وأملًا للوطن ومنبّهًا للمسؤولين. فالبابا حريصٌ على أن يَتمتَّعَ لبنانُ بحوكمةٍ رشيدةٍ وبجماعةٍ سياسيّةٍ تَضع الصالحَ العامَّ فوقَ كلِّ اعتبار. وهو مدرك بالتقصيرَ الحاصلَ في التصدّي بجرأة وجِدّيةٍ لقضايا الشعب، وبالتردّدَ في تجاوبِ الدولةِ مع المساعي الدُولية. إنّنا ندعو اللبنانيّين للاستعداد نفسيًّا وروحيًّا لاستقبال قداسته بالفرح والرجاء.

بالنسبة إلى الاتّفاقِ المبدئيّ بين لبنان وصندوقِ النقدِ الدُوليّ، فإننا ننتظر من الحكومة ومجلس النواب الإسراع في إقرارِ القوانينِ التطبيقيّة لهذا الاتّفاقِ ولإجراء الإصلاحاتِ المتّفق عليها كأساس وشرط للحصول على المال اللازم. وفيما نَتطلّعُ إلى إصلاحاتٍ تَضمَنُ مصلحةَ اللبنانيّين لاسيّما المودِعين، وتَحمي خصوصيّاتِ النظامِ الاقتصاديِّ اللبنانيِّ الحرّ، وتعبّر عن جدّية الدولة اللبنانيّة ومصداقيّتها، نأمل بالمقابل أن ترتفع قيمة الـثلاثةِ ملياراتِ دولارٍ المُقسَّطةٍ على أربعِ سنوات، لكونها لا تتناسبُ مع الفَجْوةِ الماليّةِ ومع الحاجاتِ الاقتصاديّةِ والمعيشيّةِ والاجتماعيّة.

أمّا عودة سفراء دول الخليج، وفي مقدّمتها المملكة العربيّة السعوديّة ودولة الكويت، فإنّها تعود لتشدّ عرى الصداقة والتعاون بين هذه الدول ولبنان. فلبنان صديق مخلص لها، وعشرات الألوف من اللبنانيّين يعملون فيها، ويسهمون في نموّها وازدهارها بخبرتهم وإنجازاتهم، والسلطات المحليّة من جهتها تقدّر نشاطهم وإخلاصهم. وإنّ هذه العودة تُشعر لبنان بأنّه عضو فاعل في الأسرة العربيّة وجامعتها.

6-ونزيد على هذه التباشير، السير الجدّي في إعداد الانتخابات النيابيّة في 15 أيّار المقبل فإنّها وسيلة لإحداث الفرق بين الحاضر والمستقبل، بتكوين مجلس نيابيّ يحقّق حلم التغييرِ وإرادةَ الشعب. ولا يحصُل ذلك من دون كثافةِ الاقتراع. واجبُ المواطنين اللبنانيّين أن يمارسوا حقَّهم، بل دورَهم في نهضة الوطن. فالانتخاباتُ النيابيّةُ مسؤوليّةٌ وطنيّةٌ في ظروف تحتاج إلى تجديدِ الحياةِ السياسيّةِ والجماعةِ السياسيّةِ وتغييرِ الأداءِ والخِيارات. فلتكن هذه الانتخاباتُ وسيلةً ديمقراطيّةً لمحاسبةِ الـمُخطِئين والفاشلين والفاسدين، وانتخابِ أصحابَ المواقفِ الثابتةِ والطروحات الإنقاذيّةِ والخِياراتِ الوطنيّةِ التي شكّلت علّةَ وجودِ لبنان ونجاحِه في ما مضى، وفي طليعتها معالجةُ الوضعِ المعيشيِّ والاجتماعيِّ والتربويِّ، والعودة إلى الحياد، وتحقيق اللامركزيّةُ الموسَّعةُ، والمطالبة بمؤتمر دُوليّ إصلاحيّ، وتعزيز الانتماء العربيّ والانفتاح العالميّ. نريد أن يخرجَ من صناديق الاقتراعِ لا أسماء النوابِ فقط، بل هُويّة لبنان.

7-نصلّي إلى الله كي يحقّق الأمنيات، ونشكره ونمجّده على كلّ علامات الرجاء، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته