درنة الليبيّة… علامة فارقة في التاريخ الأميركيّ ومهد للمسيحيّة الأفريقيّة

البيت الثقافيّ في درنة-ليبيا، الكنيسة اللاتينيّة سابقًا البيت الثقافيّ في درنة-ليبيا، الكنيسة اللاتينيّة سابقًا | مصدر الصورة: وزارة الخارجيّة والتعاون الدولي في الحكومة الليبيّة

في أكبر كارثة من نوعها منذ عشرات السنوات، شهدت ليبيا قبل نحو شهرين «إعصار دانيال». إعصار خلّف آلاف الضحايا والمفقودين بعدما اجتاحت السيول مدنًا عدة وعلى رأسها درنة شرقيّ البلاد، ما أسفر عن تدمير ربع المدينة تمامًا. فما الذي نعرفه عن هذه المدينة وعن ارتباطها بالمسيحية؟

درنة الحالية مدينة ساحلية بُنِيت في القرن الخامس عشر على موقع مستعمرة يونانية تعود إلى الألف الأول قبل الميلاد. تتميز بموقع استراتيجي جعل أرضها بشكل أو بآخر تشهد على أول معركة برية خارجية للولايات المتحدة الأميركية في تاريخها عام 1805.

 كذلك، تتسم درنة بطبيعة خلابة قلّ نظيرها في الشمال الأفريقي. وتُعدّ مهد الثقافة الليبية وموطن مسرحها الأول. وكانت مقاهيها ومراكزها الثقافية ملتقى لمحبي المعرفة من أهلها. حتى إن الكنيسة اللاتينية الكاثوليكية قد حُوِّلت إلى مركز ثقافي أعيد ترميمه وافتتاحه قبل عامين، ولكنّ السيول محته من الوجود.

شكّل الإعصار الأخير ضربة قاضية للمدينة ولإرثها الثقافي على حدّ سواء. وهو ما تتحمل الحكومات الليبية المتعاقبة في العقود الأخيرة جزءًا كبيرًا من مسؤوليته لإهمالها المدينة؛ ما أدى أولًا إلى زيادة معدلات الفقر وبالتالي توفر البيئة الخصبة لاستيطان التطرف.

وقد تجسّد ذلك بسيطرة الجماعات المتشددة وفي مقدمها تنظيم داعش على المدينة لسبع سنوات (2011-2018) لتصبح «قندهار» أخرى؛ كما أفضى ثانيًا إلى دمار سدَّي المدينة المهملَين، ما زاد من حجم الكارثة الإنسانية الأخيرة فيها.

البيت الثقافيّ في درنة-ليبيا، الكنيسة اللاتينيّة سابقًا. مصدر الصورة: وزارة الخارجيّة والتعاون الدوليّ في الحكومة الليبيّة
البيت الثقافيّ في درنة-ليبيا، الكنيسة اللاتينيّة سابقًا. مصدر الصورة: وزارة الخارجيّة والتعاون الدوليّ في الحكومة الليبيّة

أهمّية مسيحيّة

للمدينة أهمية في التاريخ المسيحي. ففي العام 366 تذكر السجلات المحلية تعيين أسقف على درنة من قبل كنيسة الإسكندرية، لكنّ  أهمية المدينة في الواقع تعود إلى زمن أبعد أي إلى القرون الميلادية الثلاثة الأولى، وهذا ما اتضح أكثر بعد البعثة الأثرية التي عملت في المنطقة برئاسة داوود حلاق بين عامي 1985-1987. 

توصّلت البعثة إلى نتيجة مفادها أنّ المنطقة الواقعة بين درنة شرقًا وشحات غربًا، وبخاصّة في منطقة الجبل الأخضر الوعرة، قد حوت كنائس ومقارّ سرية محفورة في الصخر على شكل مغاور تعود إلى المسيحية الباكرة، بالإضافة إلى احتضانها نقوشًا مسيحية أهمها الصلبان. واستنتجت البعثة أيضًا أنّ للقديس مرقس الإنجيلي حضورًا فيها في القرن الأول الميلادي.

هذه النقطة الأخيرة، وإن كان من الصعب تأكيدها فلا يمكن استبعادها أيضًا؛ أولًا لأنّ تلك المنطقة اكتسبت شأنًا تاريخيًّا وحضاريًّا عظيمًا إذ وُجدت فيها المدن الخمس أو ما يعرف بـ«بينتابوليس». وهي قريبة نسبيًّا لمصر التي زارها مرقس؛ وثانيًا لأنّ الأدلّة التاريخية تشير إلى أنّ مرقس ولد في تلك المنطقة من شرق ليبيا؛ ثالثًا وأخيرًا، وكما هو معروف بين الباحثين، أنّ إنجيل مرقس هو أقدم الأناجيل الأربعة من حيث زمن تدوينه.

من المواقع المسيحية في هذه البقعة الجغرافية التي أسلفنا ذكر حدودها، بليفسكا (تشمل اليوم منطقة أسقفا والمرازيق وبيت تامر)، وهيدرا (شرق نبع الدبوسية)، ووادي الإنجيل (جنوب بلدة كرسة الساحلية غرب درنة)، ووادي مرقس (بين رأس الهلال والأثرون) ونبع الناموس الذي يبعد عنه كيلومترًا واحدًا غربًا.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته