«أبناء وبنات العهد»… جماعة مشرقيّة مكرّسة على درب التجديد

أربيل, الجمعة 21 أبريل، 2023

اختار كثيرون من المؤمنين المشرقيين أن يكرّسوا حياتهم، ناذرين البتوليّة والفقر والخدمة، وساعين إلى عيش الكمال الإنجيلي مقتدين بالربّ يسوع، فعاشوا حياةً ذات سمةٍ نسكيّة من دون الالتزام باعتزال الحياة العامّة، واضعين اللَبِنة الأولى للحياة المكرّسة في الشرق، قرابة القرن الثالث الميلادي، مع ولادة جماعة «أبناء وبنات العهد-ܒܢܝ̈ ܩܝܡܐ»، وفق ما ذكرت المصادر التي تناولت تاريخ كنيسة المشرق.

قال بعض الباحثين إن «بْنَي قياما-ܒܢܝ̈ ܩܝܡܐ» تعني أبناء القيامة، فيما أوضح بطريرك الكنيسة الكلدانيّة الكاردينال لويس روفائيل ساكو، شارحًا أهمّية التكريس البتولي للعلمانيّات والعلمانيين في الكنيسة، أن تسميتهم تعني «أبناء العهد» لأنّ كلمة «قياما» تعني العهد الذي يقطعه المؤمن عند عماده، وفيها أيضًا إشارة إلى اليقظة التي كانت الجماعة المسيحيّة تتحلّى بها في سهرها لاستقبال الربّ. وهكذا، سُمّيت الكنيسة الأولى بـ«قياما» للدلالة على شعب «العهد الجديد» الساهر والملتئم حول الربّ القائم من الموت.

الجهاد الروحي والصلاة

عاش «أبناء وبنات العهد» حياتهم المعتادة من دون الاعتكاف في دير إذ لم تكن الحياة الرهبانيّة بقوانينها الصارمة معروفةً بعد. لكن الحكيم السرياني أفراهاط (270-345)، وهو أحد أهمّ معلّمي كنيسة المشرق وأبرز واعظيها، وضع نهجًا عامًّا متكاملًا لأولئك «الذين يحبّون البتوليّة»، فوجّه «أبناء العهد» في موعظته السادسة، شاملًا نفسه، إذ قال: «هذه الأمور التي أكتبها لك، هي لي أيضًا، لتنبيه كلَيْنا».

وشدّد أفراهاط في توجيهه على أن يكرّس أبناء العهد أنفسهم للتأمّل والصلاة والجهاد الروحي، فضلًا عن العزوبيّة، مقتدين بالمسيح: «أيها المتوحّدون الأحبّاء، هذه نصيحتي إليكم: ألا نأخذ لنا نساءً وألا تأخذ العذارى أزواجًا لكي نتمكّن من حمل نير المسيح».

كما تطرّق القديس أفرام السرياني (306-373) إلى «أبناء وبنات العهد» ومسؤوليّاتهم وأعمالهم، واهتمّ خصوصًا بإشراك بنات العهد المرتّلات في الإنشاد والخدمة الكنسيّة ليمتدح القديس يعقوب السروجي (451-521) تلك النهضة النسويّة بقيادة مار أفرام في أحد ميامره: «أمر موسى الحكيم بنات شعبه بألا ينقطعن عن واجب التسبيح، وأيضًا المبارك أفرام الذي صار موسى الثاني، علّم بنات شعبه ترانيم عذبة للتسبيح».

على درب التجديد

تسعى الكنيسة الكلدانيّة إلى تجديد هذا النوع من التكريس تحت الاسم نفسه عبر تأسيس جماعة ملتزمة بالإنجيل والخدمة الكنسيّة تستلهم الوعي المسيحي الأصيل للَبِنَة العهد الأولى، ويكون أعضاؤها «بسيطين، ومصغين، ومنفتحين، وملتزمين بالعهد الذي قطعوه لله والكنيسة، لا زيَّ خاصًّا بهم بل يلبسون صليبًا صغيرًا من الخشب فقط»، بحسب ساكو الذي احتفل في فبراير/شباط المنصرم بتكريس ابتدائي لجماعة من العلمانيّات الكلدانيّات حملن اسم «بنات العهد».