من هو الطفل يسوع في تعاليم البابا بنديكتوس؟

البابا بنديكتوس السادس عشر يقبّل طفلة البابا بنديكتوس السادس عشر يقبّل طفلة | Provided by: Vatican Media

يطرح رحيل البابا الفخري بنديكتوس السادس عشر في زمن الميلاد سؤالًا ملحًّا حول نظرته للطفل يسوع، وهو ما يمكن معرفته والتعمّق به من خلال كتابه «طفولة يسوع» الذي يشكّل الجزء الثالث من سلسلة يتناول فيها «يسوع الناصري». فما هي أبرز الأفكار اللاهوتيّة التي يقدّمها البابا في كتابه؟

يفتتح البابا كتابه بسؤال: من أين أنت؟ (يو 19: 9)، باحثًا في أصل يسوع الذي لم يُعالج بطريقة وافية باعتباره سؤالًا حول كيانه ورسالته. بالنسبة إلى متى ونظرًا إلى خلفيّته اليهوديّة المتأصّلة به، لقد بدأ إنجيله بلائحة لِنَسَبِ يسوع، مُرْجِعًا إيّاه إلى إبراهيم مرورًا بداوود. هذان الاسمان بالنسبة إلى متى حاسمان للجواب عن سؤال «من أين يأتي يسوع؟». لكن في الوقت نفسه، لفت البابا بنديكتوس النظر إلى وجود أربع نساء في اللائحة لم تكن أيٌّ منهنّ يهوديّة! ليدخل من خلالهن عالم الأمم في نسب يسوع وتتّضح رسالته تجاه اليهود والأمم. وتلك البداية لإنجيل متى ترتبط ارتباطًا وثيقًا بنهايته «تَلمِذُوا جميع الأمم».

بشكل نظري، تنتهي لائحة النسب لدى متى عند يوسف لكنه لا يقول إن يسوع من يوسف، وإنّما يقول إنه من مريم لتنتهي في الحقيقة لائحة النسب عندها، هي التي حَبِلَت من الروح القدس. ويكون يوسف الوالد القانوني فقط ليسوع الذي أتى من مكان آخر، «من فوق»، من عند الله نفسه. وهذا ما يتّضح أكثر مع إنجيل لوقا الذي يسرد كذلك نسب يسوع لكنّه لا يجعل آخر سلف له إبراهيم مثل متى، وإنّما يقول صراحة إنه «من الله».

انطلاقًا ممّا سبق، يؤكد بنديكتوس أن لا أهمّية للأسماء الفرديّة، خصوصًا مع عدم تطابق أسماء السلف بين متى ولوقا، بما في ذلك اسم والد يوسف. ما هو مهمّ يتمثّل بالهيكليّة الرمزيّة التي يظهر فيها موقع يسوع في التاريخ. وعن إنجيل لوقا، يقول بنديكتوس: «يحوي النَسَبُ 11 مرّة 7 عناصر، فلربّما كان لوقا يعرف المخطّط الرؤيوي الذي يوزّع التاريخ العام على 12 مرحلة إذ نجد هنا إشارةً في غاية التكتّم إلى أن ملء الأزمنة يبدأ مع يسوع».

أمّا يوحنا، فلم يستهلّ إنجيله بالنَسَب لكنه قدّم فاتحة بطريقة واضحة وعظيمة حول أصل يسوع وهويّته وخصائصه.

بشارة مريم

في إشارة إلى شموليّة الرسالة المسيحيّة، يرى بنديكتوس أن تحيّة الملاك لمريم لم تكن بالصيغة اليهوديّة المألوفة وإنّما بالصيغة اليونانيّة «خيري» أي سلام، وأن المعنى الآخر والحقيقي لكلمة «خيري» هو افرحي! ومع تمنّي الملاك، يمكننا القول إن العهد الجديد بدأ بالمعنى الحقيقي أي مع البشرى الحسنة. ويشير إلى أن كلمتَي «فرح» و«نعمة» تأتيان في اللغة اليونانيّة من الجذر نفسه، فتكونان على قدم المساواة. وقد استجابت مريم لتلك البشارة وأصبحت أمًّا بقولها «نعم». لقد عبّر آباء الكنيسة أحيانًا عن هذا الأمر بالقول إن مريم حملت من الأذن أي بسمعها. وفي هذا الصدد، يقتبس بنديكتوس من القديس إيريناوس قوله: «كيف يذهب الإنسان إلى الله إذا لم يأتِ الله إلى الإنسان؟»...

ولادة يسوع في بيت لحم

يشرح بنديكتوس الآية الإنجيليّة «ولدت مريم ابنها البكر»، لافتًا إلى أنها لا تعني بالضرورة الولد الأوّل بل إن لها معنًى لاهوتيًّا مرتبطًا بالعهد القديم، وبذلك تكون إشارة مسبقة إلى تقديم يسوع للهيكل وانتمائه الخاصّ إلى الله.

وُلِدَ يسوع خارج المدينة في بيئة مراعٍ، فكان من الطبيعي أن تتمّ دعوة الرعاة أوّلًا للقاء الطفل لأنهم كانوا الأقرب إلى المذود، فأصبحوا في قلب الحدث أكثر من سكّان المدينة الذين كانوا يرقدون بهدوء. قارب بنديكتوس هذه الفكرة مع حياة الرهبان الذين يعيشون خارج العالم المادّي لكنهم في سهرهم كالرعاة يكونون الأكثر قربًا وانفتاحًا على نداء الله.

مجوس المشرق

يشير بنديكتوس إلى اختلاف الآراء حول أصل المجوس مع ترجيحه لكونهم طبقة من الكهنة الفرس، لكنه يؤكد أنّهم كانوا يتمتّعون بالحكمة وبمعرفة دينيّة وفلسفيّة كبيرة، أيًّا تكن صفتهم. إن المجوس لم يكونوا فلكيين فحسب وإنّما علماء يمثّلون ديناميّة الذهاب إلى ما هو أبعد من الدين الرسمي ومن ذواتهم، ديناميّة تبحث عن الحقيقة.

وفي مقابل بروز يوسف بطلًا في قصّة الهروب إلى مصر، يعترف البابا الراحل بصعوبة إيجاد تفسير مقنع بالكامل في ما يتعلّق قبل ذلك بغيابه عند وصول المجوس لملاقاة الطفل. «ودخلوا البيت، فأبصروا الصبي مع مريم أمّه، فخرّوا وسجدوا له» (متى 2: 11). أمّا في ما يتعلّق بالنجم، فيستعرض البابا وجهتَي النظر حوله؛ تقول الأولى إنه كان نجمًا خارقًا، وهذا ما طرحه بعض الآباء أمثال يوحنا الذهبي الفم وإغناطيوس الأنطاكي وسواهما، بينما الثانية تعتبره نجمًا طبيعيًّا ظهر بسبب وقوع حادثة فلكيّة، وأشهر الشروحات في هذا الاتّجاه ما قدّمه العالم الشهير يوهانس كيبلر.

ويختتم بنديكتوس كتابه متحدّثًا عن «يسوع في الهيكل في سنّ الثانية عشرة» أي في الوقت الذي بدأت تظهر فيه حرّيته، سواء في تحرّكاته أو في فكره. وهنا يعتبر الكاتب أن حرّية يسوع ليست حرّية التحرّري أو الثوري التي كثيرًا ما فُسّرت بهذا الشكل، وإنّما هي حرّية الابن، حرّية من هو متّحدٌ كلّيًا بإرادة الآب ويساعد الناس في البلوغ إلى حرّية الاتّحاد بالله.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته