ثمانيّة الميلاد… دعوة إلى التأمّل في سرّ التجسّد

ولادة يسوع المسيح في بيت لحم-ثمانية الميلاد ولادة يسوع المسيح في بيت لحم | Provided by: danydory via Pixabay

«وُلِدَ لَكُم اليَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ المَسِيحُ الرَبُّ» (لو 2: 11)، هكذا بشّر الملاك الرعاة بميلاد الربّ المخلّص، ويبشّرنا نحن أيضًا. وابتهاجًا بهذا الفرح العظيم، تحتفل الكنائس الكاثوليكيّة حول العالم بعيد ميلاد ربّنا يسوع المسيح في الخامس والعشرين من ديسمبر/كانون الأوّل من كل عام. لكن التقويم الطقسي يقسّم الزمن الميلادي على نحوٍ يتنوّع ما بين الكنائس الشرقيّة والغربيّة.

بحسب الطقس اللاتيني، الاحتفال بالميلاد هو ثمانيّة أو ما يُعرف بـ«أوكتاف الميلاد»، والأوكتاف (octave) هو الثمانيّة باللاتينيّة إذ يتواصل الاحتفال ثمانية أيّام.

تبدأ ثمانيّة الميلاد بالاحتفال بمولد يسوع في الخامس والعشرين من ديسمبر/كانون الأوّل، وتُختتم بعيد مريم العذراء والدة الإله في الأوّل من يناير/كانون الثاني الذي يُصادف الأحد الأوّل من العام 2023.

تتضمّن طقوس الاحتفال في هذه الأيّام الثمانية بعض التفاصيل ومنها اللون الليتورجي إذ يرتدي رجال الإكليروس الملابس الليتورجيّة ذات اللون الأبيض علامة الابتهاج بميلاد المخلّص الذي جدّد البشريّة، وإشارةً إلى صفاء القلوب ونقائها وتفرّغها للعبادة والصلاة في زمن التقاء الأرض بالسماء.

لكن ذلك لا يمنع ارتداء لون مغاير إذ يرتدي الكهنة والأساقفة ثيابًا ليتورجيّة باللون الأحمر الذي يرمز إلى الشهادة في عيد مار إسطفانوس وفي ذكرى مذبحة أطفال بيت لحم.

يخبرنا سفر أعمال الرسل أن مار إسطفانوس كان شمّاسًا وهو بكر شهداء المسيحيّة بعد قيامة ربّنا من بين الأموات، وأن شاول الذي سيصبح لاحقًا مار بولس رسول الأمم كان حاضرًا وأن «الشُهُود خَلَعُوا ثِيابَهُم عند رِجْلَي شابٍّ يُقَالُ لَهُ شاوُل» (أع 7: 58).

أطفال بيت لحم الذين قتلهم هيرودس هم أيضًا شهداء، فقد قدّموا حياتهم من أجل يسوع، لذا اعتبرتهم الكنيسة أوّل من نال هذه الرتبة من أجل اسم المسيح، «لمّا رأى هيرودس أن المجوس سَخِرُوا به، غضب جدًّا. فأرسَلَ وقَتَلَ جميع الصبيان الذين في بيت لحم وفي كل تخومها، من ابن سنتَيْن فما دون، بحسب الزمان الذي تَحَقَّقَهُ من المجوس» (متى 2: 16).

بالعودة إلى الترتيب الليتورجي الخاصّ بالزمن الميلادي، تحتفل الكنيسة في السابع والعشرين من ديسمبر/كانون الأوّل بعيد القديس يوحنا الرسول «التلميذ الحبيب»؛ ذلك الإنجيلي الذي كان مبشّرًا عظيمًا، كتب الإنجيل بحسب بشارة يوحنا وسفر الرؤيا، وثلاث رسائل تضمّنها العهد الجديد.

تتواصل الأعياد مع الاحتفال بعيد العائلة المقدّسة واستذكار حادثة الهروب إلى مصر. ويقع هذا الاحتفال عادةً في الأحد الأوّل بعد الميلاد، لكنه يصادف هذه السنة في الأوّل من يناير/كانون الثاني 2023 والواقع فيه عيد مريم والدة الإله، لذا سيكون الاحتفال بعيد العائلة المقدّسة يوم الجمعة في الثلاثين من ديسمبر/كانون الأوّل 2022.

تكريم أمّنا مريم بالاحتفال بعيدها في اليوم الأوّل من السنة الجديدة هو احتفاءٌ بدورها في سرّ تجسّد ربّنا يسوع المسيح. فمريم حملت في أحشائها كلمته المتجسّد، ولأن طبيعتَي يسوع الإلهيّة والبشريّة متّحدتان، فهي لم تحمل طبيعة يسوع البشريّة فحسب، كما أنها ليست إناءً لألوهيّته فقط، بل إنها حقًّا «والدة الإله» التي حملت في أحشائها الكلمة المتجسّد.

الزمن الميلادي زمنٌ مقدّس تخصّصه الكنيسة للتأمّل في سرّ محبة الله وتجسّده من أجل خلاص البشريّة جمعاء. وفيه أيضًا يجد الكثير من الناس وقتًا للراحة والتأمّل في أحداث عام مضى بكل ما فيه من أفراح وأحزان. ربّما يكون قضاء بعض الوقت مع العائلة هو الخيار الأفضل لدى كثيرين، لكن لِمَ لا يكون استثمار هذه الأيّام المباركة في الصلاة وحضور القداس اليوميّ والتأمّل في قراءاته الطقسيّة خيارنا الأمثل؟

يحفل هذا الوقت بالتراتيل والأغاني الميلاديّة الرائعة، وهذه دعوة لنا جميعًا لنرنّم لطفل المغارة، الإله الكلمة الذي صار بشرًا وسكن بيننا. يعلّمنا القديس أغسطينوس أن «مَنْ يرنّم يصلّي مرّتين»، فهلمّوا نرنّم للربّ!

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته