الراعي يطالب معطّلي انتخاب رئيس للجمهوريّة اللبنانيّة بالكشف عن نيّاتهم

البطريرك بشارة الراعي يحتفل بالذبيحة الإلهيّة في كنيسة مار مارون في روما الراعي يحتفل بالذبيحة الإلهيّة في كنيسة مار مارون في روما | Provided by: Maronite Catholic Patriarchate of Antioch

تساءل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي عن أهداف معطّلي انتخاب رئيس للجمهوريّة اللبنانيّة، طالبًا منهم الكشف عن نيّاتهم. واعتبر أن غياب الرئيس يؤدّي إلى تفكّك أوصال الدولة واهتزاز الكيان وزعزعة الوحدة الداخليّة وتعطيل فصل السلطات وتكاثر النافذين وانتشار الفوضى وتفاقم الأزمات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والمعيشيّة. ورأى أن المجلس النيابي لا يستطيع مواصلة التلاعب والتأخير المتعمّد في انتخاب رئيسٍ للدولة.

هذا ما أكده البطريرك الماروني اليوم في عظته في خلال الذبيحة الإلهيّة التي ترأسها في كنيسة مار مارون في روما.

وجاء في عظة الراعي ما يلي:

«ذهبت مريم مسرعةً إلى بيت أليصابات» (لو 1: 29)

1.بشّر الملاك جبرائيل مريم بأنّها نالت نعمةً عند الله، وهي أنّها تحمل وتلد ابنًا بقوّة الروح القدس، وهي عذراء، والمولود منها هو ابن الله، واسمه يسوع (راجع لو 1: 30-35). وأعلمها أن نسيبتها أليصابات حملت بابنٍ في شيخوختها، وهي في شهرها السادس (راجع لو 1: 26).

2.اختصر حدث البشارة لمريم وزيارتها لأليصابات بثلاث كلمات: شركة ومشاركة ورسالة. وهي موضوع سينودس الأساقفة الروماني «من أجل كنيسة سينودسيّة» الذي دعا إليه البابا فرنسيس ليُعقد في تشرين الأوّل 2023. وسبقته مرحلتان إعداديّتان: الأولى على صعيد الأبرشيّات والمجالس الأسقفيّة والدوائر الرومانيّة ابتداءً من تشرين الأوّل 2021، وكانت بين أيدينا "الوثيقة الإعداديّة"؛ والثانية على مستوى القارّات ونحن سنجتمع غدًا وبعد غد لهذه الغاية مع البابا فرنسيس وبين أيدينا «وثيقة المرحلة القاريّة»، وهي حصيلة الوثيقة السابقة ومصادرها.

3.يسعدني أوّلًا أن أحيّي جميع الحاضرين، وبخاصّة الأساقفة والرؤساء العامّين وسفراء الدول، وفي مقدّمتهم سفيرة لبنان لدى الكويرينالي والقائمة بأعمال السفارة اللبنانيّة لدى الكرسي الرسولي، والآباء الوكلاء العامّين لدى الكرسي الرسولي وسائر الآباء، والسيّدات والسادة المشاركين. أما وقد مرّ علينا حزينًا عيد الاستقلال، نصلّي معًا في هذه الليتورجيا الإلهيّة من أجل الاستقرار في لبنان العزيز بدءًا بانتخاب رئيسٍ جديد للجمهوريّة، ذلك أن بغياب رئيس تتفكّك أوصال الدولة، ويهتزّ الكيان، وتتزعزع الوحدة الداخلية، ويتعطّل فصل السلطات، ويتكاثر النافذون، وتدبّ الفوضى، وتتفاقم الأزمات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والمعيشيّة، كما هو حاصل وبكل ألم.

4.شركة ومشاركة ورسالة. على هذه الأركان الثلاثة تقوم «الكنيسة السينودسيّة» التي نحن في صدد إعدادها وفقًا لتوجيهات البابا والأمانة العامة لسينودس الأساقفة. حدثُ بشارة العذراء وزيارتها لأليصابات يسهّلان علينا فهم هذه الكلمات اللاهوتيّة في أساسها.

الشركة تنبع من الله، وهي دخوله في حياة البشر بتجسّده. البشارة لمريم أعلنت وحقّقت هذه الشركة عبر شخص مريم التي تمثّل كل إنسان مؤمن، وتمثّل بامتياز الكنيسة، جسد المسيح السرّي.

المشاركة هي أن الله أشرك مريم والبشريّة بتصميمه الخلاصي وبفيض النعم والبركات.

الرسالة هي العمل على إحياء الشركة وعيش المشاركة النابعتَيْن من الله عموديًّا، من أجل تحقيقهما أفقيًّا بين الناس. وهذا ما فعلته مريم العذراء.

فبعدما قبلت الشركة مع الله، والمشاركة في تحقيق إرادته وتصميمه الخلاصي بجوابٍ ملؤه طاعة الإيمان والحبّ والرجاء: "ها أنا أمةُ الربّ، فليكن لي بحسب قولك" (لو 1: 38)، انطلقت إلى الرسالة لدى أليصابات.

5.أراد البابا أن ينعم جميع الناس بهذه العطايا الثلاث: الشركة وهي الدخول في شركة اتّحاد مع الله؛ المشاركة، وهي الاتحاد مع جميع الناس وتقاسم العطايا والمواهب الإلهيّة المادّية والثقافيّة والروحيّة والمعنويّة؛ الرسالة، وهي الانفتاح الدائم على الغير، والخروج من روح الأنانيّة والاستهلاكيّة، وعيش البعد الاجتماعي المعطاء في كيان كل إنسان.

نحن نصلّي من أجل أن تتحقّق أمنيات البابا فرنسيس من خلال مقاصده لعقد هذا السينودس.

6.كم نتمنّى لو أن نوّاب الأمّة في لبنان وكتلهم يدخلون في إطار هذا التيّار الروحي الجديد الذي يشكّل أساس العيش معًا وحوار الحياة والثقافة والمصير. أعني به "السير معًا بروح الشركة والمشاركة والرسالة". إنّها في الحقيقة تشكّل جوهر النظام اللبناني القائم على التعدّديّة الثقافيّة والدينيّة في وحدة العيش المشترك، والمشاركة في الحكم والإدارة، بروح الميثاق الوطني والدستور. هذا الجوهر الكياني جعل من لبنان «صاحبَ رسالة ونموذجًا للشرق كما للغرب»، كما قال عنه القديس البابا يوحنا بولس الثاني.

بقطع النظر عن العُرف القائل بوجوب نصاب ثلثي أعضاء مجلس النوّاب في جلسة انتخاب رئيس الجمهوريّة، يجب ألّا ننسى المبدأ القانوني القائل: «لا عرفَ مضادًّا للدستور». الدستور بمادّته 49 عن انتخاب الرئيس بثلثي الأصوات في الدورة الأولى، وفي الدورة التالية وما يليها بالأغلبيّة المطلقة (نصف زائدًا واحد). فلماذا إقفال الدورة الأولى بعد كل اقتراع وتعطيل النصاب في الدورة التالية خلافًا للمادة 55 من النظام الداخلي للمجلس؟

7.لا يستطيع المجلس النيابي مواصلة التلاعب والتأخير المتعمَّد في انتخاب «رئيسٍ للدولة يؤمِّن استمراريّة الكيان والمحافظة على النظام».

المزيد

 فما هو المقصود؟ أعكس ذلك؟ أعدم فصل السلطات؟ أمحوُ الدور الفاعل المسيحي عامّةً والماروني خاصّة؟ لماذا رئيس مجلس النوّاب يُنتخَبُ بجلسةٍ واحدة وحال موعدها؟ ولماذا يتمّ تكليف رئيس الحكومة فور نهاية الاستشارات المُلزمة؟ أهما أهمّ من رئيس الدولة؟ اكشفوا عن نواياكم يا معطِّلي جلسات انتخاب رئيسٍ للدولة!

اذهبوا وانتخبوا رئيسًا قادرًا بعد انتخابه أن يجمع اللبنانيين حوله وحول مشروع الدولة، ويلتزم الدستور والشرعيّة والقوانين اللبنانيّة والمقرّرات الدوليّة، ويمنع أن يتطاول عليها أيُّ طرفٍ وأن يحول دون تنفيذها وتعطيلها، أو أن يتنكّر لدور لبنان ورسالته في المنطقة والعالم.

لا تنتخبوا رئيسًا لهذا الحزب أو التيّار أو المذهب. ولا تنتخبوا رئيسًا لرُبْعِ حلٍّ أو نصف حلٍّ، بل لحلٍّ تدريجيٍّ كامل. فرئيس لبنان يكون لكل لبنان أو لا يكون، مثلما يكون لبنان لكل اللبنانيين أو لا يكون. يبقى أن يكون كل اللبنانيين للبنان بولائهم الوطني وخضوعهم لدستور الدولة.

8.إن لبنان لا يستطيع انتظار حلول الآخرين لينتخب رئيسه، خصوصًا أن ما يحصل في الـمنطقة لا يعد حتمًا بإيجاد حلولٍ للمشاكل القائمة، بل يبقى الخطر قائمًا بنشوء حروب جديدة من شأنها أن تُعقّدَ الحلّ اللبناني. وحتى الآن نسمع باتّصالاتٍ ومبادراتٍ من هذه الدولة أو تلك ولا نرى نتائج.

إن المحطّات التاريخيّة في لبنان أتت نتيجة مبادراتٍ لبنانيّةٍ ولو كانت دولٌ صديقةٌ ساعدتنا على تحقيقها. فإنشاء دولة لبنان الكبير والاستقلال جاءا نتيجة جهدٍ لبنانيٍّ أثّر على الخارج وليس العكس. فما بالنا نعطلّ انتخاب رئيس للجمهوريّة. ولماذا يدّعي البعض أن انتخاب الرئيس ممكنٌ بعد رأس السنة. فما الذي يمنع انتخابه اليوم؟ فهل سيتغيّر العالم سنة 2023؟

9.نصلّي معًا من أجل لبنان كي يُخرجه الله من ظلمة أزماته إلى نور تحريره ومواصلة رسالته، فهو سميعٌ مجيب! له المجد إلى الأبد.

 

(تستمر القصة أدناه)

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته