اغتصاب وقمع حرّية الحامل… ما رأي الكنيسة في هذه الأسئلة المتعلّقة بالإجهاض؟

امرأة حامل وضعت حذائي طفلة على بطنها امرأة حامل وضعت حذائي طفلة على بطنها | Provided by: Lernestorod - Pixabay

أسئلة وتبريرات عدّة يعطيها مروّجو فعل الإجهاض: من حمل المرأة بسبب تعرّضها للاغتصاب إلى اتّهام رافضي الإجهاض بقمع حرّية الحامل. في هذه المقالة، نتابع طرح أسئلتنا على الخوري يوسف أبي زيد حول موضوع الإجهاض بعدما نقلنا في مقالة سابقة شرح هذا الأخير سبب رفض الكنيسة الإجهاض. أبي زيد حاصل على شهادة دكتوراه في لاهوت الزواج والعائلة من معهد يوحنا بولس الثاني الحبري في روما وإجازة قانونيّة في الأخلاقيّة الحيويّة من معهد سلطانة الرسل الحبري في العاصمة الإيطاليّة وإجازة في علوم الحياة والأرض من الجامعة الأميركيّة في بيروت. هو اليوم مدير معهد العائلة ومنسّق الماجستير في كليّة العلوم الدينيّة واللاهوتيّة في جامعة الحكمة في بيروت.

هل يحدّد وعي الإنسان لذاته إنسانيّته من عدمها؟

يقول الخوري أبي زيد: «هناك من يعتبر أنّ الجنين يصير إنسانًا فقط عندما يمتلك جهازًا عصبيًّا أو قلبًا أو وعيًا ذاتيًّا... وهناك من يقول: ما دام الجنين ليس واعيًّا لذاته، فالشخص الآخر، الأُمّ على سبيل المثال، يقرّر إن كان الجنين "شخصًا" أم لا. وهناك من قال إنّ امتلاك الجنين "للشعور" من عدمه يحدّد إن كان شخصًا أم لا. لكن بهذا الشكل، يصبح الحيوان شخصًا إذ يشعر بالألم وإن كان لا يملك وعيًا ذاتيًّا». وسأل أبي زيد: «الأطفال المولودون حديثًا لا يملكون الوعي الكامل لذاتهم، فهل هذا ينفي عنهم إنسانيّتهم؟ يضاف إلى ذلك أنّ الجنين يملك احتماليّة أو إمكانيّة حصوله على الوعي الذاتي في البيئة المناسبة، هو يملك الطبيعة الإنسانيّة، لكن لا يُعتبر الإنسان إنسانًا فقط إن طوّر كلّ إمكانيّاته بشكل كامل».

هل رفض الإجهاض قمع لحرّية المرأة؟

«هناك سلّم مبادئ، أجاب أبي زيد، الحرّية سامية وضروريّة لكن أمام حياة إنسان، الحرّية تخدم ولا تقتل. الكنيسة تعتبر أنّ الحرّية لا تفوق حياة الإنسان أهميّة، لهذا لا تعطي الحرّية الحقّ بتدمير الحياة». وليس صحيحًا اعتبار قتل الجنين تمكينًا للمرأة كي تحقّق ذاتها. فقتل الجنين يشوّه صورة المرأة العميقة. وأكد أبي زيد: «في هذه الحالة، يكون قد تمّ استخدام الحرّية لتشويه المرأة وليس لبنائها. هذه ليست الحرّية الحقيقيّة. الله وضع الجنين في رحم المرأة كعطيّة وليس كعقاب. استقبال الجنين هو لسعادة الإنسان. المرأة التي ترفض الجنين تتخلّى عن مشروع السعادة التي أعطاها إيّاه الله».

إن كان الطفل سيعيش حياة بائسة

أوضح الخوري أبي زيد: «إن كان الطفل سيعاني مشاكلَ صحّية كبيرة، كأن يكون مصابًا بمتلازمة داون أو بمرض مزمن، هذا لا يسمح لنا بإزالته من الوجود لأنّ قيمة الإنسان أكبر من الألم ومن معاناته. قيمته هي في الحبّ وفي أنّه على صورة الله. هذه مناسبة للحبّ، وهذا الطفل يعطيني الإمكانيّة لأن أُحِبّ. هل كان من الأفضل على أحدهم أن يقتل يسوع مباشرةً لأنّ كان عليه الموت على الصليب؟ كلّا. قيمة حياة الإنسان تتخطّى حدود المشاعر فقط. قيمته في استقبال الحبّ، أكان واعيًا أم لا، وفي إعطائه الحبّ لذا لا يمكن اختزال كلّ الكائن البشري بمرض».

في حالة الاغتصاب

أكد الخوري أبي زيد أنّ «الاغتصاب حالة مؤلمة، ويمكن الاعتقاد أنّ إجهاض الجنين تَخَلُّصٌ من ذكرى الاعتداء الأليمة. هناك قصّة حقيقيّة لامرأة أميركيّة كاثوليكيّة تعرّضت للاغتصاب، فقرّرت عدم إجهاض الجنين، بل تابعت الحمل حتى النهاية، ولأنّها كانت في السابعة عشرة من عمرها فقط، بحثت عن عائلة ملتزمة ومتمكّنة لتربّي طفلها. وتابعت هذه المرأة زيارة ابنها، فكبر وأصبح مهندسًا لامعًا. أصبحت هذه المرأة لاحقًا مسؤولة عن الرعويّة العائليّة في أبرشيّتها».

وأعطى أبي زيد مثلًا عن امرأة أخرى تعرّضت للاغتصاب: «قالت هذه الأخيرة "الطفلة التي كانت في أحشائي خلّصت حياتي لأنّني رغبت بالانتحار لكن لم أقدم على ذلك حفاظًا على حياتها". هذه المرأة لم ترَ المُغْتَصِب في طفلتها بل رأت طفلة تنمو في أحشائها. وهنا دور كبير للمؤمنين في مساعدة امرأة كهذه كي ترى عطيّة الحياة بدل رؤية ذلك كنتيجة اغتصاب لأنّ كلّ إنسان عطيّة من الله». وأضاف أبي زيد: «طبعًا، يجب على المرأة المُغتصَبة أن تمرّ بمسيرة مغفرة جدّية تلقى في خلالها المساعدة المناسبة».

مشاكل ماديّة صعبة... الإجهاض حلّ؟

فسّر الخوري أبي زيد: «إن كانت العائلة تعيش في حالة ماديّة صعبة. عندها تكون الأسرة مدعوّة إلى الثقة بالعناية الإلهيّة أو قبول تقديم ابنهم بالتبنّي لعائلة مقتدرة أو مركز مختصّ. يتابع الأهل عندها زيارة ابنهم أو ابنتهم طوال حياته. إنّ خيار إعطاء الطفل بالتبنّي لعائلة أخرى تحتضنه صعب لكنّه أفضل من ارتكاب قتل الطفل أو الطفلة في الرحم».

لا يحقّ لنا صناعة الموت!

وخلص الخوري أبي زيد إلى القول: «كما أنّ الحياة هبة من الله نستقبلها ولا نصنعها، دخول الحياة الثانية أيضًا هبة من الله. لذا، لا يمكننا أن نصنع الموت عبر اختيار من يبقى على قيد الحياة ومن ننهي حياته. كلّ إنسان بمجرّد وجوده هو دعوة لأن نحبّه لذاته وليس لأنّه ليس مريضًا. يمكن أن نحبّ الإنسان لأنّه يتحلّى بحسنات معيّنة، لكن للإنسان غاية لا يمكن أن نقف ضدّها. وإن دخلنا في منطق القتل لمنع الألم، نصل إلى قتل أعداد كبيرة من الأحياء اليوم!»

 

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته