كيف يغيّر البابا فرنسيس شكل الإدارة المركزيّة الفاتيكانيّة؟

البابا فرنسيس في ساحة القدّيس بطرس في أبريل/نيسان 2022 البابا فرنسيس في ساحة القدّيس بطرس في أبريل/نيسان 2022 | Provided by: Vatican Media

منذ انتخابه أسقفًا لمدينة روما وحبرًا أعظم على الكنيسة الكاثوليكيّة الجامعة، اتّخذ البابا فرنسيس خطوات متلاحقة لإصلاح الإدارة المركزيّة الفاتيكانيّة المعروفة بالكوريا الرومانيّة. هذه بعض الخطوات التي قام بها البابا في السنوات الأخيرة.

ما هي الكوريا الرومانيّة؟

ينصّ الدستور الرسولي الجديد «أعلنوا الإنجيل» في المادّة الأولى منه على الآتي: «تُعتبر الكوريا الرومانيّة المؤسّسة التي يستعين بها الحبر الروماني بصورة عاديّة في ممارسة مهمّته الرعويّة العليا ورسالته العامّة في العالم. فهي في خدمة البابا، خليفة بطرس، وفي خدمة الأساقفة، خلفاء الرسل، وفقًا للطرق المناسبة لطبيعة كلّ واحد منهم، عندما يقومون بمهامهم بروحٍ إنجيليّة، ويعملون لخير الشركة والوَحدة وبناء الكنيسة الجامعة، وهم متنبّهون لمتطلّبات العالم الذي تُدعى فيه الكنيسة إلى القيام برسالتها».

دستور وبراءة يعكسان وجه الإصلاح المرجوّ

اتخذ البابا فرنسيس في السنتَيْن الأخيرَتَيْن قرارَيْن يعكسان وجه الإصلاح الذي يرغب به؛ الأوّل نشر الدستور الرسولي الجديد «أعلنوا الإنجيل» الذي ينظّم وظائف الكوريا الرومانيّة ومهامها، والثاني نشر البراءة الباباويّة «حرّاس التقاليد» التي تحدّ من الاحتفال بالقدّاس اللاتيني التقليدي بعدما كان سلفه البابا بندكتس السادس عشر قد سمح به منذ 15 عامًا. في الواقع، الدستور الجديد والبراءة المذكورة يكشفان وجه الإصلاح الذي يرغب به البابا للكوريا الرومانيّة، وهما الأداتان الأساسيّتان لتحديد خطّ الإصلاح المستقبلي.

فنتيجة للدستور الجديد، لم يعد للعديد من الكهنة الذين خدموا في الدوائر الفاتيكانيّة دورٌ هناك. كما دُعي آخرون لمغادرة روما لأنّهم أنهوا سنوات خدمتهم ولم يتمّ تجديد مواقعهم. وتجانسًا مع «حرّاس التقاليد»، تحدّث البابا مرارًا وتكرارًا عن خطر «التخلّف» والنظر إلى الوراء، مدافعًا عن قراره بالحدّ من الاحتفال بالقدّاس اللاتيني التقليدي، معتبرًا الأمر ضروريًّا.

مفاعيل الدستور

بعد دخول الدستور الرسولي حيّز التنفيذ، لم يشرع فرنسيس على الفور في تسمية رؤساء للدوائر وتعيينهم. فعلى سبيل المثال، دائرة الثقافة والتربية الفاتيكانيّة تأتي نتيجة دمج مجمع التربية الكاثوليكيّة بالمجلس البابوي للثقافة. ورئيس مجمع التربية الكاثوليكيّة الحالي هو الكاردينال جوزيبي فيرسالدي بينما رئيس المجلس البابوي هو الكاردينال جيانفرانكو رافاسي. سيبلغ رافاسي 80 عامًا في 18 أكتوبر/تشرين الأوّل المقبل، بينما بلغ فيرسالدي 79 عامًا في 29 يونيو/حزيران الماضي، هما تجاوزا سنّ التقاعد بكثير ولم يتمّ تعيين بديل لهما بعد. ومن ناحية أخرى، تمّ إعفاء سكرتير ووكيل مجمع التربية الكاثوليكيّة من منصبيهما.

خمس سنوات قد تكون كافية

مثلٌ آخر على مفاعيل الدستور والبراءة ما حدث مع المونسنيور ماتّيو فيسيولي. منذ العام 2017، كان فيسيولي يشغل المنصب الثالث في تراتبيّة مجمع عقيدة الإيمان. مع الإصلاح الجديد، كان يُنتظر أن تتمّ ترقية فيسيولي إلى منصب سكرتير، لكن شخصًا آخر سيُعيّن سكرتيرًا للقسم التأديبي وآخر بعد للقسم العقائدي هما المونسنيور جوزف كينيدي للتأديبي والمونسنيور أرماندو ماتّيو للعقائدي. بهذا بقي فيسيولي خارجًا ليعود إلى أبرشيّته الأصليّة في بارما حيث سيكون خوري رعيّة في بلدة فورنوفو الصغيرة. وبهذا نرى أنّ منصبه الجديد هو الأثر الأوّل للإصلاح: فهو لم يبقَ في الفاتيكان لأكثر من خمس سنوات، بل يعود إلى الأبرشيّة تكليفه بأيّ منصب حسب رتبته.

المشكلة ليست عمليّة بل إيديولوجيّة

عبر تحليل مسألة فيزيولي، تجعلنا خدمته الجديدة (خوري رعيّة) نعتقد على الفور أنّ المشكلة لم تكن عمليّة بل إيديولوجية. فلقد كانت المعلومات تشير إلى ترقيته لمنصب سكرتير للدائرة. لكن مصادر صحفيّة مطّلعة شرحت أنّ قرب فيزيولي من رئيس الأساقفة دجاكومو موراندي هو ما أبعده عن المنصب الفاتيكاني الجديد. فموراندي، بصفته سكرتيرًا لمجمع عقيدة الإيمان، شارك في التأكيد الرسمي أن مباركة العلاقات الجنسيّة المثليّة لا تجوز. لذا، عُيّن موراندي أسقف مدينة ريجّو إيميليا الإيطاليّة في يناير/كانون الثاني الفائت ليُبعَد بذلك عن الفاتيكان.

في السابع من مايو/أيّار الفائت، عُيِّن الأب تايت كاميرون شرودير رئيسًا للقسم التأديبي في مجمع عقيدة الإيمان لتعامله بشكلٍ جيّد مع الفضائح التي تدور في اللغة الإنكليزيّة. لكنّه لم يُرقَّ إلى منصبه، على الرغم من نشر الفاتيكان خبر تعيينه بشكل رسمي، إذ وصلت إلى مسامع البابا أنّه احتفل مرّات عدّة بالذبيحة الإلهيّة بالطقس اللاتيني القديم لمجموعات من الحجّاج.

فبين قرار البابا في الحدّ من القدّاس اللاتيني السابق للمجمع الفاتيكاني الثاني، حفاظًا على وحدة الكنيسة، والدستور الرسولي الجديد، تتّخذ التعيينات الفاتيكانيّة المقبلة شكلها الجديد ومعها تتغيّر الإدارة المركزيّة لحاضرة الفاتيكان الصغيرة في مساحتها الجغرافيّة إنّما الكبيرة في الديبلوماسيّة والتأثير على الرأي العام العالمي.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته